شارك المقال
  • تم النسخ

حرية الحرية …”فوضى منظمة”

تهدينا التطورات ونمو التقنة اختصارات عديدة توفر على الإنسان جهده، وتحد  من إهدارها.  وكذلك العقل البشري الذي يجاري بيئته ويتكيف معها، فإنه لا يزال يطور تشريعاته الوضعية لتنظيم الأنساق الإنسانية وضمان انسياب “نهر الطمأنينة” المنبثقة من حوزه حقه، وأدائه واجبه في جو تشاركي بعيد عن مظاهر الظلم والتعدي.

إذ لا تتوانى كافة المنظمات القائمة على احتضان الحق الإنساني ومراقبة “علاماته الحيوية” في كل مجتمع، عن صياغة استراتيجيات قيمة توجه السلوك الإنساني وتذكر بأساساته، وتؤكد على ضرورة إبقاء القيم الأخلاقية باتصال دائم لا ينقطع. ومع تطور وسائل الإنسان وتغير ميوله، ووصوله للشعور بالسيطرة على تحريك دفة طموحه واهتمامه بسلاسة، باتت المجتمعات تتلقف أخبار جديدة باعتبارها “حريات”، لتهبط عليها كشظايا ملتهبة تلتهم التوازن المتصل بالفطرة، وتعكر صفو الوعي الإنساني بمفهوم الحرية والحق والأخلاق وأطرها.

ومن التمظهرات “الحرياتية” الصادمة، تلك التوجهات المتعلقة بالميول الجنسي لدى الأفراد، إذ أنه وبالرغم من وجود حالات “صحية” ملحة مفسرة في الطب والفقه وعلم النفس، إلا أن هذا التيار الخطير بدأ ينتشر كثقافة تحت باب “حرية الاختيار”، إذ  يمكن ملاحظتها في العديد من المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية والقوانين الحقوقية، رغم أنه لا يزال تحت حالة من “اللاتوافق المعرفي” من حيث النظريات العلمية إزائها بين كل من المنظمات الحقوقية، ومنظمة الصحة العالمية، وتفسير الطب النفسي، ونتائج الدراسات والأبحاث التي لا تُطرح ثمارها حتى يتقرر سحبها لاحقاً أو نسف دقتها،  في ظل تدفق إعلامي ترويجي، يؤول لتثبيت ثقافة لا تقل عن التسامح، والتعاون، والصدق، وحرية التعبير بأشكالها “مع اختلاف المضامين والأبعاد”.

وجود مثل هذه المفاهيم في ساحة “الحريات” هو وجود غير صحي وغير سليم، سيما أنها تمثل ضخ جهد إنساني كبير في مشروع لم تبن أساساته بعد، بل أنه تفرع عن حالة طبيعية (المشاكل المتعلقة بعدم اكتمال النمو للأعضاء التناسلية، أو وجود كلاها)، ليتحول بعدها ل(ظاهرة مسخية)، بطابع “معاملة روتينية” ذات خطوات واضحة،  إضافة لاعتبارها مصدر ضخ اقتصادي “دسم” لما يدره من تكاليف علاجية باهضة، وترويجية إعلامية (بروباغندا)، فهل يعقل تحويل فطرة الإنسان لسلعة كغيرها من السلع؟ وهل تستحق طموحات الشركات الكبرى بتكسير الرقم القياسي لأرباحها بالاتجار بعقول الجيل الذي يعول عليه رهان المستقبل؟ وكيف يمكن تخليص المنظومة الفكرية مما علق بها من ترسبات وتلوثات “ثقيلة” ؟

إن ما يبث في الأوساط الأكاديمية بشكل خاص من إثراء للتوجهات المشابهة للشذوذ الجنسي، هي أخطر ما قد يواجه البشرية، لما يترتب عليها من بناء فكري وثقافي سيشكل لبنة أساسية في المجتمع، منتقلاً في مراحل أخرى ليكون جزء من تاريخ إنساني متناقل ومتوارث ومحل للدراسة، والذي لا نرجو إلا أن يكون أحد الدروس المندرجة تحت “الحسابات الخاطئة لانفلات الحريات الإنسانية وتداعياتها “، ففي البيئة التعلمية تكمن خطورة الفكر الذي يبدأ من المصطلح، إذ هي حتى في نعتها ب”المثلية الجنسية” تعد خاطئة فهي حالة من الشذوذ الذي يقف وراءه اضطراب عاطفي ونفسي، أو هشاشة تكوينية تربوية، أو تأثير مجتمعي عميق منذ المراحل الدراسية الأولى، وعبر وسائل الإعلام التي تغذي هذا التوجه، إذ أثبتت عدة دراسات عدم صحة المعلومات التي تدعم توجه الشواذ بسبب العامل الجيني. وعليه، فإن الثقافة الجنسية، المبتغاة في المناهج هي التي تعمل على تقويم ما أفسده التوجه التربوي الموهوم ب”حرية تحويل الجنس”، ودعم اضطراب تحديد الهوية الجنسية، بدلاً من مساندة تلك الحالات بما يلزمها من علاج نفسي وسلوكي.

إن العقل يرفض الأخذ بالتوجهات اللامنهجية، والخلاصات الفلسفية كما هي، وبمعنى آخر فإن الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز عندما يصف الحرية بأنها ماء متدفق دون وعاء حاوٍ لها، فإن ذلك وبلا شك لا يمكن اعتباره تعريفاً دقيقاً يتناغم وما يصبو له الإنسان إذ يقول في الحرية بأنها : ” الغياب التام لكل العراقيل التي تعترض أي حركة. فالماء المحبوس في الإناء ليس حرًا ما دام الإناء يمنعه من الانسكاب …”، فهرولة العقل لتحقيق مثل هذه الشروحات هي بيئة مفاهيمية تحتمل أكثر من معنى، سيما أن “انكسار القيد” بشكل تام لا يعبر عن حرية بل انعكاس صريح لحالة من الفوضى المنظمة، المتوشحة بلفظ “الحريات”. 

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي