تعتبر حرب البسوس التي دارت رحاها بين قبيلتي تغلب متمثلة في الملك كليب بن ربيعة والزير السالم، و بكر ممثلة في جساس بن مرة وخالته البسوس بنت المنقذ، وقد جاء في كتب تاريخ العرب، أن سبب اندلاع هذه الحرب في العصر الجاهلي؛ هو قَتْلُ كليب ناقة جساس، وقد استغرقت هذه الحرب بين القبلتين مدة أربعين سنة، قُتِلَ فيها من قُتل وشُرِدَ فيها من شُرد ومن عاش بعدها، حمد الرب وشكره على نجاته بين السيوف والأسهم، وقد انتهت الحرب بانتصار قبيلة تغلب على قبيلة بكر، بعد ما قَتَلَ المهلهل جساس بن مرة.
لكن إلى يومنا هذا لازال العرب هم العرب، والحرب هي الحرب مشتعلة من المحيط إلى الخليج على قدم وساق، بشكل من الأشكال والنتيجة واحدة : التشرد والقتل والقمع والفقر وانتشار المجاعة والأمية والأمراض بين الدول العربية التي شاهدت في السنوات الأخيرة ثورات دموية، باسم الربيع العربي ( الوهم العربي) الذي أصبح اليوم خريفا لأحلام الكثير من شباب هذه الأمة؛ نحو التغيير والمساواة والحرية، هنا وهناك بنار لم تخمد بعد أن اشتدت نارها، وقوية شوكتها بين الباحثين عن الحرية والكرامة وفرص الشغل من جهة، والمتمسكين بالسلطة والعسكرة من جهة أخرى.
هذا ما نشاهده يوميا في وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي التي أسهمت بدورها في اندلاع هذه الثورات في بعض الدول العربية، بدأت في تونس بعد مقتل الشاب محمد البوعزيزي سنة 2011، ثم انتقلت العدوى إلى معظم الدول المجاورة لها: ليبيا، مصر، الجزائر، المغرب، اليمن، الصومال، العراق وسوريا. وتتجلى العوامل المشتركة بين هذه الانتفاضات والثورات العربية في الإطاحة بمعظم رؤساء هذه الدول، بدأ ببنعلي التونسي، ثم معمرالقذافي، وحسني مبارك أولا ومرسي ثانيا في مصر، وعبدالله صالح في اليمن، وعبدالعزيز بوتفليقة في الجزائر، لكن المؤسف حقا بعد كل هذا الجهد والعمل للشعب الباحث عن التغيير والمساواة والكرامة والحرية والشغل، أن الوضع قد ازداد سوءا بعد كل هذا؛ بعدما تم تغيير هؤلاء الرؤساء بأسوء منهم في السلطة والحكم. وهذا ما دفعنا إلى اختيار العنوان أعلاه لهذا المقال المسمى : حرب البسوس الثانية ” الجاهلية الجديدة ” بعد أن فازت قبيلة تغلب على قبلة بكر ثائرة لكرمتها ونسبها وشرفها لكنها خسرت الكثير من عيالها وخيرة شبابها، وما أشبه البارح باليوم بعد مرور أكثر من خمسة عشر قرنا على هذه الحرب الدامية بين القابلتين مخلفة وراءها خسائر كثيرة، قد تكون أكثر مما خلفتها الحرب العالمية الأولى والثانية والأزمة العالمية، على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي، مما يبدو لنا أن ريح حرب البسوس وعقلية الجاهلة العربية، لازالتا تجريان في الدم العربي إلى اليوم.
لقد شاهدت الساحة العربية مجموعة من الاعتقالات والاغتيالات قبل الربيع وبعده، والذي كان حلما لنا ولغيرنا وفرصتنا العربية التي قد تكون الأخيرة إلى الأبد؛ نحو التغيير والتطور وتنمية البلدان العربية، والنهوض بالقطاعات الحيوية نحو التقدم والازدهار، لكن النتيجة كانت مؤسفة وغير منتظرة، خاصة بعد التضحيات الجسام التي قدمها الشعب العربي التواق إلى الحرية والكرامة من المحيط إلى الخليج، والذي فقد الأمل والبوصلة في التغيير، خاصة، بعدما تمسك رجال السلطة بسلطتهم وكراسيهم الحكومية، وضياع مفتاح النجاة في هذه الحرب بين الحاكم والمحكوم في الدول العربية.
هذا ما أظهره فيروس كورونا – كوفيد 19 من الفساد و حجم الاختلالات الكبيرة التي تعرفها البلدان العربية في جميع القطاعات، السياسية والصناعية والتجارية والتعليمية، ما جعلنا نتذكر سنوات الجمر والرصاص، ومعاناة الاستعمار الخارجي لبلدننا العربية التي تكبدت بسببه خسائر فادحة في شتى القطاعات، لم تشف منه بعد، حيث استنزفها المُستعمِر دون رحمة أو شفقة، هذا ما يجعلنا نطرح سؤالا لديه علاقة بمستقبل العرب من المحيط إلى الخليج: كيف يمكن لنا كعرب أن نتطور ونستفد من كل هذه المعاناة والأزمات المتتالية ؟
إن ما يعيشه العالم العربي من المحيط إلى الخليج ، حربا، تدور رحاها بين الحاكم والمحكوم من جهة، وبين القوى الرأسمالية الاقتصادي الغربية والبنك الدولي من جهة ثانية، هذا الآخر الذي يحاول السيطرة على سياسة واقتصاديات كل الدول الضعيفة في العالم عامة، ودول العالم الثالث خاصة، فإن لم تكن هذه الحرب دامية، فهي حرب سياسية وجغرافية واقتصادية ونفسية واجتماعية، شغلت كل الناس على التنمية والتطور والإهتمام بأولوية هذا الجزء المجزء من العالم؛ فكرية وسياسية وثقافيا،والمرتبط جغرافيا ولغويا ودينيا وعرقيا، والحراك الذي تعيشه الشعوب العربية لحدود اليوم، هو امتداد للربيع العربي، أو الوهم العربي، لكن دون نتائج تذكر على المستوى الاقتصادي والسياسي والتجاري والتعليمي .
شكرااا جريدة بناصا على نشر مقالنا