عبد الله العروي، الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربي 1830-1912: كتاب اصله اطروحة الدكتوراه باللغة الفرنسية لسنة 1976، وترجمة للعربية بعد مرور اربعين سنة، الطبعة الاولى سنة 2016.
أحيل الشباب خاصة والباحثين في الشأن المغربي وفكره السياسي والفلسفة ايضا لقراءته وفهم بعض أطروحات عبد الله العروي وفلسفته السياسية.
أشير لهذا الكتاب ليس فقط لأهمية الكبيرة في المدرسة المغربية للـتأريخ، كما يعرف ذلك المؤرخون أكثر مني، بل خصوصا لكي أرد على بعض الخرجات الفكرية والسياسية لبعض الأقلام مؤخرا، حول الوطنية والهوية والسياسة. لن أطيل الحديث هنا، ولن أحلل النص. إنما أنا كقارئ ومحترم للمجهود الفكري العروي، وآخرين، فأنني أرى فظاظة في أن البعض يستعمله ويشيد بفكره “الليبرالي” وينسى أن العروي مؤرخ أولا وأخيرا، ولم يتفلسف إلا والتاريخ بيده، لذلك دافع عن التاريخانية كمنهج لإنبات الافكار الحديثة في السياق العربي والمغربي. كان العروي محايدا جدا في كتابه هذا، وهو من أكثر الكتاب العرب اتساقا في المنهج. فهو يترك المنهج والتحليل والمعطيات تتكلم، دون أن يقول أو يعبر عن رأيه مباشرة في نصوصه العلمية إجمالا. ويقول في آخر هذا الكتاب، الذي كتبه سنة 1976، أن الوطنية المغربية كما سطر محتواها بشكل فريد في هذا الكتاب، تحاول أن تبني أسسها على ما كون هويتها الأم، والتي حاول الاستعمار خلخلتها ولكنه لم ينجح في كل ذلك، لكنه نجح في تقويض النظام القديم الذي كان سائدا وعوضه بنظام بديل، ومن أسسه بورجوازية تجارية استفادت في نظام الحماية خلال وبعض الاستعمار، الخ.
ما أود الوقوف حوله بعجالة هي نقطة رجعت للسطح حول الوطنية في آخر حوار أجراه العروي مع مجلة زمان، أظن سنة 2016، وفيه نبه لشيء خطير ، وهو أن الوطنية المغربية كما بناها جيل الإصلاحيين الأوائل هي الآن تتآكل، ويسخر منها عدد من الاطياف الجديدة بشكل غير واع، أو بشكل واع ومدروس.
كان هذا تلميحا، ولم يقل أكثر. وأظن أنه قصَدَ الهويات الجديد في المغرب وخاصة الهويات الايديولوجية المتعصبة للعرق واللغات الامازيغية مثلا (أنا أتحدث أحد اللهجات الأمازيغية ومن منظقة تتحدث الامازيغية شرق المغرب)، والدارجة-العامية، والهويات الأخرى التي يُروج لها مؤخرا كمكون أساسي من مكونات الهوية المغربية. طبعا المغرب متعدد، ويجب الدفاع عن مكتسبات التعددية في البلد، ولكن لا يجب أن نسقط في فخ إضعاف مقومات الهوية الوطنية الجامعة لكل المغاربة.
ما نبه إليه العروي كفيلسوف-مؤرخ هو حسب فهمي لأعماله مجملةً هو كيف يمكن للوطنية كهوية أن تبني دولة حديثة. كان بإمكان الوطنية المغربية الإصلاحية أن تفعل ذلك، لكنها لم تنجح لأن بذور الاستعمار بقيت حية ببقاء نخبة استفادت من الاستعمار ومن بعد الاستعمار.
إذا كان الامر كذلك في وقت كانت فيه الوطنية الاصلاحية أصيلة، شارك فيها العرب والامازيغ، تحت مظلة الدفاع عن إستقلال البلاد فإن الوطنية حاليا كمشروع مجتمعي للمستقبل، وللجميع، يتم إضعافها عن طريق نعت مقومات هذا البلد الأساسية بنعوت تعكِسُ خللا في فهم معنى المجتمع الوطني المتعدد والمستقل، ولكن بثوابت معلومة ومعروفة. إن تبخيس اللغة الوطنية الأولى من أكبر الدسائس لهذا الوطن العزيز ومستقبله، بجملة واحدة! وهذا التقويض ترى له أذرعا لغوية وعرقية ودينية وأيديولوجية كثيرة هذه الايام في الساحة المغربية. لذلك، لابد من إحترام الثقافة العالِمة وما كتبه مفكرونا الكبار. فهم زادنا وأرشيفنا، وبدونهم تُسرَقُ ذاكرتنا، وسرقة الذاكرة أكبر السرقات!
*أكاديمي مغربي مقيم في إيطاليا
تعليقات الزوار ( 0 )