منذ توليها السلطة، وصفت حكومة عزيز أخنوش بأنها حكومة الباطرونا ورجال الأعمال، حيث يجمع العديد من أعضائها بين السلطة والمال، مما جعل قراراتها منحازة بشكل واضح لمصالح المستثمرين وكبار رجال الأعمال وأصحاب المال والنفوذ. هذا النموذج من الحكم، الذي يكرس زواج المال بالسلطة، أدى إلى تراجع الدور الاجتماعي للدولة وإقصاء الفئات الهشة من دائرة الاهتمام الحكومي.
النتيجة كانت واضحة: حكومة تخدم لوبيات المال بدلا من تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث تم تمرير سياسات تكرس الفوارق الطبقية التي زادت من معاناة المواطن البسيط، في الوقت الذي تزداد فيه أرباح الشركات الكبرى وتستفيد من امتيازات غير مستحقة.
تفشي الغلاء وتدمير القدرة الشرائية
شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة موجة غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار، شملت المواد الغذائية الأساسية، المحروقات، وتكاليف بناء السكن … و رغم وعود الحكومة بضبط الأسعار، إلا أن الواقع يظهر أنها لم تفعل شيئا يذكر لحماية المواطنين من هذا التضخم القاتل.
ارتفعت أسعار بعض المواد الأساسية بنسبة تتراوح بين 15% و30%، مما أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المجتمع. سيطرة لوبيات الاحتكار على الأسواق زاد من تفاقم الأزمة، في ظل غياب أي تدخل حكومي فعال لكبح الأسعار. انعدام إجراءات الدعم المباشر للفئات الفقيرة زاد من تأزيم الوضع، حيث بات المواطن المغربي يكافح فقط لتأمين قوته اليومي.
ضعف الخدمات الأساسية وضرب أسس الدولة الاجتماعية
واحدة من أكبر وعود حكومة أخنوش كانت تعزيز الدولة الاجتماعية، لكن الواقع يثبت أن هذا المشروع لم يكن سوى دعاية انتخابية زائفة، حيث شهدت الخدمات العامة الأساسية تدهورا خطيرا، أبرزها الصحة والتعليم والنقل.
على مستوى الصحة، ورغم زعم الحكومة بتعميم التغطية الصحية (AMO)، و توسيع برامج الحماية الاجتماعية، لا يزال حوالي 8.8 ملايين شخص خارج نظام التغطية الصحية، مما يشير إلى تعثرات في تحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن الخدمات الصحية العمومية لا تزال متدهورة، والمواطن لا يجد أمامه سوى القطاع الخاص الذي يفرض أسعارا خيالية تزيد من تضخم ثروة أصحاب الأموال.
في قطاع التعليم، تسببت السياسات الحكومية في تراجع جودة التعليم العمومي، مما دفع الأسر إلى اللجوء إلى التعليم الخصوصي المحتكر من قبل “الباطرونا”، رغم تكاليفه الباهظة. أما النقل، فقد ظل يعاني من ضعف البنية التحتية وتآكل حافلات و وسائل النقل العمومي، في ظل غياب سياسات عمومية واضحة لتجويد النقل العمومي، مما زاد من صعوبة تنقل المواطنين، خاصة في المناطق النائية.
ملف الحوز وصمة عار على جبين الحكومة
بعد مرور أكثر من عامين على الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، لا يزال آلاف المتضررين يعيشون في الخيام، وسط ظروف إنسانية قاسية.
لم يتم تنفيذ أي خطط استعجالية فعالة لإعادة الإعمار وإيواء المتضررين. غياب رؤية واضحة جعل السكان يشعرون بأنهم تركوا لمصيرهم المجهول وبأن الدولة تخلت عنهم، مقارنة بدرنة الليبية، حيث تم إعادة الإعمار بسرعة فائقة.
إن تأخر حكومة الباطرونا يظهر سوء تدبيرها لهذا الملف الإنساني الحساس.
الاحتقان الاجتماعي وارتفاع البطالة
وصل معدل البطالة إلى 21.4% خلال عام 2024، في ظل فشل برامج حكومية مثل “فرصة” و”أوراش” في خلق فرص عمل حقيقية. شهدت البلاد موجة إفلاس غير مسبوقة، حيث أغلقت 20 ألف مقاولة أبوابها خلال العام الماضي، مما أدى إلى فقدان آلاف المغاربة لمصدر رزقهم. تزايدت الاحتجاجات الاجتماعية في مختلف القطاعات، مثل الجماعات الترابية و التعليم والصحة، رفضا لتدهور الأوضاع المعيشية واستمرار الحكومة في سياساتها التي تخدم أصحاب رؤوس الأموال على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
تغول الفساد وإهدار المال العام
رغم الشعارات التي ترفعها الحكومة بشأن محاربة الفساد، فإن الواقع يكشف أن الرشوة والمحسوبية لا تزال متفشية في العديد من القطاعات. غياب المحاسبة جعل بعض المسؤولين يتصرفون دون رادع، مما زاد من تآكل ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. المشاريع الحكومية الكبرى تمنح بشكل مشبوه إلى شركات معينة، مما يكرس الاحتكار ويهدر المال العام. عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد، حيث لا تزال التقارير الصادرة عن مؤسسات الرقابة توضع على الرفوف دون متابعة.
قضية العمال العرضيين بالجماعات الترابية تكذب رواية الدولة الاجتماعية
يعيش العمال العرضيون بالجماعات الترابية في دولة تستعد لاستضافة أحداث عالمية كبرى مثل كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2025 معاناة صعبة تفتقر إلى أبسط مقومات العدالة الاجتماعية. فهم محرومون من الحد الأدنى للأجر رغم تلقيهم لأجورهم من الجماعات الترابية التي من المفترض مؤسسة من مؤسسات الدولة، ولا يتم تسجيلهم في نظام التقاعد، مما يحرمهم من الحقوق الأساسية في الشيخوخة. بالإضافة إلى ذلك، لا يتمتعون بالتغطية الصحية، مما يعرضهم لمخاطر صحية كبيرة دون وجود شبكة أمان تحميهم. كما أنهم لا يستفيدون من التعويضات العائلية، مما يزيد من العبء الاقتصادي على أسرهم.
هذه المعاناة تعتبر وصمة عار على جبين حكومة أخنوش الذي من المفترض أنه يعي جيدا معاناة هؤلاء العمال بحكم أنه يشغل أيضا منصب رئيس الجماعة الترابية أكادير.
فشل برامج التشغيل بالمغرب
برامج التشغيل الحكومية مثل “فرصة” و “أوراش” لم تحقق الأهداف المعلنة التي وضعت من أجلها، مما أدى إلى تفاقم أزمة البطالة وزيادة الاحتقان الاجتماعي. على الرغم من الوعود الكبيرة بخلق فرص عمل وتقليل معدلات البطالة، إلا أن هذه البرامج لم تنجح في تقديم حلول حقيقية وفعالة للشباب العاطل عن العمل. بل إنها كشفت عن قصور في التخطيط والتنفيذ، حيث لم تستطع توفير فرص عمل مستدامة أو تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين. هذا الفشل لم يساهم فقط في ارتفاع نسبة البطالة، بل زاد من تدهور الأوضاع الاجتماعية، مما يعكس حاجة ملحة لإعادة هيكلة هذه البرامج ووضع سياسات تشغيل أكثر فعالية وشمولية.
فشل الحوار القطاعي للجماعات الترابية يكشف زيف شعار “الدولة الاجتماعية“
رغم التزام الحكومة بشعارات الدولة الاجتماعية وتعهدها بمعالجة الملفات العالقة في قطاع الجماعات الترابية من خلال الحوار الاجتماعي المركزي، فإن الحوار القطاعي ظل يراوح مكانه منذ سنوات، مما يعكس غياب إرادة سياسية حقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية لموظفي الجماعات. فمنذ سنة 2019 يشهد هذا الحوار تعثرات وتأجيلات متكررة دون نتائج ملموسة، الشيء الذي جعل هذا الحوارلم تأتِ بأي حلول عملية لمطالب الموظفين، خاصة ملف حاملي الشهادات غير المدمجين في السلالم المناسبة.
هذا التعطيل المستمر يكرس سياسة المماطلة، ويعمق فقدان الثقة بين الموظفين والحكومة، خاصة أن هذه الفئة تعاني من الحيف الإداري رغم قيامها بمهام تتجاوز الاختصاصات المسندة لجميع القطاعات الوزارية. فبدلا من تفعيل مبادئ العدالة الاجتماعية و الإنصاف المهني، تواصل حكومة أخنوش نهج التهميش والإقصاء، مما يؤدي إلى احتقان اجتماعي متزايد داخل الجماعات الترابية.
فكيف يمكن الحديث عن دولة اجتماعية بينما تستمر الحكومة في تجاهل الحقوق المشروعة لفئة حيوية تسهم بشكل مباشر في تدبير الشأن المحلي الذي له دور هام في تنزيل الدولة الاجتماعية؟
الحلول الممكنة لإنقاذ الوضع
في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها حكومة أخنوش، والتي أبرزتها الانتقادات الواردة في المقال، أصبح من الضروري تقديم حلول عملية وفعالة لمعالجة هذه الإشكاليات. هذه الحلول تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، تحسين الخدمات العامة، ومواجهة الأزمات الاقتصادية والبيئية التي يعاني منها المواطن المغربي. من خلال إصلاح السياسات الحالية وتبني مقاربات أكثر شمولية وشفافية، يمكن للحكومة أن تعيد بناء الثقة مع المواطنين وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.
تعزيز العدالة الاجتماعية
إصلاح النظام الضريبي: يجب إعادة هيكلة النظام الضريبي ليكون أكثر تصاعديا، بحيث يتحمل أصحاب الدخل المرتفع والشركات الكبرى نصيبا أكبر من العبء الضريبي، مع توجيه هذه الموارد لتمويل برامج الحماية الاجتماعية.
دعم الفئات الهشة: تعزيز برامج الدعم المباشر للفقراء والعاطلين عن العمل، مع تبسيط إجراءات الاستفادة من هذه البرامج لتشمل أكبر عدد ممكن من المحتاجين.
تحسين الأجور: رفع الحد الأدنى للأجر وتعديل الأجور في القطاع العام والخاص لمواكبة ارتفاع تكاليف المعيشة.
مواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار
مراقبة الأسواق: تفعيل آليات مراقبة الأسعار ومحاربة الاحتكارات، مع فرض عقوبات صارمة على المحتكرين و المتلاعبين بأسعار المواد الأساسية.
دعم المواد الأساسية: توفير دعم حكومي مباشر لأسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات، خاصة في فترات الأزمات الاقتصادية.
تعزيز الإنتاج المحلي: تشجيع الزراعة المحلية والصناعات الصغيرة لتقليل الاعتماد على الواردات وبالتالي خفض الأسعار.
تحسين الخدمات العامة
الصحة: زيادة الاستثمار في القطاع الصحي العمومي، وتوسيع التغطية الصحية لتشمل جميع المواطنين، مع تحسين جودة الخدمات وتوفير الأدوية الأساسية بأسعار معقولة.
التعليم: إصلاح النظام التعليمي العمومي وزيادة ميزانيته، مع التركيز على تحسين جودة التعليم وتقليل الاعتماد على التعليم الخاص.
النقل: تطوير البنية التحتية للنقل العمومي، خاصة في المناطق النائية، وتوفير وسائل نقل حديثة وبأسعار معقولة.
خطة استعجالية: وضع خطة سريعة لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية، مثل زلزال الحوز، مع توفير سكن لائق للمتضررين.
مشاركة المجتمع المحلي: إشراك السكان المحليين في عملية إعادة الإعمار لضمان تلبيتها لاحتياجاتهم الحقيقية.
خلق فرص عمل
دعم المقاولات الصغيرة: تقديم قروض ميسرة بدون فوائد ودعم فني للمقاولات الصغيرة والمتوسطة لتمكينها من النمو وتوفير فرص عمل.
إصلاح برامج التشغيل: مراجعة برامج مثل “فرصة” و”أوراش” لضمان فعاليتها في خلق فرص عمل دائمة ومستدامة.
تشجيع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية: تحفيز الاستثمار في الصناعة والزراعة والطاقات المتجددة لتوفير فرص عمل جديدة.
مواجهة أزمة الجفاف
تحلية المياه: الاستثمار في مشاريع تحلية المياه لضمان الأمن المائي، خاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.
إصلاح شبكات التوزيع: تحسين كفاءة شبكات توزيع المياه لتقليل الفاقد من المياه بسبب التسربات.
دعم الفلاحين الصغار: توفير الدعم المالي والفني للفلاحين الصغار لتمكينهم من مواجهة آثار الجفاف.
محاربة الفساد
تعزيز الشفافية: تفعيل آليات الشفافية في إدارة المال العام، مع نشر تقارير دورية عن المشاريع الحكومية الكبرى.
تعزيز دور المؤسسات الرقابية: منح المؤسسات الرقابية استقلالية أكبر وتمكينها من متابعة ومحاسبة المتورطين في الفساد.
حماية المبلغين عن الفساد: توفير حماية قانونية للمبلغين عن الفساد لتشجيع الإبلاغ عن المخالفات.
إصلاح السياسات الزراعية
مراجعة مخطط “المغرب الأخضر” : إعادة تقييم هذا المخطط لضمان تحقيق أهدافه في زيادة الإنتاجية وتوفير فرص العمل وضمان الأمن الغذائي.
دعم الزراعات المحلية: تشجيع الزراعات التي تستهلك كميات أقل من المياه وتلبي الاحتياجات المحلية بدلا من التركيز على الزراعات التصديرية.
عدم تصدير المنتوجات الزراعية حتى يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي.
تفعيل الحوار الاجتماعي و الحوارات القطاعية
إعادة تفعيل الحوار الاجتماعي و الحوارات القطاعية مع ممثلي الموظفين و العمال من نقابات و هيئات مدنية و حقوقية لمعالجة مطالبهم وتحقيق العدالة الاجتماعية.
تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين
حوار مفتوح: فتح حوار مباشر مع المواطنين للاستماع إلى مطالبهم واقتراحاتهم، مع إشراك المجتمع المدني في صنع القرار.
تحسين التواصل الحكومي: تبني سياسة تواصل شفافة مع المواطنين لتوضيح الإجراءات المتخذة والنتائج المحققة.
مع حكومة فاشلة مصير مجهول للمغاربة
من الواضح أن حكومة أخنوش قد خذلت الشعب المغربي، وأثبتت أنها حكومة تخدم مصالح النخبة الاقتصادية الرأسمالية الثرية بدلا من تحقيق العدالة الاجتماعية. المواطن البسيط بات ضحية سياسات اقتصادية فاشلة.
إذا استمرت الحكومة على هذا النهج، فإن المستقبل يبدو قاتما، حيث إن الاحتقان الاجتماعي يتزايد، والهوة بين السلطة والشعب تتسع. على الحكومة أن تعي أن الشعب المغربي لم يعد يحتمل المزيد من الأكاذيب والشعارات الفارغة، وأن أي تأخير في معالجة الأوضاع سيؤدي إلى انفجار اجتماعي لا تحمد عقباه.
تعليقات الزوار ( 0 )