مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما شبكة الفيس بوك باعتبارها الشبكة الاكثر شعبية, و الاكثر ولوجية من باقي الشبكات مكتظة الى درجة الازدحام بخبر القائد و صندوق التفاح .
الحكاية تتحدث عن مشهد فيديو مذاع بمدينة الدار البيضاء, اثناء عمليات مراقبة حالة الطوارئ الصحية يقوم رجل السلطة بدفع الصندوق تجاه مساعديه، .بعده تتوالى الحكايات و التاويلات عن الحدث و بعناوين و تعليقات ساخرة و تشهيرية و باحكام قيمة نهائية . البعض اعتبر اننا امام فعل سرقة , و ان القائد مجرد لص و البعض اعتبر ان طريقة السرقة واحدة الفرق بين الصناديق فقط و غيرها من التاويلات و التي وجدت فرصة لتعبيير ربما عن مكبوت جمعي .
بعد ساعات قليلة خرجت صاحبة محل بيع الخضر لتؤكد ان الامر لا يتعلق بصندوق تفاح, و انما بصندوق حامض و انها استعادته , ليبدأ نقاش اخر في تكذيب القصة و الرواية مع تصديق ما رواية من لم يكن حاضرا .
القصة الحدث و بغظ النظر عن سياقتها و ابعادها تمنحنا فرصة لاستكشاف جزء من تقافتنا :
حكاية الصندوق بحي درب السلطان البيضاء تتقاطع مع حكايات الصناديق السوداء بعد تحطم اية طائرة .حيت يبدا مسلسل البحث عن الصندوق الاسود بالموازاة مع البحث عن جثث الموتى , لربما يكون البحث عن الصندوق اهم من البحث عن الجثث, لاسيما ان كان الانفجار فوق احدى المحيطات او البحار . منطق البحث عن الصندوق الاسود لكشف اسباب العطب , وهو اجراء موجه للمستقبل و ليس للماضي , استكشاف الخلل يقود الى معالجته و بالتالي توفير رحلات امنة .
حكايات الصندوق الاسود بعد كل عملية انفجار يكشف منطقا تقافيا يحكم المجتمعات الغربية التي تجعل من الصندوق الاسود طريقا لكشف الحقيقة حتى في لحظات الازمة , لان التفكير في الموت و اثناء الموت و على هامش الموت يقود الى التفكير في الحياة .
بالامس , كانت حكاية شبيهة بحكايات الصندوق الاسود , لكن لاوجود لاي حادث جوي , الحدث متعلق بحكاية رجل سلطة برتبة قائد و صندوق , مازال الاختلاف كبيرا بين المتفاعلين حول الصندوق و مايوجد به, البعض اعتبر انه صندوق به تفاح, و البعض الاخر اعتبر ان صندوق حامض و استمرت التحليلات و التعليقات المتسارعة لكشف الحقيقة, و التي لم يرها احد و الكل يترافع انه ممسك بها .
مشهد واحد بروايتين يعكس حجم الاختلاف في قراءة الصورة , ربما الامر لا تنطبق عليه فكرة بورخيس ان الكتاب الذي لا يتضمن نقيضه يعتبر كتابا ناقصا , فالتناقض الموجود في الحكايات المروية على شبكة اجتماعية و التي وجدت من اجل الموت, ان اخذنا بالطابع الاستعاري لشبكة الفيس بوك كشبكة عنكوت حيت تصطاد كل من يدخل اليها بهدوء و عبر خيوط ملساء و ناعمة . فالتناقض في قراءة المشهد يحيل الى تناقض مؤسس ليس كما عناه بورخيس لكنه نقض لحقيقة المشهد و نفي له.
البعض اعتبر انه صندوق تفاح و البعض اعتبره صندوق حامض و صاحبة المحل تؤكد انه صندوق فاسد , و هناك من كان اكثر اجتهادا و قارن بين ما لا يقارن , بين قائد و نيوتن , بين يملك سلطة تدبير مجال ضغير مع عالم كبير غير مجرى الفيزياء حيت تساءل حول سقوط التفاح ليكتشف الجاذبية و بين من سرق التفاح ؟
حجم التاويلا كان كثيفا , و النتيجة منسوب كثيف من الاساءة و التشهير , او على الاقل قراءة صورة بخلفية لا شعورية عبر محاولة استنطاق المشهد , و تحميله مخفيات الذات و مكبوتاتها.
ان المجهود المبذول ليس رصد وقائع المشهد لكن تكثيف المشهد بما تختزنه الذات المستنطقة للحدث/ الصورة بالكثير من التمثلات الشعورية حول صورة القائد / الجشع / اللص / اللاوطني , و الذي كان دائما ترسمه المرويات و الحكايات انه العدو الاول للمواطن .
كل حكاية لها منطقها , و هو ما يجعل الصندوق اطارا للتفكير في خصوصية المنطق الثقافي لكل مجتمع , الصندوق الاسود في الدول الغربية و لاسيما لدى الشركات الكبرى للطيران يعني البحث عن حقيقة الخلل سواء من اجل اصلاح العيوب المفترضة, او في اطار التوظيف التسويقي من طرف دولة او شركة منافسة في مجال الطيران لاسيما الصراع القئم بين الايرباص و البوينغ .
اما حكاية الصندوق عندنا فاماطت اللثام عن بعض خصوصياتنا الثقافية , و ان الصندوق هو احالة الى اطار لماهو غرائبي – صندوق لعجب – أي مايريح الذات و ليس ما يطابق الواقع, و يستجلي الحقيقة .
قيمة الصندوق ما فيه من مكبوتات لاشعورية , حيت يصبح تفريغها الية دفاعية لتخفيظ منسوب التوثر و القلق , يصبح تفريغها ليس من اجل كشف الحقيقة لكن من اجل البحث عن تخفيض منسوب التوثر داخل الذات حول موضوع ما او واقع ما .
فرضية تنتصب امامنا , بعد معاينة المنسوب الكبير في تاويلات الفيديو , ان الصورة الايجابية التي حازها رجال السلطة المحلية في زمن كورونا , القائدة حورية انموذجا , لم يقبله الكثير لاسيما في ظل تراكم مجموعة من التمثلات الاجتماعية المحمولة حول صورة القائد , و التي تعود الى الارث الاستعماري باعتباره مسؤولا متسلطا على العباد و الرقاب , صورة القائد عمر بن عيسى و القائد الكلاوي و غيرهم .
الصورة الايجابية لرجل السلطة في زمن الجائحة و حجم الاشادة بدوره في اوقات الشدة انتجت حالة قلق نتيجة وجود رؤيتين متصارعتين حول صورة القائد , صورة رجل السلطة الظالمو المستمدة من الارث الاستعماري من فترة سنوات الرصاص , و صورة رجل السلطة في ظل كورنا القريب من الناس , هذه التنائية الحادة ربما شكلت ضغطا نفسيا لدى المتفاعلين , فكانت حكاية الصندوق مبررا فقط لبناء الانسجام داخل الذات و تخفيظ التوثر , من خلال الانحياز لتمثل الاول و نفي الصورة الثانية . ما يقوي هذه الفرضية هو حجم التداول و منسوب التشهير , اعتمادا على قرءات تاويلية تتغذى على خطاب الفضائح و الاساءة و الانتقاص من الاخرين .
تعليقات الزوار ( 0 )