Share
  • Link copied

جائحة كورونا: أية رسائل لحماية البيئة والإنسان؟

    خلقت جائحة كورونا الناتجة عن انتشار فيروس كوفيد-19، ارتباكا عالميا برهن عليه عجز المنظومة الصحية العالمية عن احتواء الوضع وتطوير علاج يمكنه القضاء على الفيروس أو التقليل من مضاعفاته، والاقتصار فقط على اللجوء للتدابير الوقائية والتباعد الإجتماعي، حيث سارعت الدول لغلق الحدود وإعلان حالة الطوارئ الصحية، وألزمت الحكومات شعوبها على البقاء في المنازل ووضع الكمامات والإهتمام بسبل النظافة والتعقيم، وغيرها من الإجراءات الاحترازية.

    وهذه الظرفية لابد من أنها قدمت للبشرية دروسا لن تنسى، فالحجم المرتفع للخسائر في الأرواح البشرية، وركود الحركة الإقتصادية، وغيرها من الآثار، كلها مؤشرات تدفع بالإنسان لإعادة التفكير في مصيره على كوكب الأرض. ولعل من أهم ما يتوجب على الإنسان النظر إليه مجددا بنظرة أخرى، هو النظام البيئي والإيكولوجي الذي يعيش فيه ويعتاش منه.

    لقد بدأ العالم يعي أهمية البيئة والمناخ، ولما لهما من تأثيرات مباشرة على الإنسان. فما الإحتباس الحراري وتلوث الهواء وانحصار الغابات والتصحر وذوبان الجليد وغيرها، إلا أخطار مهددة للوجود البشري، فيما تخلقه من مجاعات وتفشي للأمراض والأوبئة، وازدياد نسب الفقر والتشرذم وغيرها من المظاهر كثيرة.

    بيد أن جائحة كورونا التي أقعدت الناس بين جدران منازلهم، تدعوهم اليوم بكل تأكيد لتغيير تعاملهم مع البيئة المحيطة بهم، وتحيين تصرفاتهم تجاه الفضاء الإيكولوجي بالخصوص ، فطالعتنا وسائل التواصل الإجتماعية ووسائل الإعلام عن أشخاص جعلوا من سطوح منازلهم حدائق ومستنبتات هروبا من “الإختناق” الذي يسببه البقاء بين الجدران الخرسانية خلال فترة الحجر الصحي. وهذا لا يمكن أن يكون إلا اعترافا عن وعي أو بدونه بأهمية البيئة الإيكولوجية في حياة الإنسان.

    وإلى جانب ذلك، رأينا اليوم في ظل هذه الجائحة كيف أن المستشفيات والمختبرات مدعوة للتعامل بحذر شديد أكثر من أي وقت مضى مع النفايات الطبية وطرق التخلص منها، فخطأ بسيط في هذه العملية قد تكون له عواقب غير محمودة على البيئة، ومن ثم بشكل مباشر على البشر. كما أن التغيرات التي طرأت على النظام البيئي بفعل الأنشطة البشرية، ها هي الآن تظهر للإنسان الوجه القبيح لتصرفاته، فبعد أن وُضع في الحسبان احتمال أن يكون فيروس كوفيد-19 قد انتقل من الحيوان إلى الإنسان، ينبه هذا الأمر البشرية إلى ضرورة فهم كيفية عمل المنظومة البيئية بشكل دقيق، والكف عن نسف الغابات التي تعد موطنا رئيسيا للأحياء البرية بتنوع أشكالها وأصنافها، وعقلنة المتاجرة بالحيوانات والحشرات والطيور.

    زيادة على الحاجة الملحة اليوم، لإعادة النظر بشكل جدي في الإستعمال المبالغ فيه للمبيدات والأسمدة والمواد الكيماوية المستخدمة في الزراعة والإنتاج الغذائي. والمسببة لتلوث المياه وتسمم النباتات والحيوانات على السواء، لتصل التأثيرات في نهاية السلسلة إلى الإنسان. بالإضافة لضرورة نبذ التلاعب الجيني بالحيوانات والنباتات والذي أصبح يتنامى مع تطور الأبحاث الجينومية التي تعززت بوجود تقنيات تكنولوجية بالغة الدقة.

    ثم أن أطنان القمامة ومياه الصرف الصحي التي تنتجها المدن في كل يوم وحين، وتذهب إما لمطارح مكشوفة على مصراعيها للحيوانات لتتغذى منها، أو لترمى في البحار والمحيطات والأنهار. كل هذا من شأنه أن يساعد في تفشي الأمراض والفيروسات، مما يستدعي معه ابتكار حلول بيئية فعالة لتدوير المخلفات البشرية وعدم التخلص منها في البيئة الطبيعية مباشرة.

    زيادة على هذا، فإن شركات التصنيع أصبحت ملزمة اليوم وبشكل ملح على مراعاة المعايير البيئية، والحد من انبعاث الغازات الملوثة للهواء، وما تنتجه من مواد مثل البلاستيك الملوث للتربة وللفرشة المائية، وما من شك بأن لكل هذه الأمور علاقة وطيدة بالتغيرات المناخية وبارتفاع درجات الحرارة و حدوث فيضانات في أماكن معينة وانحباس الأمطار عن أخرى، وهو الأمر الذي يفقد النظام البيئي والمناخي توازنه بشكل يؤثر سلبيا على الحياة فوق كوكب الأرض.

    يمكن أن نضيف كذلك، أن أطروحة الحرب البيولوجية التي تتردد على الألسنة اليوم بخصوص فيروس كورونا، سواء أكانت صحيحة أو مجانبة للصواب، فإن ذلك يجب أن يدق ناقوس الخطر لدى البشرية جمعاء لوقف الإستمرار نحو أي خطوة من هذا النوع، واستحضار القصف الذري لمدينتي هيروشيما ونكزاكي في الأذهان يكفي ليكون دليلا واضحا على تدمير كل أشكال الحياة في المدينتين في ظرف وجيز، من الإنسان إلى الحيوان إلى النبات. أما وإن خطت الدول باتجاه اعتماد الحرب البيولوجية وأشكال جديدة في الصراع مثل اللجوء لاستخدام الموجات الكهرومغناطيسية وما شابه ذلك من العمليات الفزيائية، زيادة على المقدرات النووية، فإن تلك الحالة لن تهدد حياة البشر وحسب، بل ستكون خرابا لكل أوجه الحياة الأخرى على الأرض.

*طالب بسلك الماستر تخصص الدراسات السياسية والدولية

Share
  • Link copied
المقال التالي