في خطاب مركز وصريح جدا، دعا جلالة الملك الشعب المغربي إلى ثورة أخرى جديدة للملك والشعب قصد دحر وباء كورونا من المغرب .هذا الوباء الذي صار يتسلل إلى أجساد الآلاف من المواطنين مهددا المنظومة الصحية بالانهيار و المنظومة الاقتصادية بالسكتة القلبية ،داعيا إياهم إلى الوعي بتعقد الوضع الصحي الوبائي المتفاقم بشكل جدي خلال الأسابيع الأخيرة ….إنها رسائل صحية بليغة تأتي في الوقت المناسب تصدر عن أعلى سلطة بالبلاد بغية تمرير الخطاب الصحي اللازم خلال هذه المرحلة الدقيقة التي تجتازها البلاد ،ينتظر منها أن يكون لها أثر كبير في تغيير المنحى الخطير الذي يتخذه الوباء وذلك قبل أن يفوت الأوان.
لقد شدد جلالة الملك على ان المغاربة نجحوا خلال الحجر الصحي، بل وأعطوا الدروس للعالم في الانضباط والتضحية خلال تلك ا لمرحلة الاولى، ولكنهم لم يعرفوا كيف يحافظون على هذا النجاح. و كيف يخرجون بأمان وسلاسة من الحجر الصحي . بل وهاهم يتعثرون في هذه المرحلة الحاسمة جدا. فترتفع الارقام بشكل غير مسبوق وفي ظرف وجيز.
المطلوب حسب جلالة الملك هو الرفع من منسوب الوطنية والتحلي بروح المواطنة والتشبت بقيم التضامن والتآزر والتضحية. فما أشبه اليوم بالبارحة. وما أشبه ظروف ثورة 1953 التي كانت ضد المستعمر الذي كان ينهب خيراتنا وثرواتنا، بظروف اليوم حيث يتهددنا الوباء اللعين الذي يريد وأد آمالنا في تحقيق التنمية المنشودة في شتى القطاعات ، مما يفرض علينا استلهام نفس الروح التي جمعت آنذاك إرادة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني بإرادة الشعب المغربي . ففي حياة كل الشعوب محطات مضيئة تنير لها الطريق وعندها بالطاقة الأزمة لتجاوز الصعاب وتحقيق المستحيل.
وفي الحقيقة هذا خطاب يروم قبل كل شيء انحاز ثورة ضد الجهل والخرافة. فالملك حين يؤكد بلغة واضحة لفئات من المواطنين ان الفيروس موجود فهو يحارب السلوك الخاطئ في منشئه و يضرب في صلب الافكار الخاطئة التي تقود اليه.
فكفى من الاستهتار، وكفى من إنكار المرض، وادعاء التعرض للمؤامرة، وكفى من عدوى الآخرين فالفيروسةكما قال جلالة الملك لا يفرق بين القرى والمدن وبين الشباب والمسلمين وبين المرضى والأصحاء.
إن كسب الرهان يكمن في القدرة في الأيام والأسابيع المقبلة على الرفع من وعي الشعب الذي صارت الكرة الان بشكل جلي في ملعبه .والذي يتعين عليه أن يقرر حماية نفسه وحماية المجتمع من الوباء من خلال تغيير السلوك وتبني نمط العيش الجديد الذي فرضه كورونا على العالم أجمع في انتظار اللقاح.
خاطب الملك في الشعب حسه الوطني مبصرا إياه بالعواقب الخطيرة التي قد تترتب عن تمادي البعض في تجاهل قواعد التباعد الاجتماعي ووضع الكمامات والسفر والتنقل بدون ضرورة واضحة . والتي قد تصل إلى حد فرض الحجر الصحي الشامل مرة أخرى مع ما يعنيه ذلك من مخلفات وخيمة نفسية واقتصادية واجتماعية.
ولذلك فان الخلاص الذي ننشده اما سيكون خلاصا جماعيا أو لا يكون ابدا. مما يعني أن لا مناص لكل المغاربة من تطبيق الإجراءات الاحترازية اذا كنا نطمح لتحسين المؤشرات الوبائية المقلقة.
إننا أمام منعطف دقيق من تاريخ أمتنا. فليست الملاحم معارك ضد العدو الغاشم فقط بل قد تكون كما هو الحال الان إجراءات وقائية ضد التهديدات الوجودية من قبيل الأوبئة والفيروسات، ولربما تكون غدا في أشكال أخرى في هذا العالم القلق المضطرب العليل.
لقد اعتقدنا خطأ أن الوباء وراءنا .وها نحن نراه الان أمامنا. لذا علينا أن نواجهه بالحزم والذكاء والتضامن والحس الوطني حتى لإنتركه يعمل انيابه في وطننا فندحره و تحافظ على شعلة الأمل متقدة في نفوسنا حول المستقبل المشرق الذي تنتظره منا الأجيال القادمة.
*أستاذ في كلية الطب
تعليقات الزوار ( 0 )