شارك المقال
  • تم النسخ

جودة النصوص القانونية بالمغرب.. أسباب التدني وطرق الارتقاء بمستوى التشريع

شهدت كلية الحقوق التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة، يوم الجمعة 18 فبراير 2022، مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق بعنوان (جودة النصوص القانونية: التشخيص والتحديات) من إعداد الباحثة فاطمة الزهراء أعرج، وتحت إشراف الدكتور يحي الحلوي.

وضمت لجنة المناقشة كلا من يحي حلوي، أستاذ بكلية الحقوق بوجدة، ومحمد أمين بنعبد الله أستاذ بكلية الحقوق أكدال – الرباط، وحميد اربيعي أستاذ بكلية الحقوق بوجدة، وحسن حلوي، أستاذ بالكلية المتعددة التخصصات بالراشيدية، وطارق جدايني أستاذ بكلية الحقوق بوجدة، وادريس بوزرزايت مدير الشؤون القانونية بوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وبنيونس مرزوقي خبير في الشؤون البرلمانية.

وبعد المناقشة والمداولة، قررت اللجنة العلمية منح الطالبة الباحثة لقب دكتور في القانون بميزة مشرف جدا مع تنويه خاص من اللجنة وتوصية بالنشر.

إلى أي حدّ يمكن الحديث عن جودة النص التشريعي؟

موضوع هذه الدراسة، يضم محورين أساسيين الأول يهم تشخيص واقع جودة النص القانوني والثاني ينصرف إلى تحديات تجويده. ونظرا لتعدد أصناف النصوص القانوني فقد حصرت الباحثة دراستها في “النصوص التشريعية”، بحيث انصبت الأطروحة على إشكالية أساسية مفادها: إلى أي حد يمكن الحديث عن جودة النص التشريعي المغربي؟ وما مدى احتكام المشرع إلى المنطق القانوني لإنتاج نص تشريعي جيد صناعة وصياغة؟

ويتفرع عن هذه الإشكالية المركزية سؤال مهم يتمحور حول ماهية المعايير التي على أساسها يتم تقييم النص التشريعي والقول بأنه يتسم بالجودة مقارنة بغيره من النصوص. بمعنى ما مدى استجابة وانضباط النص التشريعي المغربي لمتطلبات الجودة التشريعية؟ وتلت السؤال المذكور أسئلة أخرى، ألا وهي: في حالة ما إذا تبين فعلا وجود ضعف على مستوى جودة النص التشريعي المغربي استنادا إلى الضوابط المستنبطة، فما هي انعكاسات هذا الضعف وأسبابه؟ وما هي السبل الكفيلة برد الاعتبار إلى القاعدة التشريعية؟

تشخيص واقع النصوص يؤكد وجود قصور

وحسب الباحثة فإن تشخيص واقع النص التشريعي المغربي، أبان فعلا عن وجود قصور وضعف على مستوى جودته، فإذا كان المنطق القانوني يفرض أن تكون صياغة القوانين منطقية حتى تجد قبولا لدى الأشخاص المخاطبين بها، فقد تم رصد عدة إشكالات على مستوى شكل وهيكل القانون. كما أن المنطق القانوني وإن كان يفرض الالتزام بخاصية العمومية والإلزام والتجريد ويستدعي تحقيق تماسك القواعد القانونية وأن يصاغ القانون بلغة دقيقة ويكون مفهوما يتقبله العقل ويتميز بنوع من الاستقرار النسبي، فهناك نصوص اتسمت بعيوب النقص والغموض والخطأ الذي أضر بالأمن القانوني.

النص التشريعي والأمن القانوني

وعند دراسة هذا الأخير اتضح لدى الباحثة أنه لا يمكن الحديث عن جودة مضمون النص التشريعي في ظل غياب أمن قانوني، وفي الآن نفسه لا يمكن الحديث عن الأمن القانوني بدون جودة، فكلما تم تحقيق الجودة المنشودة في النص التشريعي إلا وساهم ذلك منطقيا في ضمان الأمن القانوني للمخاطبين به، على اعتبار أن هذا الأخير يتطلب مناخا قانونيا سليما، بدءا من جودة إعداد وتحرير القاعدة القانونية إلى غاية تطبيقها وتنفيذها على الوجه المطلوب.

القاضي الدستور ساهم في تحسين جودة التشريع

وترى الباحثة أنه يجب التأكيد في هذا الإطار على أهمية الدور الذي لعبه “القاضي الدستوري” في تحسين جودة التشريع، من خلال رقابته على الدستورية وتكريسه بالتالي لمبدأ الأمن القانوني. ولم تقف رقابة “القاضي الدستوري” المغربي -حسب الباحثة- عند هذا الحد إذ عندما تخلل القصور أركان النص التشريعي امتدت رقابته إلى الملاءمة ورقابة التناسب ومدى معقولية النص التشريعي في حالات محددة وفقا لمعيار تحقيق المصلحة العامة، هذا النوع من الرقابة الذي مس في غالب الحالات الرقابة على أهداف القانون بطريقة ضمنية ومستترة.

ضعف جودة التشريع وانعكاساته السلبية

كشفت الدراسة بأن ضعف جودة النص التشريعي له مجموعة من الانعكاسات والتأثيرات السلبية، فبالإضافة إلى أنه يربك أذهان المخاطبين بالقانون، فإنه يمنح أيضا صلاحيات واسعة للقائمين على تطبيقه وتنفيذه من قضاة وإدارات، بحيث يجتهد كل واحد منهم بحسب اختصاصه بل وأحيانا بحسب هواه ومصلحته الشخصية. وهو ما يشكل تهديدا لحقوق الأفراد ويؤدي إلى اختلال المساواة بين المخاطبين أمام القانون رغم تماثل مراكزهم وظروفهم. وترى الباحثة أن انعكاسات ضعف الجودة التشريعية لا تقف عند هذا الحد، بل يتسبب أيضا في كثرة تغيير النص التشريعي وما يترتب عن ذلك من شتات وتضخم. علاوة على ذلك فإن لهذه التغييرات المتكررة عواقب أخرى سواء على مستوى إهدار الزمن التشريعي، أو على مستوى التكلفة المالية الإضافية أو الجهد الضائع.

أسباب تدني جودة النص التشريعي

وأمام هذه الانعكاسات الناتجة عن تدني الجودة، فقد رصدت الباحثة بعض الأسباب والمشاكل التي تقف وراء ذلك. فهناك أسباب ذاتية مرتبطة بالمشرع وبضعف كفاءته ويتعلق الأمر بغياب مبدأ حسن النية في التشريع الذي تم استنتاجه انطلاقا من محددات أبرزها معيار الزمن التشريعي، ومعيار الحضور، والغياب ومؤشر تموقع المواد. ومن الأسباب الذاتية أيضا ما هو مرتبط بالكسل التشريعي والتماطل، وقد تم استنباط ذلك انطلاقا من صياغة النص التشريعي نفسها ومن التراخي في إخراج القوانين، بل إن هذا التهاون يطال حتى مسألة ملاءمة وتحسين جودة هذه القواعد القانونية مع ما يتفق وقرارات المحكمة الدستورية. ويندرج عنصر عدم احترام أصالة النص التشريعي أيضا ضمن الأسباب الذاتية التي تساهم في تدني الجودة التشريعية، ويتعلق الأمر باستنساخ القوانين الأجنبية دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البيئة القانونية المغربية وكذلك اللجوء إلى تقنية الترجمة دون مراعاة الدقة.

كما توجد أسباب أخرى قانونية تسبب اضطرابات في عملية التشريع وتضعف بالتالي من الجودة النصية، من ذلك: تعدد أساليب التشريع، الإيقاع السريع في إخراج وتغيير النصوص التشريعية دون مراعاة استقرار الأوضاع القانونية للمخاطبين ومدى قابلية توقع القانون، ومقابل هذا التسرع هناك التأخير في إصدار المراسيم التطبيقية بالنسبة للقوانين التي تعلق نفاذها أو نفاذ بعض مقتضياتها على صدور مثل هذه النصوص التطبيقية وهو مشكل آخر يترصد بالجودة التشريعية.

طرق الارتقاء بمستوى النص التشريعي

وبناء عليه، من أجل استعادة تألق النص التشريعي ومعالجة تدني وضعف جودته توصلت الدراسة إلى أن التقييم بجميع أشكاله سواء القبلي أو المواكب أو البعدي من شأنه الارتقاء بمستوى النص التشريعي. فبخصوص التقييم القبلي خلصت الباحثة إلى أن دراسة الأثر تمكن المشرع من فهم النتائج المتوقعة من التدخل التشريعي كما تساعده على كشف الآثار غير المرغوبة ومحاولة تفاديها قبل تطبيق القانون، وموازنة أعباء وتكاليف هذا الأخير مع عوائده المالية. والأهم من ذلك هو محاولة الإجابة عن التساؤل التالي: هل يمكن حل هذه المشكلة ببديل غير تشريعي؟ فقد تكون البدائل غير التشريعية أكثر فاعلية وأقل كلفة وأسرع في إعطاء النتائج وأكثر تأثيراً في الفئات أو الشرائح المستهدفة.

وعن التقييم المواكب أو المصاحب، تستنتج الباحثة، أنه هو أيضا يلعب دورا هاما في تنقية وغربلة النص التشريعي من الشوائب. ويمكن أن تلعب هذا الدور عدة أجهزة رسمية، وعلى رأسها مجلس الدولة. وإذا لم يكن المشرع المغربي قد أحدث مجلسا مشابها لمجلس الدولة الفرنسي، حيث اكتفى من الناحية العملية بأن أوكل وبشكل يكاد يكون مماثلا لبعض اختصاصاته للأمانة العامة للحكومة، وأنه قد قام بإحداث عدة أجهزة استشارية على رأسها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي يشكل آلية من آليات اليقظة والمواكبة والتطوير، ويعد فضاء مؤسسيا مهما للتشاور من أجل بلورة التصورات وتقديم اقتراحات ومناقشة أفكار ذات الصلة بمجال السياسات العمومية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والأمر نفسه بالنسبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وغيرها. وبناء عليه تقترح الباحثة أنه من شأن إحداث مجلس دولة مغربي أن يزيد من فرص نجاح النص التشريعي وتحقيق الجودة المنشودة من خلال آرائه الاستشارية ومن خلال تنبيه المشرع إلى النواقص والثغرات التي قد تغفلها الأمانة العامة للحكومة عند مواكبتها لصياغة القانون.

وأما التقييم البعدي فمن شأنه أيضا -حسب رأي الباحثة-أن يلعب دورا كبيرا في تحسين الجودة التشريعية، بحيث تعد تقنية الدفع بعدم الدستورية آلية من آليات هذا التقييم. والأهمية القصوى التي تكتسيها تتمثل في تحصين وحماية حقوق وحريات الأفراد من كل خرق قد يكون مصدره نص تشريعي معيب وموسوم بعدم الدستورية، فهي تقنية تهدف إلى تنقية النصوص التشريعية وطرد جميع العناصر الدخيلة وغير الدستورية من خلال دينامية محركها الأفراد.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي