Share
  • Link copied

حكايات من زمن كورونا وتناقضات الحكومة “العثمانية” عاشقة التين!

الحكومة «العثمانية» في المغرب تكاد هذه الأيام لا تسعها الدنيا من شدة الفرح، فقد رأت عيّنة من السياح يزورون البلاد، التي يُقال عنها إنها «أجمل بلد في العالم» بعد غياب دام حوالي سبعة شهور.

المطارات والفنادق ظلّت فارغة، إلى أن جاءت كاميرا التلفزيون كي ترصد المسؤولين المغاربة وهم مبتهجون أكثر من بهجة السياح أنفسهم.

ومن كثرة بهجتهم أوفدوا إلى مطار أغادير فرقة لموسيقى «كناوة» أملا في إضفاء الطابع الاحتفالي على الحدث.

الحكومة «العثمانية» وعلى غرار تقليد عربي متوارث، تتودد «للخواجة» لكنها تنظر شزرا إلى «ابن البلد».
الأول مُرحّب به دائمًا بالتمر والحليب والتصفيقات والزغاريد، والثاني تنتصب في وجهه المتاريس، حتى لا يخرج من حارته ومدينته، بحجة الخوف عليه من «كورونا» اللعين، وتُشتَرط على هذا المواطن البسيط شروطٌ تعجيزية إذا فكّر في الانتقال من مدينته إلى أخرى من أجل الاستجمام والسياحة.

حدث هذا حين كان عدد الإصابات بالفيروس قليلا جدا، أما اليوم وقد صار المغرب يحطّم الأرقام القياسية في الحالة الوبائية، فقد خطر للحكومة أن إنقاذ السياحة المحلية رهينٌ بالأجانب، وليس بأبناء الوطن، فاستقدمت سياحا فرنسيين وإسبانيين وإنجليزيين إلى مراكش وطنجة وفاس، ليقولوا للعالم إن البلد يتمتع بالأمن الصحي، خلافا للخانة التي وضعه فيها الاتحاد الأوربي!

الحكومة «العثمانية» نسبة إلى رئيسها سعد الدين العثماني، تعشق التين، ربما لحلاوته. ولذلك، قالت للمواطن المغربي البسيط: «تسلّق الشجرة لتأكل التين… انزل، من قال لك ذلك!؟» استلهاما للمثل العامّي المأثور الذي يعني التقلب في الآراء والمواقف والأفعال (اطلع تاكل الكرموس انزل شكون قالها لك؟).

لقد أفتت للمغاربة من قبل بضرورة ذبح أكباش عيد الأضحى، رأفة بملاّكي الأغنام، وغير مبالية بانتشار الفيروس اللعين… ثم منعتهم من زيارة عائلاتهم للاحتفال بهذه المناسبة الدينية والاجتماعية؛ فحصل «الهروب الكبير» للكثيرين نحو مساقط رأسهم في المدن والأرياف، وهو ما وثقته وسائل الإعلام المحلية والدولية صوتا وصورة وكتابة… ثم جاء مَن يتحدث عن تكاثر أرقام الإصابات بـ«كورونا»!

وقالت الحكومة لأرباب الفنادق: «أعدّوا العدّة لاستقبال الزبائن المحليين»… صدّق المساكين وعد الحكومة، خاصة وأنها طفقت تقيم الزفّة من خلال برامج تلفزيونية وإذاعية وحملات ترويجية للمنتج السياحي… لكنها، أي «الحكومة العثمانية» ارتأت في الأخير ـ ورأيها لا يناقش ما دامت تحكم البلاد بقانون الطوارئ الصحية ـ أنه من الأفضل للمُواطن أن يمكث في بيته، ليمارس فقط «السياحة الافتراضية»!

ألسنا نعيش زمنا افتراضيا بمعنى الكلمة!؟ كل شيء يجري فيه عن بعد: التعليم عن بعد، العمل عن بعد، الاجتماعات عن بعد، الموسيقى عن بعد، الندوات عن بعد… فلماذا لا تكون السياحة هي أيضا عن بعد؟
حسنا، وكيف سيتقاضى أرباب الفنادق ثمن الزيارة؟ هل ستوصيهم الحكومة بالاقتداء بقصّة ذلك المريض الذي ذهب عند الطبيب، وحين انتهى هذا الأخير من فحصه قال له: «إنك مريض بالوهم فقط. فما عليك سوى أن تردّد في قرارة نفسك: لقد شُفيتُ تماما، فتُشفى في الحال.» شكر المريض الطبيب، وولّى خارجا من العيادة. تبعه الطبيب مُناديا: يا سيدي، إنك لم تدفع لي ثمن الفحص! أجابه المريض: ما عليك يا دكتور سوى أن تتخيل أنك تسلّمت مني النقود، لتكون قد تسلمتها بالفعل!

وعلى ذكر النقود، فالملاحظ أن «الحكومة العثمانية» وجدت أن أقصر السبل لتحقيق «التضامن الاجتماعي» محاولة منها للتخفيف من آثار «كورونا» هو تسلّق «الحائط القصير» إنه المواطن المغربي، فأقرّت ضريبة جديدة في مشروع الموازنة العامة للعام المقبل، تقضي بأن تُقتطع من رواتب الموظفين أقساطٌ شهرية، في حين كان الأجدر بحكومة العثماني ـ كما قال نائبة برلمانية ـ أن تُحدث «ضريبة على الثروة».

ولكن، مَن يقنعها بذلك؟ من؟ فالمواطن المغلوب على أمره يدفع أخطاء سياسة حكومية ارتجالية، تصبّ في اتجاه تسمين الحيتان الكبرى التي تمثل الليبرالية في أقصى صورها المتوحشة!

ساحة «جامع الفنا»

منذ شهور، صارت ساحة «جامع الفنا» في مراكش فارغة من روادها ومن أبطالها الشعبيين. غادرها الحكواتي، والمطرب الشعبي، ومروض الأفاعي، وصاحب القرد، والراقص المتنكر في زي نسائي، والسقاء ذو القربة المصنوعة من جلد الماعز… وغادرتها أيضا قارئة الكف وعارضة الحناء. ولو كان الكاتب الإسباني خوان غويتوسولو ما زال على قيد الحياة لندب حال الساحة المراكشية الشهيرة، خاصة وأنه كان له دور كبير في تصنيفها تراثا عالميا ضمن قائمة «اليونسكو».

لم تغب الفرجة فحسب، بل انقطعت أرزاق كثيرين ممن كانت تلك الساحة موردهم المالي الأساس. حينها اكتشفت الحكومة هول الفراغ، والطبيعة كما يقال تأبى الفراغ، فصرخت مُنادية: أين «الخواجات» ذوو الشعر الأشقر والعيون الزرقاء؟!

ـ ولكن، كيف تطلبون مجيء «الخواجات» وأنتم تفزعونهم يوما بعد آخر في أخباركم التلفزيونية بأرقام مهولة في الإصابات والوفيات؟

هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟!

«الإنسان العاقل»

وأرادت «الحكومة العثمانية» أن تفرّج قليلا عن المواطن المغلوب على أمره، وتنسيه حدة الحجر الصحي وصدمة الأرقام اليومية المؤلمة، فخصصت له برنامجا وثائقيا بُثّ عبر التلفزيون الرسمي، كان موضوعه «الإنسان العاقل». لكن، لم يظهر للمُشاهدين أي إنسان، إلا بقايا جمجمة احتفى بها علماء آثار مغاربة وفرنسيون، لكونها دلّتهم على عنصر أساس من عناصر الحياة البشرية، بقي شاهدا على حياة غابرة في الشمال الإفريقي لآلاف السنين. ودون التنقيص من قيمة الجهد العلمي الذي بذله الخبراء المختصون، يبدو أنه لو قدر للإنسان «العاقل» القديم البقاء حيا حتى زماننا هذا، لفضّل أن يكون بلا عقل، لا سيما مع حكومة تعاني من انفصام في الشخصية، وتنسى في العشية ما التزمت به في الصباح.
وكما قال أبو الطيب المتنبي قديما:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

ومن أمثلة ازدواجية المواقف وتناقضها، الفيديو الذي يتناقله رواد التواصل الاجتماعي هذه الأيام، والذي يظهر فيه مسؤولو حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي ذي الأغلبية الحكومية وهم يتحدثون في البرلمان المغربي خلال زمن وجودهم في المعارضة منذ عدة سنين، منتقدين معاشات الوزراء داعين إلى إلغائها، حفاظا على المال العمومي، قائلين إن الشعب أحوج ما يكون إلى ذلك المال.

طبعا، الرسالة واضحة من ترويج هذا الفيديو، إنها إظهار تناقض أولئك «الإسلاميين» المتمسكين حاليا بالكراسي الوزارية، لاهثين وراء الامتيازات والمعاشات، غير مبالين بالمطالب الشعبية، ولا بتحولات خطابهم وإفلاسه ما بين الأمس واليوم!

Share
  • Link copied
المقال التالي