احتضنت مدينة فاس في غضون الأسابيع الأخيرة برنامج فعالية “أيام التراث”، وكان ضمن أنشطتها كما صرح أحد المنظمين إلقاء عرض حول “حقوق الإنسان والتراث” من قبل ناشطة حقوقية فاسية.
لكن النشاط لم يكن ليستسيغه ذو عقل سليم، وقد علقت عليه بملاحظات أهمها:
أولا: الفضاء الذي احتضن النشاط هو زاوية سيدي عبد القادر الفاسي رضي الله عنه، وهو فضاء ديني، ومن غير السائغ أن تؤطر النشاط سيدة غير مرتدية لزي لائق بمثل هذا الفضاء، ومعلوم أن السيدات العاقلات وإن كن غير محجبات، فإنهن يحترمن خصوصية الفضاءات، وحين تحضر الوزيرات والبرلمانيات وعموم السياسيات لضريح محمد الخامس للترحم على الملك الراحل فإنهن يرتدين زيا يليق بالمقام، ولا يأتين بسراويل الدجين أو حاسرات الرؤوس، وحتى الأميرات فإنهن يحضرن إلى مسجد السنة لإحياء الذكرى نفسها وهن مرتديات لزي لائق بالمسجد.
ثانيا: حضور سيدة إلى البلاط الأول في المسجد وظهور المحراب من خلفها وهي معتلية كرسي الدروس الشرعية، هو ممارسة رعناء فاقدة للحكمة والكياسة، وأقل ما يقال عنها أنها مخالفة للعرف، وغني عن البيان أن العقلاء والحكماء يراعون العرف وما جرى به العمل ولا يكادون يخرقونه إلا إن ترجحت لديهم مصلحة في مخالفته، وهذا غير متحقق في نازلتنا.
ثالثا: الفعالية التي احتضنت هذا النشاط أطلق عليها “أيام التراث”، ولو كان للقائمين عليها احترام للذوق لطالبوا مؤطري الأنشطة ارتداء أزياء من التراث، إذ من نجاح النشاط أن نناقش موضوعا من التراث في فضاء من التراث بارتداء زي من التراث.
وحتى أطفال المدارس يُطلب منهم الزي التقليدي في الحفلات ذات الصبغة التراثية، كالمولد النبوي وعاشوراء وغيرهما.
رابعا: يعد مبدأ “سد الذرائع” من أبسط أبجديات الحكمة، وهو مبدأ من مبادئ المذهب المالكي، ولو استحضر القائمون على هذا النشاط هذا المبدأ لما ترددوا في تعديله بما لا يؤدي إلى الفتنة، ومعلوم ما لصورة المرأة غير المحجبة في المسجد من آثار سلبية في عصر التواصل الاجتماعي، والمسؤولون الدينيون والمدنيون في البلد مطالبون بوأد الفتنة لا إيقاظها.
خامسا: تعد زاوية سيدي عبد القادر الفاسي صرحا علميا وروحيا وتراثيا في مدينة فاس، فسيدي عبد القادر الفاسي من قلائل العلماء الكبار المجتهدين، الذين جمعوا بين النبوغ في العلم الشرعي والتربية الصوفية الزكية، كما أن الزاوية كانت فضاء سياسيا أيضا، وبها كانت تُقرأ الرسائل الملكية لأهل فاس، ولما اجتمع العلماء في أحد المساجد للحسم بين العزيزيين والحفيظيين، انتفض الجمهور وتوجهوا إلى زاوية سيدي عبد القادر الفاسي وأرغموا العلماء المتخلفين في المسجد على الحضور ليطلعوهم على رسائل السلطان عبد العزيز العلوي، لهذه الاعتبارات وجب على العائلة الفاسية أن تعمل على تحصين هذا الصرح العلمي والروحي والسياسي من الابتذال، وأن يجتهدوا في حماية تراثهم وأن يجعلوا ذلك ضمن برنامج “أيام التراث”.
سادسا: نقرر أن هذا النشاط لا علاقة له البتة بالتصوف، كما أن التصوف لا يباركه، وهو براء منه، وكثير من الصوفية الحقيقيين يعانون في السنين الأخيرة من المتصوفة الزائفين، ولكن الزائفين هم الذين يملأون الساحات لما لهم من الدعم ولما خلفهم من الأيادي السحاء.
سابعا: ما وقع اليوم هو سلسلة من سلاسل تشويه الإسلام التي بدأت منذ عقود، وهي أجندة تستخدم السلفيين تارة والصوفية تارة والحركيين تارة أخرى، ولا هدف لها إلا تشويه الإسلام والتنفير منه، ولكن الله متم نوره ولله الحمد.
تعليقات الزوار ( 0 )