أعاد قرار الحكومة الإسبانية القاضي بمنح الناجين من حرب إفني، ممن لا زال على قيد الحياة، مبلغ 1000 يورو، من أجل ردّ الاعتبار لهذه الفئة التي ظلت منسية في الجارة الشمالية، وأحداث المعركة التي دارت في الصحراء المغربية لم تسجلها الوثائق، بسبب عدم تبليغ الجنرال فرانكو عنها، تفاصيل واحدة من الكوارث التي عاشها جيش الاحتلال على أراضي المملكة.
وفي روبورتاج لها، نقلت صحيفة “إل إسبانيول”، بمناسبة القرار الحكومي، شهادات من الناجين من الحرب التي تجرع فيها الإسبان مرارة الهزيمة قبل أن يتدخل الجيش الفرنسي الذي خرج لتوه من الأراضي المغربية بصفته محتلّاً، من أجل دعم فرانكو، الأمر الذي غيّر من موازين القوى، إلا أن ذلك لم يمنع من أن تكون المعركة، واحدة من الأسباب التي عجّلت بخروج الاستعمار بشكل نهائي من البلاد.
كانت الجثث ترتد مثل جذوع الأشجار
وقال أنجيل رويز، واحد من الناجين الإسبان، بناءً على ما أوردته الجريدة المذكورة: “عندما تمكن مظليونا من الاستيلاء على الجبل.. حذّر القادة من أنه مليء بالمور (المغاربة)، لكن لم يكن لديهم الوقت لفعل أي شيء، لأننا كنا هناك بالفعل، ثم بدأت القنابل تتساقط علينا. كانت الجثث ترتد مثل جذوع الأشجار”.
وأضاف أنجيل: “قضينا الليل في جمع الجثث والقطع والوقوف بجانب الجثث المتكدسة حتى لا تأكلها الحيوانات بسبب رائحة الدم كما تعلم. لم يتم نشر ذلك من قبل أي شخص، ولأنها كانت كارثة حقيقية، لم يتم تسجيل تلك الحادثة في أي مكان”، مسترسلاً: “أتذكر كلّ شيء بوضوح، حتى في الليل أستمر في الحلم بهذه المعركة أو تلك”.
وأوضحت الصحيفة، أن أنجيل، كان أحد الجنود الإسبان في حرب إفني، التي أطلق عليها الجميع الحرب المنسية”، مسترسلةً أنها حدثت سنة 1957، كان المغرب يمر بعملية تصفية استعمار، وكانت قد بدأت قبل سنة، مواصلاً إياها مع الوجود الإسباني في الجنوب، ليندلع الصراع بين نوفمر من سنة 1957، إلى غاية يونيو من العام الموالي.
الإسبان سقطوا مثل الذّباب
أشارت الصحيفة إلى أن الإسبان، تساقطوا في الحرب مثل الذباب، بعدما كان معظم الجنود من الشباب الذين لم يسبق لهم مغادرة بلداتهم، قبل أن يتم إجبارهم على أداء الخدمة العسكرية، منبهةً إلى أن الحكومة قررت بعد 64 سنة عن الوقائع، منح الناجين الذي لا يتعدى عددهم 1100 شخص، وهو ما يمثل حوالي 10 في المائة من إجمالي الناجين، 1000 أورو.
وتوجهت الصحيفة الإسبانية، لسؤال عدد من الناجين من الحرب، بخصوص الوقائع التي ما زالوا يتذكرونها عنها، حيث قال فيسينتي كامبرالا، إنه وصل لإفني في فبراير 1957، وقد أجبر على الخدمة في الجيش، مثل البقية، مردفاً: “لم تكن لدينا خبرة عسكرية، كنا في العشرين من العمر. كانت حرباً صعبة لأنها مانت حرب عصابات. لم تكن حكومة ضد أخرى”.
“لم يكن المغاربة يظهرون وجوههم. لقد رأيت الإسبان يموتون طوال الوقت، ولم نقتل أيا منهم، بالإضافة إلى ذلك، فقد كانوا يعرفون تضاريس المنطقة تماماً”، يوضح فسينتي، الذي كان على وشك أن يعزّز إحصائيات الموتى الذين وصل عددهم إلى 300، أو المختفين الـ 80، غير أن الحظ أسعفه ليخرج مع الجرحى الـ 574.
كمين المغاربة كان من أكثر أيام الحرب دمويةً
واسترسل فسينتي: “لقد نفذت أولاً، وكنت أقود فصيلة من تسعة أشخاص، توفي منهم سبعة. ذات يوم على جبل، جاء مور ورائي (يقصد مغربيا) بسكين، قال لي القبطان لحسن الحظ. قال لي كن حذراً ! وعندما استدرت اندفع نحوي وطعن السكين تحت ذراعي اليسرى”، مضيفاً: “أخذوني بعدها إلى المستشفى وبعد ثمانية أيام أعادوني إلى الجبل”.
وأشار الناجي نفسه، في حديثه لجريدة “إل إسبانيول”، إلى أن أغلب الجنود في تلك الحرب لم يكونوا محترفين في استعمال الأسلحة، مردفاً أن مهمته كانت إنقاذ إحدى البلدات المحاصرة، لكنه لم يكن يعرف كيفية المضي قدما في الأمر، وكان محاصرا. كان الكمين الذين نصبوه المغاربة “من أكثر أيام الحرب دموية”، وفقه.
إسبانيا لم تعترف بجهود المشاركين في الحرب
واعتبر الناجيان، أن على الحكومة والمواطنين، ألا ينسوا هذه الحرب، منبهاً إلى أنه قضى سنوات، برفقة بقية من كانوا معه في إفني، منظمين في جمعيات للمطالبة بالاعتراف، قبل تقرّر الحكومة مؤخرا، منحهم 1000 أورو، مسترسلاً: “هو مبلغ زهيد، ولكنه إيجابي من حيث ما يرمز له، على الرغم من أن قليلاً منّا من لازالوا أحياء”.
ومن جانه، أوضح أنجيل رويز، وهو الناجي الذي بدأت الصحيفة روبورتاجها بمقتطف من كلامه، أن ولد في منطقة بلنسية، وتوجه إلى إفني، وبعد ثلاثة أشهر من وصوله، انفجر كلّ شيء، حيث يقول: “لا أعرف ما إذا كنا صغارا ولم نكن نقدر الأشياء. لا أعرف. ولكن يبدو أن الموتى ينزلقون من المعركة”.
ونبه رويز، إلى أن معظم الأشخاص الذين شاركوا في الحرب، لم يسبق لهم مغادرة المدينة، ولم يعرفوا القطار، وكان العديد منهم أميين، إلا أن ذلك لم يكن كله كافيا، حيث لم يعترف أحد بالمجهودات التي قمنا بها، موضحاً: “لقد نسينا. كانت الحرب المنسية. مسألة الأجور.. لا بأس. لكن متى ستصل؟ لقد سمعنا بهذا الموضوع منذ 20 سنة”.
كان بالإمكان تسليم إقليم سيدي إفني قبل أن يقتلونا!
وبدوره يحكي نازاريو سيليس، الذي وصل لعمر 86 سنة: “تلك الواقعة، بالنظر إليها بعناية، كانت حربا سخيفة وعبثية لا جدوى منها. لأنه بعد وفاة عدة مئات من الرفاق، تم تسليم الإقليم أخيرا إلى المغرب. من أجل ذلك كان بإمكانهم تسليمه قبل أن يقتلونا”، مسترسلاً أنه بعد 10 سنوات من الصراع، قررت حكومة فرانسيسكو فرانكو تسليم مستعمرات إفني إلى المغرب مرة أخرى.
ويشعر أغلب الجنود الناجين من المعركة، بأن ما قاموا به لم يكن ذا جدوى، وكان عبارة عن هدرٍ للجهد، فقد كانوا يؤدون خدمة عسكرية في وجهة غريبة إلى حد ما، وأصبح الأمر كابوسا. لقد كان شيئا كارثيا يظهر في موقفهم، حيث يخلص نازاريو، إلى أنه “كنا جاهلين. ماذا كنا سنعرف عن الحرب. أتذكر أنه عندما كنا مستعدين وكان علينا أن نلقي بأنفسنا على الأرض أثناء التدريبات، ألقى العديد من الجنود بأنفسهم برفق حتى لا يؤذوا أنفسهم، وقال لنا الضابط: سترون عندما يأتي المور بسرعة ستسقط على الأرض”.
ووصف الناجي نفسه الواقعة بأنها “كانت تجربة مروعة. كان هناك طعام سيء ولم يكن لدينا مرحاض من أي نوع. لم أغسل أي شيء لمدة شهرين، لأن المياه كانت شحيحة. كانوا يعطوننا مقصفتين في اليوم وكان معظمهم للشرب. ثم جزء الحرب. مشاهدة الشركاء يموتون واحداً بعد الآخر، عندما يكون عمرك 22 سنة، وكنت تتحدث معه بهدوء قبل نصف ساعة. كان ذلك مؤسفاً”.
تعليقات الزوار ( 0 )