في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة الساحل الإفريقي، برز المغرب كلاعب إقليمي فاعل وقادر على ملء الفراغ الناجم عن تراجع الدور الجزائري في المنطقة.
ووفقًا لتقرير نشرته مجلة (Jeune Afrique)، استطاع المغرب أن يعزز من وجوده ونفوذه في الساحل من خلال استراتيجيات دبلوماسية واقتصادية ذكية، مستفيدًا من الفرص التي أتاحها الانزياح الجزائري عن الساحة الإقليمية.
وأشار التقرير إلى أن الجزائر، التي كانت تُعتبر في السابق لاعبًا رئيسيًا في منطقة الساحل، تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بسبب الأزمات الداخلية التي تعصف بها، بما في ذلك الحراك الشعبي والأزمة الاقتصادية. وهذا التراجع خلق فراغًا استراتيجيًا في المنطقة، وهو ما استغله المغرب ببراعة لتعزيز نفوذه.
وقد نجح المغرب في بناء شبكة من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دول الساحل، بما في ذلك مالي والنيجر وبوركينا فاسو، من خلال تقديم الدعم التنموي والاستثمارات الاقتصادية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب.
ويعتمد المغرب في تعامله مع دول الساحل على استراتيجية متعددة الأبعاد، تشمل الجوانب الاقتصادية والدينية والسياسية.
فمن الناحية الاقتصادية، قام المغرب بإنشاء مشاريع تنموية كبيرة، مثل بناء الطرق والموانئ، والتي تسهل الوصول إلى الأسواق الإفريقية. كما قام بتوقيع اتفاقيات تجارية مع عدة دول في المنطقة، مما يعزز من التبادل التجاري بين الطرفين.
ومن الناحية الدينية، يلعب المغرب دورًا مهمًا في نشر الإسلام المعتدل من خلال إرسال الأئمة وتدريب الأئمة المحليين، مما يساهم في مواجهة التطرف الديني.
أما سياسيًا، فقد نجح المغرب في تعزيز علاقاته مع دول الساحل من خلال الدعم الدبلوماسي والمبادرات الإقليمية، مثل مشروع “الطريق العابر للصحراء”، الذي يهدف إلى ربط دول الساحل بالموانئ الأطلسية.
وفي المقابل، تواجه الجزائر تحديات كبيرة في الحفاظ على نفوذها في المنطقة. فبالإضافة إلى الأزمات الداخلية، تعاني الجزائر من عزلة إقليمية بسبب سياساتها الخارجية المثيرة للجدل، بما في ذلك دعمها لجماعات مسلحة في المنطقة.
كما أن التقارب الجزائري مع قوى إقليمية مثل إيران وحكومة النظام السوري زاد من عزلة الجزائر على الساحة الدولية.
وقد أدى هذا التراجع الجزائري إلى فتح المجال أمام المغرب لتعزيز نفوذه في المنطقة، حيث أصبح يُنظر إليه كشريك موثوق به وقادر على تقديم حلول عملية للتحديات التي تواجهها دول الساحل.
ويواصل المغرب تقديم الدعم التنموي والأمني لدول المنطقة، مع الحفاظ على التوازن الدقيق في علاقاته مع القوى الدولية الفاعلة في المنطقة، مثل فرنسا والولايات المتحدة.
ومن ناحية أخرى، يتعامل المغرب بحذر مع التوترات الجيوسياسية في المنطقة، خاصة في ظل التنافس مع الجزائر ودول أخرى تسعى لتعزيز نفوذها في الساحل.
واستنادا إلى التقرير ذاته، فإن المغرب قد نجح في تعزيز نفوذه في منطقة الساحل الإفريقي من خلال استراتيجيات ذكية ومتعددة الأبعاد.
وفي ظل تراجع الدور الجزائري، يبرز المغرب كقوة إقليمية فاعلة وقادرة على لعب دور رئيسي في تحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.
ومع استمرار التحديات الأمنية والاقتصادية في الساحل، يبقى المغرب في موقع استراتيجي يمكنه من لعب دور محوري في تشكيل مستقبل المنطقة، وذلك عبر مواصلة سياساته الذكية وتعزيز تعاونه مع دول المنطقة والقوى الدولية الفاعلة.
تعليقات الزوار ( 0 )