أثار خبر لجوء السلطات التونسية لاستخدام قرض حصلت عليه أخيراً من الجزائر، إضافة إلى الاستدانة من مؤسسة البريد التونسي، لدفع رواتب الموظفين، جدلاً سياسياً واسعاً وتساؤلات حول قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها الدولية، في وقت يحذّر فيه مراقبون من تكرار السيناريو اللبناني.
وقال الخبير الاقتصادي مُعز الجودي، إن الحكومة استخدمت القرض، الذي حصلت عليه من الجزائر، في تسديد رواتب الموظفين لشهر كانون الثاني/ديسمبر الجاري.
وكتب على صفحته في موقع فيسبوك أن حجم الأجور في الوظيفة العمومية قد بلغ ما يقارب من مليار و800 مليون دينار شهرياً، تحصل عليها الدولة من المساعدات، مشيراً إلى القرض الجزائري. وأوضح الجودي أنه يتم استخدام المساعدات لدفع رواتب الموظفين بدلاً من تمويل مشاريع واستثمارات وشركات ناشئة. وقال: “الأجيال القادمة ستتكفل بدفع هذه القروض!”.
وكانت تونس تسلمت قرضاً بقيمة 300 مليون دولار من الجزائر في منتصف كانون الثاني/ديسمبر الماضي، تزامناً مع زيارة الرئيس عبد المجيد تبّون، والتي شهدت أيضاً توقيع 27 اتفاقية بين البلدين في المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية.
وكتب غسان القصيبي المكلف بالإعلام في اتحاد الشغل على موقع فيسبوك: “شكراً للبريد التونسي، المؤسسة الوطنية العمومية التي منعوها من أن تصبح بنكاً بسبب اللوبيات والعائلات في قطاع البنوك، الشكر يأتي بعد أن قام بتقديم مدخراته للدولة بمبلغ 700 مليون دينار (240 مليون دولار) لسداد الأجور. لكن متى ينتهي هذا النزيف؟”.
وكتبت ريم موالي، رئيسة حزب الاستقلال: “البريد التونسي أنقذ الموقف بتقديم 700 مليون دينار من مدخراته كي يتم دفع رواتب هذا الشهر والشهر السابق، وتساءلت بالقول: “كيف سيسترجع البريد هذه الأموال، في وقت تعيش فيه السلطة القائمة أكثر من إمكانياتها ولا تستطيع تأمين الخبز والدواء؟”.
وكتب عبد الوهاب الهاني، رئيس حزب المجد: “تكفَّل البريد التُّونسي بدفع أجور (الوظيفة العموميَّة) شهر يناير/كانون الثاني، فمن سيتكفَّل بأجور شهر فبراير/شباط؟ على وزيرة الماليَّة في حكومة التَّدابير أن تصارح الشَّعب حالَّاً عن حقيقة الأوضاع الماليَّة للدَّولة، أو أن تستقيل حالًّاً. وعلى رئيس الجمهوريَّة أن يكفَّ حالَّاً عن سياسة الهروب لِهَاوية الأمام وعن الجري وراء سراب “خُفَّي نجلاء” و”خُفَّي عُثمان” (نسبة لرئيسة الحكومة ووزير الخارجية) وعن بيع مغالطات استشارة وزير التّحيُّل الإلكتروني وأوهام وهواجس الفقيه أمين والمنظر لينين والوالي ستالين والوزير شرف الدِّين”.
وكتب رفيق عبد السلام، القيادي في حركة النهضة: “هذه المرة تم الاستيلاء عنوة على مدخرات المواطنين في البريد لدفع جرايات (رواتب) الموظفين، وفي المرة القادمة سيتم الاستيلاء على مدخرات المواطنين في البنوك لدفع الجرايات الشهرية، يعني أن كل من له رصيد بنكي عليه أن يتحسس جانبيه من الآن لأنه سيجد نفسه عرضة للسطو المنظم من طرف دولة الإفلاس”.
وأضاف: “يتحدثون عن العشرية السوداء، وقد كانوا محصنين بدستور يحمي حقوقهم ونظام ديمقراطي يجسد حرياتهم الخاصة والعامة، وكانت تصلهم رواتبهم في أوقاتها المحددة، وفي الأعياد والمناسبات الكبرى يتم تقديم مواعيد الدفع إلى أواسط الشهر وحتى بداياته أحياناً، ولم يعرفوا يوماً الوقوف في الطوابير للحصول على الخبز أو الزيت أو المعجنات، فضلاً عن فارق الأسعار وغيره. كل ما كان أسود وقاتماً في العشرية الماضية، هو من صنيع الثورة المضادة التي تآمرت بالليل والنهار من أجل إسقاط التجربة التونسية، ثم تحالفت أخيراً مع الانقلاب الغادر لقيس سعيد الذي نعتوه كذباً وبهتاناً بتصحيح المسار، وهو في الحقيقة تخريب للمسار ولكل شيء”.
ودون المحلل السياسي عبد اللطيف دربالة: “الشعب يريد أن يسأل فخامة الرئيس: هل حصل على أجرته بالملايين قبلهم، بينما هم ينتظرون تنزيل أجورهم المتأخّرة بحساباتهم البنكيّة. أم لا يزال فخامته هو أيضاً ينتظر عشرات ملايينه إلى نهاية الشهر مثلهم؟ وهل حصل مستشارو وموظفو رئاسة الجمهوريّة على أجورهم. أم تأخّرت حتّى اليوم مثل أغلب فئات الموظفين التونسيّين؟”.
وأضاف: “الشعب يريد أن يسأل فخامته: هل سيعوّضهم عن المصاريف والتكاليف المصرفيّة التي تكبّدوها نتيجة تأخير صرف أجورهم لعدّة أيّام بفعل رجوع بعض أقساط قروضهم والتزاماتهم المالية وشيكاتهم المبرمجة مسبقاً للدفع في تواريخ تنزيل أجورهم بحساباتهم البنكية في آجالها السابقة المعروفة. وإثقال كاهلهم بعمولات وغرامات جرّاء ذلك؟ وهل سيعوّض مئات آلاف الموظفين التونسيّين عن الخسائر بعشرات وربّما الدنانير نتيجة نفقات عمولات وفوائض البنوك التي تكبّدوها في الأشهر الأخيرة بفعل الاضطرار للاقتراض الفوري والحصول على تسبقات (دفعات سابقة) ماليّة عبر تسهيلات مصرفيّة للإنفاق على أنفسهم وعائلاتهم، وبسبب دفع المصاريف البنكيّة المذكورة آنفاً، والناتجة جميعها عن التأخير المتكرّر في دفع أجورهم طيلة الأشهر الأخيرة بفعل سوء إدارته وسياسته العقيمة وقراراته العنيدة؟”.
وكان البنك المركزي التونسي تحدث قبل أشهر عن مفاوضات مع السعودية والإمارات والجزائر لتمويل موارد الدولة التي تعاني نقصاً شديداً، وخاصة فيما يتعلق بتأمين أجور الموظفين.
تعليقات الزوار ( 0 )