شارك المقال
  • تم النسخ

جذور الصراع في كشمير وخلفيات الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية للمسلمين

تعود جذور الصراع حول كشمير إلى 17 يوليوز 1947 عندما أصدر البرلمان البريطاني قانون إستقلال الهند الذي أنهى الإحتلال البريطاني لها، والذي نص على أن تنضم الولايات ذات الغالبية الهندوسية إلى الهند، في حين تنضم الولايات ذات الغالبية المسلمة إلى باكستان، وكل ذلك وفق رغبة السكان.

في هذا السياق مر قرار التقسيم دون صعوبات كبيرة إلا في ثلاث ولايات هي حيدر آباد وجوناغاد وكشمير، وقد تدخلت القوات الهندية فضمت بالقوة حيدر آباد وجوناغاد ذواتي الغالبية الهندوسية، في حين استعصى عليها أمر كشمير ذات الغالبية المسلمة، والتي بقيت على حالها دون الانضمام لإحدى الدولتين، بعد تردد من قبل حاكمها الهندوسي آنذاك “المهراجا هاري سينغ” في تنفيذ القرار البريطاني، وهو ما دعا المسلمين في كشمير إلى قيادة أولى حركات الاحتجاج المسلحة بدعم من الحكومة الباكستانية التي تدخلت قواتها للدفاع عن المسلمين الذين يتعرضون للاضطهاد على أيدي الهندوس، خاصة وأن الغالبية المسلمة في كشمير كانت ترغب في الانضمام إلى باكستان، وهو ما تم توقيفه بعد مطالبة الحاكم الهندوسي للولاية “هاري سينغ” من الحكومة الهندية الدعم والمؤازرة، والتي أعلنت بدورها في أكتوبر 1947 قبولها التدخل مقابل ضم ولاية جامو وكشمير إليها.

وكنتيجة للقرار الهندي بالتدخل العسكري قام الحاكم العام لباكستان آنذاك “محمد علي جناح” بإرسال قوات باكستانية إلى كشمير، واستمرت الحرب لمدة عام إلى أن توقفت بعد تدخل الأمم المتحدة كطرف وسيط، وبعد جولة من المفاوضات، تم الإعلان عن وقف إطلاق النار في يناير 1949، وتم الاتفاق على تقسيم كشمير إلى قسمين، جزء أصبح خاضعًا للحكومة الهندية، ويسمى جامو وكشمير وعاصمته “سريناغار”، والجزء الثاني تحت السيادة الباكستانية وعاصمته “مظفر أباد”.

في هذا الإطار أدى هذا الوضع إلى تهدئة التوترات شيئا ما في المنطقة، وذلك إلى أن اندلعت الحرب الصينية الهندية في عام 1962، والتي احتلت فيها الصين الأجزاء الشمالية من كشمير، والذي عقبته جولة ثانية من الحرب بين الهند وباكستان انتهى بتدخل مجلس الأمن وتوقفت الحرب بشكل فعلي في عام 1966 بعد مفاضات في طشقند، وأصبحت حصص السيطرة على المنطقة كالتالي: الهند بنسبة 47%، وباكستان بنسبة 36%، و17% للصين.

ومنذ تلك الفترة استمرت التوترات والإضطربات في هذه المنطقة الحيوية في وسط آسيا، وقد اندلعت عدة حروب بين الهند وباكستان حولها، كان أبرزها في أعوام 1948 و1965 و1971، 1999، إضافة إلى المناوشات الخفيفة من حين لآخر، والتي أسفرت جميعها عن مقتل عشرات الآلاف إلى حدود اليوم حيث مزال التوتر ساريا.

في هذا الصدد يأتي اليوم تجدد الصراع حول كشمير في إطار سياق دولي يتسم بصعود الصين والمساعي الأمريكية لإحتواء هذا الصعود وتغير التحالفات الدولية في المنطقة، حيث أدى تقارب وإنسجام باكستان مع الصين وإيران في إطار علاقات شراكات استراتيجية خاصة في قطاعات الاقتصاد والطاقة النووية والعسكرة، وخاصة مع أهمية باكستان الإستراتيجية بالنسبة لمشروع طريق الحرير الصيني، وكسر الحصار الجيوسياسي الذي تسعى أمريكا لفرضه على الصين من خلال حلفائها الإقليميين، إلى تغير مستوى الأهمية التي كانت توليها أمريكا لباكستان إبان الحرب الباردة مع الإتحاد السوفياتي، وبالتالي تقارب أكبر بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، بحيث أصبحت الهند تلعب الدور الرئيسي في تمرير استراتيجية أمريكا في جنوب شرق آسيا انطلاقًا من احتواء خطر الصين على الهيمنة الأمريكية.

وكنتيجة لهذه المتغيرات طفت من جديد قضية كشميرعلى سطح مسرح الأحداث، وخاصة بعد أن ألغت الهند الحكم الذاتي للإقليم في عام 2019، ما ساهم أكثر في ارتفاع حدة التوتر في المنطقة.

في هذا السياق يتعرض المسلمون في كشمير إلى سلاسل من الإنتهاكات الحقوقية الممنهجة والإضطهاد في إطار هذا الصراع من بدايته قبل سبعة عقود وإلى اليوم، حيث يرتكب الهندوس أعمال عدائية ضد مسلمي كشمير، تشمل القتل بما فيه القتل المباشر بالرصاص للمدنيين والذي أكده خبراء للأمم المتحدة في غشت 2019، وتؤكده اليوم الصور ومقاطع الفيديو المنشرة عبر وسائل الإعلام البديل، هذا إضافة إلى أعمال الإغتصاب والتعذيب والضرب الوحشي والإختفاء القسري والإعتقالات الجماعية وإحراق البيوت وتدمير الممتلكات وممارسة الإرهاب المنظم، فضلا عن التهجير القسري ومحاولات التغيير الممنهج للبنية الديمغرافية للمنطقة والتي تستهدف توطين الهندوس مكان المسلمين.
وفي هذا الصدد تشكل كل هذه الأعمال انتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوق الإنسان، ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية للمسلمين في كشمير، فالمادة السادسة من نظام المحكمة الجنائية الدولية تعرف الإبادة الجماعية بأنها تشمل أعمال قتل أفراد الجماعة، أوإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، أو إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أوجزئياً، والتي ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً أو جزئياً.

كما أن المادة السابعة من ذات الميثاق تنص على أن أعمال القتل والإختفاء القسري والإبادة وإبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، والسجن والتعذيب والإغتصاب، واضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرفية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، ومختلف الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية، تشكل جميعا متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم، جريمة ضد الإنسانية.

وفضلا عن هذا، فإن الأعمال الوحشية التي يقوم بها الهندوس ضد المسلمين في كشمير تشكل انتهاكا لعدد من المواثيق الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها يأتي العهدين الدولي للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، واللذان يؤكدان في المادة الأولى المشتركة على أن لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهى بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كما يؤكدان على أن كل دولة طرف تتعهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو غير ذلك من الأسباب.

هذا، كما تشكل أعمال القتل والتعذيب والإحتجاز التعسفي التي يرتكبها الهندوس ضد المسلمين، انتهاكا سافرا لمقتضيات المواد 6، 7، 9، 11، 18، 19، 20، 21، 27، من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تؤكد جميعها على حماية حق الحياة والحماية من الإعتقال التعسفي والتعذيب حرية الفكر والمعتقد والدين وممارسة الشعائر الدينية، وحقوق الأقليات في التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائرهم أو استخدام لغتهم، وقد صادقت الهند على هذا العهد إلى جانب العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في 10 أبريل 1979، مما يجعلها ملزمة بإنفاذ أحكامهما.

وإضافة إلى كل هذا، تشكل أعمال الهندوس الوحشية ضد المسلمين انتهاكا سافرا لمختلف أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ولأحكام الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، واللذين صادقت عليهما الهند على التوالي في 14 أكتوبر 1997، وفي 06 فبراير 2007، ما يجعلها خاضعة لمقتضياتهما وملزمة بإنفاذها ومسؤولة عن انتهاكها.

وفي هذا الصدد فإن مجمل هذه الإنتهاكات التي يقوم بها الهندوس ضد مسلمي كشمير، تفرض ضرورة التحرك العاجل من قبل الأمم المتحدة وتحمل كامل مسؤوليتها حول ما يتعرض له المسلمون في هذه المنطقة من انتهاكات جسيمة وإبادة جماعية، هذا إضافة إلى القضاء الجنائي الدولي، ومختلف الهيئات والمنظمات الحقوقية، كل في ما يخصه في إطار صلاحياته.

كما أن هذه الإنتهاكات الفظيعة، ومن منطلق المسؤولية الدينية والأخوة في الإسلام، وأيضا من منطلق المسؤولية الأخلاقية والإنسانية، تفرض بشكل خاص على كل الدول والمنظمات الإسلامية، التحرك الفعال لمساعدة مسلمي كشمير بكل أشكال الدعم المادي والسياسي وغيره، والضغط على حكومة الهند، خاصة دبلوماسيا واقتصاديا، وتسليط الضوء الإعلامي على هذه القضية، وتقديم كل ما يمكن من معونة لدولة باكستان في هذا الصدد، سواء لمنح إقيلم كشمير إستقلاله الكامل أو ضمه لدولة باكستان كما تذهب لذلك رغبة غالبية سكان الإقليم.

باحث في مختبر الدراسات السياسية والقانون العام بكلية الحقوق، فاس.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي