في ظل تصاعد التوترات بين المغرب والجزائر، برز ملف المياه كمحور جديد للخلاف بين البلدين الجارين. فقد أثار سد كدية السبع، الذي بدأ تشغيله في عام 2021 على نهر قير بالمغرب، اتهامات جزائرية بأن المملكة تعمل على “قطع المياه” عن المناطق الغربية الجزائرية، مما أدى إلى تفاقم أزمة الجفاف في البلاد.
وكشف تقرير حديث لصحيفة “لوموند” الفرنسية، أن هذه الاتهامات بين البلدين الجارين تجاوزت مجرد الخلافات البيئية، لتتخذ بعدًا سياسيًا واقتصاديًا معقدًا.
واتهم وزير الموارد المائية الجزائري، طه دربال، المغرب في عدة مناسبات بـ”التحكم المتعمد” في تدفقات المياه العابرة للحدود، مما أدى إلى “جفاف ممنهج” لبعض المناطق الجزائرية، وفق تعبيره.
وطرحت الجزائر القضية على الساحة الدولية، سواء خلال منتدى المياه العالمي في بالي عام 2024، أو في اجتماعات معنية بحماية الأنهار العابرة للحدود.
ويدعي النظام العسكري الجزائري أن انخفاض منسوب المياه في سد “جرف التربة”، أحد أكبر سدودها، يعود إلى تحويل المياه في الجانب المغربي.
في المقابل، اعتبر الإعلام المغربي هذه الادعاءات “واهية” وتهدف إلى “التغطية على الإخفاقات الداخلية للجزائر في إدارة مواردها المائية”.
واستشهد الخبراء المغاربة بأن التغيرات المناخية، والتراجع الكبير في تساقط الأمطار، إضافة إلى التبخر المتزايد بسبب ارتفاع درجات الحرارة، هي الأسباب الرئيسية لأزمة المياه في الجزائر.
الأبعاد الاقتصادية: بين الحديد والتمور
لم يعد الخلاف حول المياه يقتصر على توفير مياه الشرب، بل بات يمتد إلى رهانات اقتصادية كبرى. فمن الجانب الجزائري، يرتبط سد “جرف التربة” بمشروع صناعي ضخم يتمثل في مجمع للصلب بمدينة بشار، الذي سيعتمد على خام الحديد المستخرج من منجم غار جبيلات. ويحتاج هذا المشروع كميات كبيرة من المياه في عمليات الإنتاج.
في المقابل، يهدف المغرب إلى تعزيز الإنتاج الزراعي، خصوصًا في منطقة بودنيب الواقعة أسفل سد كدية السبع، حيث تم توسيع المساحات المزروعة بالنخيل لتصل إلى 9000 هكتار، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 15000 هكتار.
وتندرج هذه المشاريع ضمن خطة “الجيل الأخضر”، التي تسعى لتعزيز الأمن الغذائي المغربي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن هذا التوسع الزراعي يفرض ضغطًا متزايدًا على الموارد المائية.
التغيرات المناخية وتأثيرها على الوضع
ويرى خبراء المياه أن الجفاف المستمر منذ سبع سنوات في المنطقة المغاربية هو السبب الحقيقي وراء انخفاض مستويات المياه في كلا البلدين.
فقد أظهرت بيانات هيدرولوجية أن سد كدية السبع لم يصل إلى نسبة امتلاء تتجاوز 10% منذ تشغيله، باستثناء أمطار سبتمبر 2024 التي رفعت نسبته إلى 28%، وهي حالة مشابهة لما حدث مع سد “جرف التربة” في الجزائر.
وفي ظل هذه التحديات، دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطاب له في فبراير الماضي، إلى ترشيد استهلاك المياه وعدم التضحية بالأضاحي خلال عيد الأضحى بسبب نقص المراعي، فيما أعلنت الجزائر استيراد مليون رأس من الأغنام، في خطوة فسرت على أنها مناورة سياسية للظهور بموقف مخالف للمغرب.
ورغم التوترات القائمة، فإن أزمة المياه العابرة للحدود تطرح تساؤلات أوسع حول سبل التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المناخية والبيئية المشتركة.
فهل ستظل المياه ساحة جديدة للصراع بين البلدين، أم أن الحاجة الملحة لموارد المياه ستدفعهما إلى البحث عن حلول تعاونية بدلاً من التصعيد؟
تعليقات الزوار ( 0 )