تحولت أغلب الشوارع والأزقة بالمدن المغربية إلى فضاءات لعرض خدمات المدمنين على استهلاك مخدر “البوفا” أو “كوكايين الفقراء” الذي حول حياة أغلب متعاطيه، بين ليلة وضحاها، إلى جحيم، وصار الآباء والأمهات يواجهون شبحا جديدا يعتبر من أخطر أنواع “البليات” وأشدها فتكا بحياة ومستقبل الشباب.
سارة عفيفي، اختصاصية في المرافقة النفسية والاستشارات الأسرية، قالت إن” سم “البوفا”، أو “حلوة الشيطان”، انتشر، أخيرا، كانتشار النار في الهشيم، لأن ضحاياه بالشوارع والأزقة المغربية أصبحوا كثر، وانتقل المدمنون على هذه المادة السامة من السر إلى العلن، وباتت شوارع المملكة تضج بهم“.
وتابعت عفيفي، في حوار مع جريدة “بناصا” الإلكترونية، أن “ضعف الشخصية والفراغ القاتل والمشاكل الدفينة، والعزوف عن ممارسة الرياضة، واكتشاف ذلك الإحساس الذي يتحدث عنه البعض، وتلك النشوة والقوة الذهنية والجسدية التي يمنحها المخدر بمجرد استنشاقه، ساهمت في اتساع رقعة المتعاطين”.
وأشارت الإختصاصية في المرافقة النفسية والاستشارات الأسرية، إلى أنه “لمحاربة ترويج المخدرات يجب تكثيف الحملات التوعوية من أهل الاختصاص، مثل المعالحين النفسيين، ورجال القانون، والدين، وذلك من أجل التعريف بمخاطر الإدمان على الفرد والمجتمع”.
وهذا نص الحوار كاملا:
مخدر “البوفا” أو ما يصطلح عليه بـ”كوكايين الفقراء” أصبح العبارة الأكثر تداولا على شبكات التواصل، والصحف والإذاعات وكذلك البرامج التلفزية.. لماذا انتشر هذا “المخدر” بالذات، بهذه السرعة الكبيرة في أوساط الشباب؟ وما خطورته؟
مخدر “البوفا” ليس وليد اليوم، وإنما كان معروفا منذ سنين، حيث ظهر لأول مرة بالصين الشعبية سنة 1986، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتتسع رقة استعمالاته بباقي أنحاء العالم، ولم يكن معروفا باسم “البوفا” آنذاك، حيث عرف حكرا في منطقة شمال المغرب، وسمي في المرة الأولى بـ”الهيرو” أو “الهيروين”، لأن هذا المخدر، هو عبارة عن بقايا أو “ديشي” الهيروين الممزوج بمواد كيماوية أخرى لا داعي لذكرها.
ولـ”البوفا” أسماء أخرى، نظير “الهيرو”، “حلوة الشيطان”، “المسخة”، “الهيروين”، ثم الـ”جانكا”.
وانتشر هذا “السم”، أخيرا، كانتشار النار في الهشيم، لأن ضحاياها بالشوارع والأزقة المغربية أصبحوا كثر، حيث انتقل المدمنون على “البوفا” من السر إلى العلن، وباتت شوارع المملكة تضج به من خلال معاينة تصرفات بعض الشباب الخارجة عن المألوف، لاسيما عندما تتدخل السلطات ينكشف أمر تعاطيهم لهذا المخدر الذي يدمر الشباب ويسقطهم تباعا.
يقال إن هذا المخدر يمنح المتعاطي شحنة قوية ويصبح شخصا عنيفا.. هل ضعف الشخصية يساهم في التعاطي المباشر لمثل هذه الأنواع من المخدرات؟
ربما، سؤال جيد، أكيد أن ضعف الشخصية، والفراغ القاتل، وعزوف الشباب على ممارسة الأنشطة الرياضية، وعلى دور الشباب والمراكز الثقافية، جعل أغلبية الشباب “بلا مشغلة”، أي أن هناك فائض في الوقت، وهذا الفراغ يدفع بالبعض إلى تجريب كل ما يعرض أمامهم.
جدير بالذكر، أن بعض المتعاطين لهذا السم، تكون لديهم مشاكل دفينة، على غرار المشاكل الأسرية، والاضطرابات النفسية، في حين تجد أن هناك أشخاص مدمنون على أنواع أخرى من المخدرات ويحاولون تجريب ما استجد في عالم المخدرات.
بيد أن “البوفا”، وعلى عكس المخدرات الأخرى، التي، لاربما، لا يظهر تأثير إدمانها من الوهلة الأولى، بينما “حلوة الشيطان” يبدأ مفعولها وتأثيرها منذ أول يوم، لأنها تستهدف خلايا المخ مباشرة، وبالتالي التأثير على باقي خلايا الجسد، وكل متعاطي لـ”البوفا” فهو محطم لخلاياه.
هناك من يرتمي إلى أحضان المخدرات من باب المزاح أو التجربة، و”البوفا” يظهر تأثيرها في غضون 3 إلى 6 ثواني، وتأثيرها ومفعولها يظهر الشخص بقوة خارقة، والشعور بـ(سعادة زائفة)، كما تحول الإنسان إلى “آلة” لا تكل ولا تمل، حيث يظل مفعول المخدر داخل جسم الإنسان ما بين 10 إلى 14 ساعة، ويصبح الشخص في حالة هيجان.
وما أن ينقضي هذا المفعول حتى تتحول تلك القوة “الخارقة” إلى ضعف وهوان، وعياء شديد، والقيام بتصرفات غريبة، وهناك من يصاب بالغثيان، أو الشعور بالآلام في المفاصل، وبالتالي فإن المتعاطي يشرع في البحث عن جرعة ثانية وثالثة، وهكذا دواليك.
لمنع انتشار هذه السموم في المجتمع المغربي، هل نحتاج التوعية الصحية بمخاطره، أم نلحأ إلى الخطاب الديني أو إلى الجمعيات التربوية، أم نعالج الأحكام الصادرة في حق مروجي المخدرات (غالبا أحكام مخففة في حق المتورطين) ؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، سأشرع بالحلول، العديد من الآباء والأمهات يدركون أو يكتشفون أن أبناءهم دخلوا في حالة إدمان، هنا لا يحتاج الأب أو الأم إلى مشورة أو رأي في الموضوع، حيث يجب على ولي الأمر فورا مصاحبة الإبن أو البنت إلى أقرب مصلحة للإدمان، أو إلى طبيب اختصاصي في الأمراض النفسية والعقلية (تخصص إدمان)، لأنهم أهل الاختصاص.
والتعاطي للمخدرات، قد يخلق اضطرابات على مستوى نفسية المتعاطي، والذي يمكن تصنيفه كمرض نفسي، وهناك خطط علاجية تكون إما عن طريق الأدوية، أو من خلال الاستشفاء بالمصحات الخاصة بالإدمان.
أأغلب من يتحدث عن شبح “البوفا” يظهر لنا حالة الأشخاص، ولا يخوضون في الموضوع، وبالتالي، وجب أن تكون التوعية من ذوي الاختصاص، مثل المعالجين النفسيين، ورجال القانون، حيث إن التعاطي في حد ذاته يعتبر “جرما”، إذ أن المتعاطي قد يصبح مروجا للمخدرات، دون إغفال الخطاب الديني، فالبعد عن الله يجعل المرء فريسة سهلة للمروجين.
هل الإدمان يعبر عن اضطراب النظام القيمي الفردي والاجتماعي والثقافي للمجتمع المغربي..؟
نعم، قد يكون كذلك، حيث إن التفكك الأسري، الذي بات أمرا شائعا، في المجتمع المغربي، وغياب دور الأسرة الحقيقي المتمثل في التأطير والتربية، وغياب المراقبة الذكية للأبناء، إذ نلحظ أن الآباء، أحيانا، يراقبون أبناءهم لكن ليس بطريقة صحيحة.
لا ننسى، أن “كل ممنوع مرغوب”، فغياب الحوار والتوعية وسط الأسرة، وداخل الفصول الدراسية، والتساهل مع المتعاطي، تحت يافطة “واحد النهار غادي اسهل عليه الله”، كلها أمور تعبر عن اضطراب النظام القيمي الفردي والاجتماعي.
هناك أيضا، غياب التكافل الاجتماعي، الذي كان شائعا بين الأفراد سابقا، حيث كان الجار يخاف على ابن جاره، ومع تقلص هذه الجوانب الاجتماعية ثم اختفائها تدريجيا فاقم من ظاهرة الإدمان وسط المجتمع المغربي.
تعليقات الزوار ( 0 )