شكل حادث الطفل “ريان” رحمه الله و رزق أهله جميل الصبر، لحظة إنسانية ستبقى راسخة في أذهاننا جميعا، لحظة استفاق فيها حس جماعي لدى مختلف الشرائح، و ذابت خلالها كل تلك الفوارق و الاختلافات.
حادث “يوسف شفشاون” هو ملحمة وطنية اجتمع فيها ما تفرق في البقية من الأمور، وبلغ التضامن فيه مداه داخل و خارج الوطن، وكأنه جاء ليُذكرنا أن الحس التضامني بين المغاربة موجود، ولكنه فقط ينتظر استفاقة كهذه.
ريان القاطن بجبال الريف، في دوار مغمور، جسد من خلال قصته، قيما فضلى كادت تندثر في زمن طغت فيه لغة المصالح و المنافع و الانتهازية و العداء المجاني، وبلغ منسوب الكراهية مداه في قضايا تكاد تكون هامشية، و كما قال أحدهم “جاء ريان ليذكرنا بإنسانيتنا ثم رحل”، إلا أنه كما يقال يوجد دائما من يفسد الحكاية.
بالموازاة مع هذا المنسوب الإيجابي في قصة حزينة لرحيل طفل، أزال المغرب جبلا من أجل إنقاذه، طفت فوق السطح مظاهر الاستغلال البشع لهذه الملحمة، ساهم فيه ممتهنو “اللايفات” و”فيديوهات اليوتوب” المؤدى عنها، و مع الأسف جزء من المحسوبين على الجسم الصحفي المريض.
هؤلاء استغلوا المنطق الكلاسيكي الذي تنهجه قنوات القطب العمومي، والتي تستمر منذ زمن بعيد في نفس الروتين الإعلامي، و تترك المجال لقنوات المشرق التي تستثمر في الفراغ الحاصل، من أجل أن تكون أول من ينقل حدثا يتابعه المغاربة قاطبة.
هذا بالإضافة إلى ممتهني النصب و الاحتيال بغطاء إنساني و إحساني، عبر وسائل التواصل التي أصبحت فضاء خصبا لمثل هذه السلوكات، وذلك رغم المجهودات المبذولة من طرف السلطات الأمنية لضبط هذا النوع من المخالفات.
وقد بلغ هذا الأمر مداه حين جرى نشر معطيات شخصية لأب الطفل ريان وبحسابات بنكية مختلفة، من أجل جمع التبرعات في غياب أي حس أخلاقي اتجاه الأب المكلوم.
صورة أخرى لا تقل بشاعة كان أبطالها حملة الميكروفونات من “عبدة الأدسنس”، في بعض المواقع و الصفحات، و هم ينشرون محتوى سمعي بصري، مستغلين في ذلك فراغات قانونية في ما يخص الرقابة المفروضة حصرا من طرف الهاكا على وسائل البث، عبر أمواج الإذاعة و شاشات التلفزة طبقا لدفتر التحملات.
هذا العامل يجعلنا أمام إشكالية ضبط المنتوج السمعي البصري الذي يستهلكه المغاربة، و التباين الحاصل في المقاربة الرقابية على المنصات الرقمية، في مقابل وسائل البث التقليدية، و يجعلنا نتساءل حول نجاعة الإطار القانوني الحصري الذي تشتغل فيه الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري و ضرورة تعديله و تجويده.
لقد اعتقدنا بسذاجة أن الأمر سينتهي بمجرد إعلان وفاة الطفل ريان من طرف الديوان الملكي، حيث حرص الملك شخصيا على أن يشارك والدي ريان هذه اللحظة، وأن يشملهم بعطفه و رعايته، بعد أن تتبع و أشرف على عملية جرف جبل من أجل إنقاذ هذا الطفل.
إلا أن تجار الأزمة وخبراء “الماركوتينغ” كان لهم رأي آخر، وأصروا على ألا تمر هذه القصة دون الاستثمار فيها حتى بعد نهايتها، فتقاطرت العطايا و الهدايا والشقق، حتى أن هناك من يريد تنظيم الحفلات واستدعاء المؤثرين و توزيع جوائز مأثم، لا زال أهله في حداد … قبح الله تجارة “الأدسنس”.
تعليقات الزوار ( 0 )