شارك المقال
  • تم النسخ

حوارات جامعة فاس تفتتح دورتها الثانية باستضافة المالكي

استضاف مختبر الدراسات السياسية والقانون العام، الأستاذ الحبيب المالكي، وذلك في سياق افتتاح حوارات الجامعة في دورتها الثانية، حيث يأتي هذا اللقاء الأول ضمن سلسلة الحوارات التي أطلقها المختبر في السنة الماضية مع زعماء الأحزاب السياسية، فاستؤنف هذه السنة من خلال تخصيص اللقاء الأول لتقديم قراءة في كتاب الرئيس السابق لمجلس النواب الموسوم ب”ديمقراطية التوافق: سنوات رئاسة مجلس النواب في المغرب”، حيث نظم هذا اللقاء بمركز الندوات والتكوين التابع للجامعة، يومه الجمعة 25 مارس 2022، بحضور أساتذة وإداريين وطلبة باحثين..

وقد أعطى الدكتور سعيد الصديقي، مدير مختبر الدراسات السياسية والقانون العام، انطلاقة الدورة الثانية لحوارات الجامعة من خلال مداخلة تقديمية استعرض فيها الغاية منها؛ كما افتتح هذا اللقاء بكلمات لكل من الدكتور رضوان مرابط، رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله/فاس، الذي أشاد بمبادرة حوارات الجامعة في نسختها الأولى، التي حققت نجاحا وإشعاعا وطنيا، معلنا بأن هذه الدورة ستعرف أيضا استضافة رؤساء الجهات؛ في حين أكد الدكتور محمد بوزلافة عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية/ فاس، على أهمية هذه الحوارات من خلال استضافة شخصيات وطنية ورجالات الدولة.

واتسم هذا اللقاء الأكاديمي بتقديم قراءات في كتاب الأستاذ الحبيب الملكي، والصادر في طبعته الأولى 2021 عن منشورات عكاظ – الرباط، بمشاركة كل من الأستاذ أحمد مفيد، الأستاذة صليحة بوعكاكة، الأستاذ أمين السعيد؛ حيث تقدم الأستاذ أحمد مفيد في القراءة الأولى بالقول بأن هذا الكتاب يؤكد على أهمية المؤسسة البرلمانية كمركز للديمقراطية، موضحا بأن كاتبه اعتمد على منهجية مكنت من الإحاطة بمجموعة من الإشكالات المتعلقة بالممارسة البرلمانية؛

مما أعطى الكتاب قيمة حسب تعبيره، والتي تكمن في كونه يجمع ما بين الشهادة والقراءة الفاحصة، حيث يقف على إيجابية التجربة البرلمانية خلال الولاية التشريعية (2016-2021) وعلى مكامن الضعف فيها، مضيفا بأن هذا العمل نابع من أصالة وعمق الممارسة البرلمانية وهو لملمة لعناصر ذاكرة مشتركة وترصيد لتجربة كانت جماعية بامتياز، وهو تأكيد لفهم واقعنا السياسي، كما أكد بأن الكتاب هو أيضا خلاصة لتدبير مرحلة ليست سهلة.

وتابع القول بأن الأستاذ المالكي عادة ما ينهي تجربته في المسؤولية العمومية بكتاب، فهو من بين المسؤولين المغاربة الذين قاموا بالتأريخ لتدبير الشأن العام، وقد أعطى مدلولا خاصا للتوافق ولأهميته بالنسبة للسياق المغربي، باعتباره آلية ومنهجية وأسلوب عمل يجنب البلد التوترات والنزاعات وهدر الزمن السياسي، لأن رجل الدولة يجب أن يقدم تنازلات من أجل مصلحة الوطن، كما جسدت تجربته برئاسة مجلس النواب نجاح هذه الآلية من خلال إقرار العديد من القوانين التي كان حولها اختلاف كبير؛ وأضاف بأنه اعتمد إستراتيجية تقوم على الإصلاح في ظل الاستمرارية وليس القطيعة، ناهيك عن استناده على آليات كثيرة خلال ترأسه للبرلمان، منها، تحقيقه للبرلمان المنفتح، تعزيز الديمقراطية التشاركية، تدعيم الإسناد العلمي للعمل البرلماني.

من جانب آخر، أكدت الأستاذة صليحة بوعكاكة في قراءتها للكتاب بأن المؤلف يعكس الطابع السياسي والإنساني للمؤلف، من خلال، أولا، ترسيخ لثقافة العرفان المتجسدة بداية في الإهداء للأم عكس ثقافة النكران الذكوري، ثم، ثانيا، يحيل في مقتضياته للخطابات الملكية بما له من دلالة على ثقافة الولاء، وثالثا يتضمن لإحالات ذات علاقة بأقوال مفكرين، بما يعني إيمان المؤلف بالثقافة الكونية، وتابعت القول بأن الكتاب عبارة عن شهادة نفسية من خلال ما يتضمنه من مفاهيم متعلقة بحالة الكاتب (الفرح، الحزن، الفقد، الإحباط…)، كما أكدت على أن السمة الأكاديمية حاضرة بقوة في الكتاب، حيث لا يتسرع في إصدار الأحكام والمواقف الجاهزة، ويذكر القارئ ببعض المفاهيم المهمة، ثم أنه لا يتوانى في الخوض في نقاشات أكاديمية غاية في الدقة، ناهيك عن تشخيصه للمعيقات وطرحه لمجموعة من الإشكالات مع الإبداء برأيه بشأن مسألة تشريعية.

فضلا عن ذلك، أكدت الأستاذة صليحة بوعكاكة على أن الكاتب لم يتحدث بمنطق القطيعة مع التجارب السابقة، ويستعرض مسار حزب سياسي قاد مرحلة التناوب، حيث ينقل التجربة بأمانة، ويقر من خلال كتابه على أن تجربته بمجلس النواب كان منطلقها أن يؤدي دوره الدستوري وأن لا يكون محل تنازع سياسي، كما يحضر في مؤلفه ارتباطه بالزعامات التاريخية لحزب الاتحاد الاشتراكي كالراحلين عبد الرحيم بوعبيد والراحل عبد الرحمن اليوسفي، وهو موقف يؤكد على دور الزعامات الحزبية في إقرار الولاء السياسي للحزب والوطن.

وتابعت الأستاذة بأن الكتاب يقدم نظرة مشرقة حول المؤسسة التشريعية، وذلك من خلال، أولا، وضع خطة إستراتيجية مكتوبة ومعتمدة بشكل توافقي أثناء ولايته؛ ثانيا، انجازات تشريعية مهمة قام بها المجلس مع إشارته لإشكال إضعاف المبادرة التشريعية للبرلمان من خلال تحكم الحكومة في التشريع؛ ثالثا، الدور الذي قام به البرلمان خلال الجائحة (على المستوى التشريعي)، ثالثا، عقد اتفاقيات مع برلمانات العالم، رابعا، تجربة مهمة من خلال البرلمان الإلكتروني، خامسا، إعادة بناء الثقة مع مختلف وسائل الإعلام، سادسا، الإدارة البرلمانية مع ضرورة الاعتناء بها وظيفيا وبرلمانيا.

وأكدت الأستاذة بأن هذا الكتاب يأتي في سياق ثقافة مألوفة عند العديد من السياسيين بمختلف دول العالم، المتمثلة في الكتابة عن تجاربهم السياسية، واعتبرته بأنه وثيقة سياسية فكرية ذات صلة بمسار الكاتب، فالكتابة تحفظ الذاكرة من النسيان، حيث أكدت بأن مثل هذه المؤلفات المتعلقة بالسير الذاتية تلقى رواجا كبيرا في وقتنا الحاضر، لأنها تتيح قراءة الكلي من خلال الجزئي عبر منهج وتقنية الاستقراء للوصول إلى خلاصات مهمة، واعتبرت هذا العمل بأنه عصارة تجربة في التسيير النيابي يعبر عن وجهتي نظر، وهي مهمة لاعتبارات متعلقة بقلة الأبحاث الأكاديمية المتعلقة بالقانون البرلماني، ثم أنها مساهمة قوية في تحسين الموقف العام من المؤسسة التشريعية التي غالبا ما ينظر إليها بأنها مؤسسة الريع، والحال أنه نجد داخل البرلمان أجهزة تعمل بانتظام.

على مستوى أخر، قدم الأستاذ أمين السعيد قراءة أخرى للكتاب، فقد افتتح مداخلته بالقول بأن هذا الكتاب ينتمي لجنس السير الذاتية، وهو يستند على شهادة مؤلفه لتجربة عايشها كرئيس لمجلس النواب خلال الولاية العاشرة (2016-2021)، حيث يعالج كل تفاصيل وجزئيات العمل البرلماني، كما يفتح أفاق ونوافذ جديدة للباحثين، خصوصا في مجال القانون البرلماني، ويثير إشكالات غاية في الدقة معززة بالأرقام والإحصائيات، من قبيل، المفارقة المتعلقة بالحصيلة الهزيلة للبرلمان في الجانب التشريعي، مقدما لمقترحات بعيدة عن اللغة الرسمية، حيث يؤكد على ضرورة القيام بمراجعة جذرية تستدعي إعادة النظر في اختصاصات البرلمان؛

وأكد الأستاذ أمين السعيد على أن الكتاب يناقش الأطروحة التوافقية وفق ما أسس لها العديد من الباحثين في العالم، حيث يستعرض للعديد من محطات المغرب التي كانت بمقاربة توافقية، فيشير لبعضها (حكومة التناوب، مدونة الأسرة، النموذج التنموي؛ الإصلاح الدستوري، الجهوية..)، كما أن ترشحه لرئاسة البرلمان سنة 2016 كان بشكل توافقي، ثم أن التصويت بالإجماع هو تصويت توافقي، وذلك ما عبر عنه التصويت على مجموعة من القوانين (القانون التنظيمي لمجلس الوطني للغات؛ القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؛ القانون المتعلق بالحماية الاجتماعية..).

وجادل الأستاذ أمين السعيد بشأن الأطروحة التوافقية التي تتعرض لانتقادات كثيرة، حيث يسميها البعض بوهم التوافق، فإذا كانت نجحت في تجارب معينة، فإنها فشلت في تجارب مقارنة أخرى نموذج مصر والعراق ولبنان، كما أثار لإشكالية انتخاب مجلس النواب، فهل تتم قبل التنصيب الحكومي أم بعد التنصيب، وهل من الحزب المتصدر أم من الأحزاب الأخرى، وهل من المعارضة أم من الأغلبية، محيلا على مجموعة من التجارب المقارنة التي حسمت هذا الأمر منذ البداية، كما أكد بأن الكتاب يقدم معطيات بكل موضوعية وتجرد وينبه لمجموعة من الإشكالات نموذج القوانين التي يكون نفاذها مقرونا بالمراسيم، ليختم مداخلته بالقول بأن هذا العمل يشجع على ثقافة الكتابة ويؤسس لثقافة جديدة عكس ما كرسته النخبة الصامتة والتي لا تقدم المعلومات.

وفي سياق تفاعل الأستاذ الحبيب المالكي مع قراءات المتدخلين، فقد أكد الرئيس السابق لمجلس النواب بأن العمل البرلماني ليس استعراضيا أو فرجويا، إنما هو عمل سياسي مجتمعي يعبر بجدية عن اختيارات الأمة ويتجاوب مع تطلعاتها، وله كلفة مالية، بشرية، إدارية، زمنية، كما أن الدبلوماسية البرلمانية ليست مجرد سفريات ورحلات، بقدر ما أنها مسؤولية وتساهم في خدمة المصالح العليا للوطن.

وقال الأستاذ المالكي بأن التوافق هو نهج للحكم في بلدنا يتطلب نضجا كبيرا، على أساس حب وثني للوطن، كما أن الإلحاح على ديمقراطية التوافق جاء لعدة اعتبارات، منها مثلا، أزمة تشكيل الحكومة سنة 2016، ثم نتيجة ما سماه بالاحتكار الأخلاقي للمسؤولية الوطنية، وقد أكد بأنه لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة فالحقيقة تنبثق من الحوار بين الجميع، لهذا فالتوافق يتطلب إنضاج الأفكار قبل اتخاذ القرارات، ويتطلب أيضا نضجا كبيرا داخل المؤسسات، كما يفترض الأخذ بمنهجية تعتمد على الإنصات والإشراك والانفتاح والتفاعل، الأمر الذي يساعد على اتخاذ القرارات بالإجماع.

وتابع القول بأنه ما يقارب 80 في المائة من مشاريع القوانين والقوانين التنظيمية اتخذت بالتوافق خلال الولاية التي ترأس فيها مجلس النواب، كما أن منهجية التوافق الآن هي استمرارية للتوافق في ما قبل، فقد أكد على التوافق على مجموعة من القوانين والبرامج الوطنية والإصلاحات الكبرى في ما سبق (اللجنة الاستشارية حول الجهوية؛ الإنصاف والمصالحة؛ النموذج التنموي..)، موضحا بأن تجربته بمجلس النواب خلال الولاية العاشرة كانت مثمرة، وإنجازاتها هي نتاج التوافق.

ليختتم مداخلته بالإشارة إلى ما سماه بالعياء الديمقراطي، ولما ينبه له بعض الباحثين من ضعف الديمقراطية التمثيلية، والتي يكون من نتائجها ظهور الأفكار العدمية وانتعاش الفكر الشعبوي وأيضا اليمين المتطرف وظهور النزعات العنصرية بمختلف بلدان العالم؛ موضحا بأن الخطر الآن الذي يهدد الديمقراطية هي الشعبوية وفق ما توصل إليه من منطلق تجربته بمجلس النواب، قائلا بأن ديمقراطية التوافق ستعطي نفسا وتجديدا لمفهوم الديمقراطية مع استحضار منطق التراكم والاستمرارية والتدرج في الإصلاح، ملحا في الأخير على ضرورة التصدي للشعبوية كي لا تتكرس كسلوك وخطاب وممارسة سياسية..

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي