تعتبر الطبقة السياسية الفرنسية والعسكرية أن باريس بدأت تفقد منطقة الساحل التي تعد ضمن نفوذها التقليدي لصالح الثنائي الصين وروسيا، إذ استثمرت مجهودا في إبعاد الولايات المتحدة ولكنها فشلت في إقناع الأوروبيين بأهمية المنطقة.
ومع بدء هيمنة الأجواء الانتخابية للرئاسيات التي بقي لها شهور قليلة، تعيش فرنسا وخاصة النخبة المهتمة بالملفات الخارجية ونفوذ هذا البلد الأوروبي نقاشا حول وضع فرنسا في العالم ومنه مستقبل النفوذ الفرنسي في القارة الإفريقية التي تتسابق عليها عدد من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والمتوسطة مثل تركيا. ويأتي هذا النقاش على ضوء الضربات التي تتعرض لها باريس في منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي.
وتمر علاقات باريس بعواصم الرباط والجزائر وتونس ونواكشوط ببرودة لم يسبق تسجيلها من قبل بشكل جماعي، وفي الوقت نفسه، تفقد نفوذها في دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو بل أن مالي استدعت سفيرها للتشاور بسبب مساءلة باريس لقرار مالي التنسيق العسكري مع روسيا.
وعملت فرنسا تاريخيا على حماية نفوذها في المستعمرات الإفريقية السابقة من النفوذ البريطاني والأمريكي، ورغم التنسيق مع البنتاغون في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل، كانت باريس تحاول دائما إبعاد واشنطن عن المنطقة خاصة بعدما أسست الولايات المتحدة شعبة القوات العسكرية الأمريكية الخاصة بإفريقيا “أفريكوم” سنة 2007. لكنها لم تكن واعية بحجم ومستقبل التسرب الصيني الاقتصادي الصامت ثم اقتحام روسيا لهذا الفضاء الإفريقي بشكل قوي خلال الشهور الأخيرة.
وتبرز أبحاث مراكز التفكير الاستراتيجي الفرنسية مثل “إريس” أو افتتاحيات وتحاليل جرائد مثل لوموند ولوفيغارو، كيف وجدت حكومة إيمانويل ماكرون نفسها فجأة أمام خريطة جيوسياسية جديدة سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري-السياسي في منطقة الساحل. ومما يزيد من صعوبة وضع فرنسا هو ما كتبته لوموند عن التنسيق الروسي-الجزائري في المنطقة.
ومنطقة الساحل هي الممتدة من تشاد إلى موريتانيا، وهذه الأخيرة تحسب دائما على منطقة المغرب العربي خاصة من الناحية الاقتصادية ثم على منطقة الساحل وخاصة في المخططات الأمنية والعسكرية. ونجحت الصين في أن تصبح ضمن الشركاء الرئيسيين لاقتصاديات الدول الخمس في الساحل وهي موريتاينا وبوركينا فاسو والنجير ومالي وتشاد، بل وأقدمت منذ سنة على تحقيق قفزة نوعية من خلال تقديم مساعدات عسكرية عبارة عن معدات إلى هذه الدول الخمس.
لكن المنعطف هو القرار الروسي بالتدخل لأن روسيا لا تعد شريكا اقتصاديا بل شريكا عسكريا. واستغلت روسيا إحساس موريتانيا بعدم اهتمام الغرب بها بل وتخوفها من التعاون العسكري الأمريكي مع الدولة التي توصف بالعدو السينغال بعد توقيع الطرفين اتفاقية عسكرية سنة 2019. وهكذا، وجدت موريتانيا شركاء جدد، ووجدت في الصين شريكا هاما خاصة في دعمها لسلاح البحرية الحربية بالسفن أو القروض المسهلة لشرائها ثم وقعت مع روسيا اتفاقية هامة خلال الضيف الماضي قد تسفر عن تسليح روسيا لجزء من وحدات الجيش الموريتاني. وفاجأت هذه الاتفاقية كلا من فرنسا وإسبانيا والمغرب.
وإذا كانت روسيا قد بدأت تتموقع عسكريا في مالي عبر قوات فاغنر والتي ستتطور إلى اتفاقيات رسمية مع موسكو، هناك سؤال عريض لدى خبراء الغرب حول مدى مستقبل التعاون الموريتاني-الروسي وهل سينتهي إلى تسهيلات من طرف نواكشوط للسفن الحربية الروسية التي ترغب في تواجد مستمر في المحيط الأطلسي. وتبحث روسيا عن تسهيلات في المحيط الأطلسي لسفنها الحربية، وهو سيكون سابقة.
تعليقات الزوار ( 0 )