ما زال التوتّر بين النظام الجزائري ونظيره التركي يتصدّر الأجندات السياسية والأمنية والإعلامية في الجارة الجزائرية، ويطغى على باقي القضايا المُشتعلة، وذلك على خلفية الاتهامات الأخيرة الموجهة إلى أنقرة بعقد لقاءات رسمية مع تنظيم “حركة رشاد” الإسلامية المعارضة للنظام الجزائري.
ويرى خبراء أن ذروة التقارب بين الجانب الجزائري والتركي يمكن أن تتحول إلى عداء وأزمة كبيرة بسبب فشل الدبلوماسية الجزائرية التي لم تفلح سوى في إنفاق الملايير على دعم جبهة البوليساريو الإنفصالية في مساعيها العدوانية ضد الوحدة الترابية.
وفي هذا السياق، يرى الدكتور إدريس جنداري، الكاتب والباحث الأكاديمي المغربي أن هناك مؤشرات كثيرة تؤكد على انحراف التقارب الجزائري التركي، الذي دُشِّن بعد سقوط نظام القذافي وبحث الأتراك عن موطئ قدم في ليبيا الجديدة عن مساره.
وأضاف جنداري في تصريح لـ”بناصا” أن التقرير الإخباري الأخير كشف عن بوادر أزمة بين الجزائر وتركيا، على خلفية لقاءات رسمية تمت بين ممثلين عن السلطات التركية وممثلين عن تنظيم “حركة رشاد” التي تسعى السلطات الجزائرية لتصنيفه ضمن الحركات الإرهابية.
وأوضح المصدر ذاته، أنه تبين لصانع القرار التركي أن النظام العسكري الحاكم فاقد للبوصلة ولا يمتلك من المؤهلات السياسية ما يجعله في مستوى عقد علاقات دولية ناضجة مبنية على أساس تبادل المصالح كركيزة أساسية يقوم عليها النظام الدولي الجديد الذي خرج من عنق القنينة الإيديولوجية بعد طول صراع .
وأولى هذه المؤشرات، يضيف جنداري، تتعلق بتوجه تركيا نحو دعم الحراك السياسي الجزائري الذي يسعى إلى تغيير النظام، وقد وصل هذا الدعم إلى أعلى مستوياته من خلال المباحثات التي تجريها تركيا مع أقوى الأصوات المعارضة في الجزائر والتي تمتلك امتدادا داخليا وخارجيا مؤثرا.
ويتعلق الأمر بحركة «رشاد» التي تأسست سنة 2007 على يد ثلة من المعارضين السياسيين الجزائريين الذين اختاروا المهجر مقاما لهم، وتمكنوا عبر علاقاتهم الداخلية والخارجية من تحريك الشارع الجزائري باعتماد الوسائل المدنية اللاعنفية القائمة على أساس الاحتجاج السلمي والعصيان المدني، وتبدو لمسة حركة «رشاد» واضحة في الحراك القائم اليوم والذي يراكم زخما شعبيا متزايدا.
أما ثاني المؤشرات، يردف صاحب كتاب «المسألة السياسية في المغرب» أنه يتعلق بالتوجه التركي نحو تمتين العلاقات مع المغرب باعتباره الأقدر على تجسيد نموذج ناضج للعلاقات الدولية يقوم على أساس تبادل المصالح من منظور منهجية رابح-رابح.
وأبرز، أن هناك الكثير من الإشارات التي تؤكد هذا الاتجاه، منها ما يتعلق بالدعم السياسي التركي الواضح لمغربية الصحراء الذي عبر عنه الرئيس التركي مباشرة، وما تلا ذلك من رغبة الفاعل الاقتصادي التركي في تدشين مشاريع تجارية وصناعية على أراضي الصحراء المغربية.
ولفت جنداري، إلى أن الإشارة الأقوى التي تؤكد هذا التوجه نحو المغرب، تتعلق بالصفقة العسكرية التي حصل عبرها المغرب على طائرة الدرون (بيرقدار) التركية التي تعتبر مفاجأة الصناعة العسكرية لهذا القرن، من خلال قدراتها الخارقة التي جعلها قادرة على حسم الصراع على الأرض بمجهود أقل وبفعالية قصوى، وذلك ما أكدته الحرب الأذرية الأرمينية كما أكده الصراع اللليبي.
وأوضح الكاتب والباحث الأكاديمي المغربي، أن تمكين المغرب من هذه الطائرة، هو رسالة واضحة للجار الجزائري الذي بدأ يتحسس رأسه بعد الصفقات العسكرية الناجحة التي عقدها المغرب مع أمريكا وإسرائيل وتركيا.
وأردف المتحدث ذاته بالقول: “كنت قد ناديت، مرارا، بالحذر من اختطاف الجزائر للدور التركي الفاعل في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لكن المغرب يؤكد اليوم أنه قادر على حسم الملف بذكاء ديبلوماسي لا يمكنه أن يتوفر إلا لمن خبر الفلسفة الجديدة للعلاقات الدولية”.
تعليقات الزوار ( 0 )