يصادف يوم 8 مارس من كل سنة اليوم العالمي للمرأة، وهو يوم تبنّتْه الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1977 بناء على توصية تدعو الدول إلى تخصيص يوم 8 مارس من كل عام للاحتفال بحقوق المرأة والسلام الدولي. وقد أصبح هذا اليوم مناسبة عالمية لمناقشة واستعراض الإنجازات التي تحققت، ولرصد طموحات النساء في المستقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 نص بجلاء على تساوي الرجال والنساء في الحقوق، تلاه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 بإقرار حرية جميع الأشخاص وتكافئهم في الكرامة وحقوق الإنسان، وحظر التمييز ضد النساء. أضف إلى ذلك الاتفاقية الدولية لعام 1979 المتعلقة بمناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة. فضلا عن عدد من الآليات الدولية التي تضمن و تحمي حقوق النساء.
كما نجد أن من بين الأهداف الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة هناك هدف تحقيق التكافؤ الكامل بين الرجال والنساء على مستوى حقوق الإنسان وحقوق المواطنة؛ فتمكين المرأة وإسهامها الكامل والمتكافئ في كافة النشاطات السياسية، بما في ذلك الإسهامُ في صناعة القرار الحزبي والمشاركة في تدبير الشأن العام بجانب الرجل، شرط أساسي لتحقيق مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة .
و بالنسبة للمغرب، وباعتراف دولي ، فقد تحققت الكثير من الإنجازات في مجال النهوض بحقوق المرأة؛ ثم أن المرأة المغربية وصلت إلى مكانة مشرفة بفضل جهودها وكفاحها وطموحها لتقلد مواقع الريادة، وفرضت حضورها في الادارة ،و في المجتمع المدني والسياسي، وبالخصوص داخل الأحزاب السياسية والمؤسسات التمثيلية، بالرغم من التحديات الكبرى التي واجهتها وتواجهها.
و لذلك ، يحق لكل امرأة مغربية أن تفخر بما تمكنت من الوصول إليه وناضلت لأجله، فحصلت عليه، من حقوق سياسية، عبر مختلف المراحل منذ استقلال المغرب ، وساهمت في الإنتاج مساهمة فعالة، كما فتحت أمامها أبوابا لم تفتح بالأمس، وولجت كل الميادين التي تتناسب مع إمكانياتها واختصاصاتها، ما مكنها من انتزاع مكاسب لائقة بكرامتها كامرأة، سواء داخل الوطن أو خارجه.
ومن بين القوانين المهمة الداعمة لحقوق المرأة المغربية، على سبيل الذكر لا الحصر، مدونة للأسرة، التي تم اصدارها سنة 2004، وهي من أولى المبادرات الملكية الرامية إلى إنصاف النساء وإقرار حقوقهن، بعد أربع سنوات من تولي الملك العرش، والتي تم اعتبارها “ثورة اجتماعية وتشريعية”.
ثم لا ننسى أن الدستورَ المغربي الجديد لسنة 2011 نصّ على “تمتيع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية”، وعلى أنْ “تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وتُحْدث هيئة للمناصفة ومكافحة التمييز”.. وعلى أن “تعمل السلطات على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم ومشاركتهم في الحياة السياسية”.
كما نذكر أيضا قرار رفع تحفظات المملكة على الاتفاقية الدولية لمحاربة التمييز ضد المرأة التي سبق أن صادقت عليها الحكومة، وهو قرار شجاع يرمي إلى تأكيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة انسجاما مع نص وروح الدستور.
لكن، مع الأسف، تبين الإحصائيات الرسمية أن المرأة في المناطق القروية و المناطق المهمشة و المعزولة ، مازالت تعاني أوضاعا صعبة ، ومن ضعف إدماجها في المجال الاقتصادي و الاجتماعي. كما تعتبر نسبة مشاركة النساء في مراكز “القيادة” واتخاذ القرار قليلة ؛ ومازلنا نلاحظ ممارسات تمييزية في حقها في المجتمع وداخل الأحزاب من قبيل تهميش دورها السياسي، رغم القدرات القيادية التي تؤهلها لذلك. هذا مع العلم أن الدستور المغربي لسنة 2011 نص على المساواة بين الرجال و النساء وعلى تكافؤ الفرص و المناصفة.
أليس مصير المرأة والرجل واحد؟ ؛ فكلاهما مشتركان في الحقوق والواجبات في إطار من التكافؤ والمساواة، وأيّ تحجيم لدورها السياسي والاجتماعي يجعل المجتمع غير محقق لأهداف ومبادئ الديمقراطية، إذ إن الديمقراطية تعد القناة الأكثر فاعلية في نشر ثقافة تمكين المرأة من المشاركة السياسية وتسهم في خلق ثقافة المواطنة.
وهذا الواقع، كما نلاحظه، مرتبط بطبيعة المجتمعات ؛ فمازالت تسود العقلية الذكورية في المجتمع المغربي، تلك التي تبخس قدرات المرأة ، ومن ثم، يصير وصولها إلى مناصب القيادة، أو إلى المؤسسات المنتخبة، مسألة صعبة جداً ومعقدة أحيانا، بالرغم من الخطابات المعلنة التي تؤكد أن الأحزاب السياسية تدعم وصول المرأة إلى مراكز القيادة والمسؤولية.
ورغم كل هذه المعيقات فإن المرأة المغربية كانت حاضرة بقوة في العديد من المحطات السياسية التي شهدها المغرب منذ مرحة الحماية ، فضلا عن دورها الفعال في الإصلاح و التغيير ، ومطالبتها بإجراء إصلاحات دستورية وسياسية واجتماعية، ونجاحها في تدبير مرافق عمومية بنزاهة وصدق وفعالية.
و بناء على هذا الواقع ، فإن قضية وصول المرأة المغربية إلى المواقع التي تستحقها تعدّ من أهم التحديات التي تواجهها في الوقت الراهن ومستقبلا. وتكمن أهمية القضية في كونها مؤشراً دقيقاً على درجة المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين وإقرار مبدأ المناصفة، وعلى تغير الصورة النمطية للمرأة وزيادة تمثيلها في الهيئات المنتخبة و المؤسسات الدستورية و مؤسسات الحكامة بصورة عادلة، تتناسب مع قدراتها وتأهيلها العلمي وحضورها الفعال في المجتمع وفي المشهد السياسي و الحقوقي و الجمعوي بصفة عامة.
أستاذ القانون الدستوري و العلوم السياسية
تعليقات الزوار ( 0 )