الأمثال الشعبية يستخدمها المغاربة في مختلف المواقف الحياتية، ومن بينها قولهم ” رب ضارة نافعة “، حيث يتردد هذا المثل باستمرار عند الحديث عن الشخصية التي لا تعرف أين الخير وتعتقد أن قدرها سيئ للغاية. وينطبق هذا المثل تماما على جائحة “كورونا” والحجر الصحي في البيوت تحوطا من الفيروس التاجي. فليس كل ما نمر به في زمن “كورونا” سيئ، وفي المحن تظهر المنح كما يقال. فبالرغم من التداعيات السلبية لانتشار الوباء، فقد كشفت إحصائيات ،نشرتها المديرية العامة للأمن الوطني بالمغرب، يوم الأربعاء 15 أبريل 2020 ، عن جانب ايجابي لانتشار المرض، تجلى في محاصرة فيروس آخر غير مستجد وخفض معدلات تفشيه بالمجتمع المغربي، حيث تراجع المظهر العام للجريمة، خلال شهر مارس 2020 ، مقارنة مع نفس الشهر من السنة الماضية، بنسبة 20 بالمائة، أو ما يعادل تراجعا ب 10.867 قضية. وأشارت الإحصائيات إلى أن نسبة السرقات بالنشل والخطف انخفضت ب 24% ، وكذا الجرائم الاقتصادية و المالية ب 23% ، كما أن الجرائم المقرونة بالعنف تراجعت نسبتها أيضا، كالاعتداءات الجنسية بنسبة 41% ، والسرقات الموصوفة بنسبة ناقص 28% ، والسرقات تحت التهديد بالسلاح الأبيض بنسبة 52% ، وانخفضت الجرائم المتعلقة بالضرب والجرح المفضي للموت إلى ناقص 250% ، وكذا جرائم القتل العمد إلى ناقص 67% ، ومحاولات القتل العمد إلى ناقص 175% .
ومع انعزال المغاربة في منازلهم وإغلاق المدن و حركة التنقل بسبب “كورونا”، يجد المجرمون صعوبة في كسب المال من ” نشاطاتهم التقليدية “، ما جعلهم يلجؤون إلى حيل جديدة للاستفادة من الأزمة، في ظل احتياج الناس للمتطلبات الطبية والوقائية وغيرها، و اتجاههم للاهتمام بالنصائح الطبية والحرص على اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة من استخدام مطهرات ومعقمات كحولية، حيث لاحظنا ظهور نوع جديد من الإجرام، كان وليدا لتلك الظروف، من قبيل احتكار السلع وإخفائها ورفع الأسعار والغش في جودتها. وأشارت المديرية العامة للأمن الوطني إلى بروز أنماط إجرامية مستجدة مثل النصب بدعوى جمع التبرعات، والمضاربة في أثمان الكمامات الوقائية، وصناعة مواد التعقيم. ومنذ إعلان المغرب تسجيل أول حالة إصابة، ظهر أيضا نوع آخر من الجريمة، لا يحتاج إلى مغادرة المنزل، مثل عمليات الاحتيال عبر الانترنيت، كما شكل الفيروس القاتل مصدر سيل من الأخبار الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل الفوري على الهاتف المحمول، حيث جرى اعتقال بعض ” المتورطين ” في مدن مختلفة وملاحقتهم قانونيا من قبل النيابة العامة، بعد أن أصبحت الإشاعات لا تسرب من لسان لأذن، بل من ” الكيبورد ” إلى العالم.
ويبدو أن انهماك السلطات المغربية في القضية الأهم، وهي مكافحة الوباء، قد دفع العنف الأسري إلى الوراء ولو بصورة مؤقتة، فزادت بذلك فرص المسيئين لترويع ضحاياهم. وسجلت المنظمات والجمعيات الناشطة في مجال العنف ضد المرأة ارتفاعا ملفتا في حالات العنف المنزلي، في ظل تفشي وباء كورونا و ملازمة البيوت. وقالت عدة جمعيات في رسالة إلى وزيرة المرأة والتضامن و وزير الصحة إن ” معدل العنف اتجاه النساء جد مرتفع، ومن المرجح أن تزداد وتيرته تصاعدا، بسبب التوترات التي بدأت تظهر جليا داخل الأسر نتيجة الضغوط النفسية المرتبط بوضعية الحجر الصحي، مذكرة بأن العنف المنزلي يمثل 52 بالمائة من حالات العنف ضد النساء، بحسب معطيات رسمية “. و وفقا لتقرير الأمم المتحدة حول العنف الأسري بعد تفشي “كورونا”، فقد سجلت زيادة كبيرة في العديد من دول العالم. وهذا ما جعل أمين عام الأمم المتحدة ” أنطونيو غوتيريش ” يطلق صيحة يوم الخامس من شهر أبريل 2020 من مقر المنظمة الدولية ويحذر من تفاقم هذه الظاهرة وانعكاساتها على ما وصفه ” سلام المنازل “.
وبالاستناد إلى الإحصائيات الرسمية لوزارة الداخلية المغربية قبل “كوفيد”، فإن معدل الجريمة في البلاد، لا يتجاوز على مستوى جميع أشكالها 21 قضية لكل ألف مواطن سنويا. لكن، في الوقت ذاته، يورد موقع ” نومبيو ” للإحصاءات العالمي، أن المغرب يحتل المرتبة 43 في العالم على مؤشر الجرائم العالمي، ويتواجد بين الدول الست التي تشهد أعلى معدلات من الجرائم، حتى أصبح الخوف من قطاع الطرق والمجرمين أكثر من الخوف من داعش، بعد أن شكل هؤلاء ظاهرة شبابية إجرامية قلقة، فتحت أعين المغاربة على أشكال إجرامية غير مألوفة. والأخبار التي تتناقلها الصحافة، وشبكات التواصل الاجتماعي، والملفات الرائجة في المحاكم، كافية لكشف الستار عن المنحى التصاعدي الخطير الذي اتّخذه الإجرام بالمغرب. ونتيجة لذلك، ارتفعت الحملات الداعية لمجاربة الاعتداءات المسلحة بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أطلق نشطاء حملة ” زيرو كريساج ” تطالب بالتدخل لوقف الظاهرة الإجرامية، بعد أن صار تجول مواطن حاملا حقيبة أو مُتحدثا في هاتفه تصرفا بطوليا، بعد أن تسربت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، صور تُظهر “مشرميلن” يستعرضون أسلحة بيضاء وعصي كهربائية وبخاخات، ويتباهون بغنائم تحصلوا عليها من عمليات سرقة وسطو، وكشفت صفحات “التشرميل” صورا لأشخاص وهم يستعرضون قنينات الخمر، ومخدرات وأموال، وأسلحة بيضاء، وخناجر، وسكاكين كبيرة الحجم تقطر بالدماء، وسيوف مختلفة الأحجام، بعضها يُحيل على تلك المستعملة بالأفلام التاريخية وأفلام “الأكشن”.
وحذر بعض المحللين من أن الانخفاض في الجريمة بالمغرب، بشكل عام، والمرتبط بتداعيات الوباء، لا يتعدى كونه أمرا مؤقتا. وذكرت الصحافة الأجنبية أن تراجع معدل الجرائم بعد تفشي الوباء، هو اتجاه عالمي، حيث تظهر الإحصاءات الصادرة عن أغلب مدن العالم إلى انخفاض هائل في معدلات ارتكاب الجرائم خلال الأسابيع التي شهدت فرض وقف انتشار الفيروس، وحتى بين المناطق التي تشهد أعلى مستويات من العنف خارج مناطق الحرب. وفي أمريكا اللاتينية، انخفضت معدلات الجريمة إلى مستويات غير مسبوقة لم تشهدها منذ عقود. وحتى المكسيك وكولومبيا و السلفادور والتي تعد من أخطر المناطق الموبوءة بالجريمة في العالم، والتي تعاني من معدلات قتل مرتفعة للغاية، تشهد انخفاضا بمتوسط عمليات القتل إلى اثنين يوميا خلال الشهر الماضي، وهو ما يشكل انخفاضا هائلا، مقارنة بنحو 600 قتيل يوميا قبل بضعة أعوام. وفي العديد من البلدان الأوربية، أبلغت الشرطة عن انخفاض كبير في السلوك الإجرامي الشائع.
*كاتب وباحث
تعليقات الزوار ( 0 )