قيلت أشياء كثيرة في حق مدير نشر جريدة الاخبار رشيد نيني بعد مغادرته لاسوار السجن ومع ذلك ظلت جريدة الاخبار الورقية رائدة في كشف ملفات كثيرة للفساد الإداري والمالي إلى درجة أنه لا يخلوا عدد من اعداد هذه الجريدة دون نشر ملفات وقضايا فساد تهز الكيان ويرتعش لها الجسم من هول الأرقام الفلكية لقيمة الأموال المختلسة أو المبددة أو التي يتم تهريبها خارج أرض الوطن بطرق ملتوية!
ما تنشره جريدة الاخبار من معطيات في غاية الأهمية والخطورة في نفس الآن يستدعي وقفة تأمل كبيرة حول ما يقع في المغرب من فساد كبير يطال كل المؤسسات ( المنتخبة، والمعينة) إلى درجة أن الرأي العام المغربي أصبح يطبع تدريجيا مع أرقام فلكية للاموال التي يتم اختلاسها أو تبديدها او تهريبها من طرف المنتخبين في الجماعات المحلية والمسؤولين في عدد من الإدارات والمؤسسات العمومية!
المثير للدهشة والاستغراب أن هناك أطراف حكومية تنزعج كثيرا مما ينشر في عدد من التقارير الوطنية والدولية حول مؤشر الفساد في المغرب وكأن هؤلاء المسؤولين في احزاب التحالف الحكومي لا يقرؤون ما تنشره جريدة الاخبار على صدر صفحاتها الأولى من قضايا متعددة لاختلاس وتبديد المال العام من طرف أعيان انتخابية ومسؤولين إداريين في مؤسسات عمومية استراتيجية يتم تعيينهم بموجب ظهائر ملكية سامية ويؤدون القسم أمام أعين جلالة الملك على أن يكونوا مخلصين للوطن والملك وأوفياء في تأدية مهامهم بكل نزاهة ومسؤولية وتجرد!
ما تنشره جريدة الاخبار يظل نقطة فقط في بحر كبير من الفساد الذي تؤكده تقارير مؤسسات دستورية وطنية وتقارير منظمات ومؤسسات دولية تعنى بدراسة مؤشرات الفساد في عدد من الدول وهو فقط مجهود شخصي لصحفيين مهنيين يقتفون أثر الفساد في ظل مناخ عام محفوف بمخاطر جمة أقلها المتابعات القضائية التي اصبحت استراتيجية غير فعالة للمفسدين في ظل يقظة القضاء!
شخصيا لا يهمني من يمد الصحافة بملفات الفساد ولا يهمني صراع الأجنحة وغير ذلك من المبررات التي بات يختبئ خلفها البعض لتبخيس ما تنشره الصحافة بل الأهم لدي هو أن عددا كبيرا من القضايا التي فجرتها الصحافة ومن ضمنها جريدة الاخبار تأكدت صدقيتها بأحكام قضائية حائزة لقوة الشيء المقضي به!
القضاء سلطة مستقلة وأحكامه هي عنوان الحقيقة وخلال السنوات الأخيرة تكسرت العديد من الطابوهات وكان لمؤسسة النيابة العامة منسوب جرأة عال جدا في متابعة عدد من المفسدين بجرائم الاختلاس وتبديد المال العام وتبيض الأموال وتجارة المخدرات،منهم من دخلوا السجن، ومنهم من سيدخلونه مستقبلا بدون شك، رغم أن هناك من يشرع الآن لعقوبات بديلة بحجة تخفيف العبئ على السجون المكتظة بالسجناء والمعتقلين احتياطيا!
لا شك أن هناك مفسدين كبار في عدد من المواقع ولا ريب في أن هناك من يوفر لهم الحماية او يعمل جاهدا على تأمينها لهم بطرق ملتوية للافلات من العقاب ولكن الشيء الوحيد الذي لا ينبغي التشكيك فيع وهو أن ارادة الإصلاح موجودة وستظل قائمة وإن ضعفت خلال مرحلة معينة ستنهض بقوة في المستقبل لأن التطبيع مع الفساد والتعايش معه أمر لم يعد مقبولا وله مخاطر جمة على الاستقرار بشكل عام!
صحيح أن هناك انتقائية في التعامل مع التقارير الصادرة عن عدد من المؤسسات والدوائر الحكومية وصحيح أن هناك تركيز على المنتخبين دون أن يطال الامر عدد كبير من رجال السلطة الذين تحوم حولهم شبهات فساد ولكن الثابت أن ما سيأتي في المستقبل القريب جدا سيكون صادما للجميع بكل ما للكلمة من المعنى لأنه كلما اشتدت الأزمات إلا ويأتي الفرج.
الثقة في المؤسسات مسألة في غاية الأهمية لأن المؤسسات ثابتة واذا عين على رأس مؤسسة ما شخص فاسد اليوم فبكل تأكيد سيكون على رأسها شخص نزيه في المستقبل. كما أن القرارات التي تتخدها الحكومة اليوم ليست قرآنا منزلا من السماء، وكما نزلت بالتشريع تلغى أيضا بالتشريع ويؤتى بما هو أفضل منها!
مهما كانت جبهة الفساد والمفسدين قوية ومتضامنة ومحمية ومحصنة خلال فترة من الفترات فبدون شك ستأتي الساعة التي ستنهار فيها هذه الجبهة وستتكشف عورات الجميع لأن الزبد كما يقال يذهب جفاء وأن الخير سينتصر عن الشر لا محالة وهذه سنة الحياة…
تعليقات الزوار ( 0 )