شهدت مدونة الأسرة المغربية لعام 2024 تعديلات لافتة هذه التعديلات جاءت لتُعزز حقوق المرأة، من خلال الاعتراف بمساهمتها في الثروة المشتركة داخل الأسرة، في خطوة توصف بأنها متأخرة ولكنها ضرورية لمواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة.
ومن بين أبرز ما تضمنته التعديلات هو تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة اثناء الزوجية وتثمين عمل المرأة المنزلي. وهي قضية مسيسة الصلة بمبدأ “الكد والسعاية” الذي طالما ظل حبيس الأعراف والتفسيرات الجزئية في القضاء والتراث النوازلي المغربي، والتي عرفت في الآونة الأخيرة نوعا من إحياء النقاش حولها، وكتبت فيها بعض الدراسات المحترمة، ومن بينها عمل الدكتور محمد بشاري “حق الكد والسعاية: مقاربة تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة”، وهو كتاب يربط الموضوع بسياقاته التاريخية والحضارية، وبالمضمون النوازلي المغربي من خلال نظرية الأخذ بما جرى به العرف والعمل التي تميز بها المذهب المالكي في الغرب الإسلامي في تعامله مع قضايا الواقع وتجاوزه لكثير من أزماته وفق شواهد تاريخية سياسية واجتماعية واقتصادية، وأكد على أن كل الظروف ترشح فتوى الكد والسعاية لأن تكون محل عناية من الدولة من خلال مؤسساتها الرسمية المتعلقة بالإفتاء والقضاء، وذلك لتجنب تداعيات التمييز بين الرجل والمرأة ودعاوى الجندرية، وهو ما يعني أن تتكاثف جهود مؤسسات الإفتاء الرسمي والقضائي من أجل تأطير واقع سيؤدي تركه للآراء الفضفاضة إلى كوارث حقيقية على المجتمع الإنساني، فالمرأة كانت وستظل عنصر التوازن الفعال الذي لا يمكن أن تهضم حقوقه ولكن لا يمكن في الوقت ذاته الغلو والتطرف في المطالبة بحقوق أكثريتها مكفولة شرعا وسياسة وفقها وقضاء، فيحتاج الأمر فقط إلى نوع من المصداقية والصدق مع النفس وتكليفها عناء البحث والحفر والمواءمة بين مقتضيات الشرع ومقتضيات الواقع، والعمل على تجاوز ما يمكن أن تفضي إليه أجرأة الفتوى وتطبيقاتها على الواقع، فليس هناك ما يخيف من تجاوز للشرع، وليس أيضا هناك مبرر لخوف البعض من تغول الفقهاء ومؤسسات الفقه والقضاء وإسهامها في الحط من كرامة المرأة المسلمة، فكل ما يلزم هو الواقعية والصدق والعزيمة القوية لتحييد موضوع الأسرة عن التجاذبات أيا كان منشأها ومنشئها، وأيا كان مصْدرها ومُصدرها.
رغم أهمية هذه الخطوة في تعديلات مدونة الأسرة، والتي اعتمدها المجلس العلمي الأعلى، إلا أنها تفتح الباب لتساؤلات جدية حول قدرة المجتمع المغربي على تقبلها في ظل ثقافة أسرية تُقاوم التوثيق القانوني لمثل هذه الاتفاقات، خشية تفكيك الروابط الأسرية أو إثارة النزاعات بين الأزواج. هل يمكن لهذه النصوص أن تُترجم إلى ممارسة فعلية في ظل مجتمع تقليدي يضع الاعتبارات العاطفية فوق القانونية؟ فالاعتراف بالعمل المنزلي كمساهمة اقتصادية يُعدّ تطورًا لافتًا، لكنه يثير تحديات عميقة حول كيفية تقييم هذه المساهمة. هل ستُقدّر قيمة العمل المنزلي وفق معايير موضوعية تضمن العدالة، أم سيظل هذا الاعتراف رمزيًا يخضع لتقديرات شخصية وغير موحدة؟ ومن سيحدد نصيب المرأة من الثروة المشتركة في غياب معايير واضحة؟ وهل سيُحقق الاعتراف بمبدأ الكد والسعاية نقلة نوعية في العدالة الأسرية، أم سيظل حبيس النصوص القانونية؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستُحدد مصير هذه الإصلاحات ومستقبل الأسرة المغربية.
تعليقات الزوار ( 0 )