شارك المقال
  • تم النسخ

“تيزي نوشك”.. القريةُ التي حوّلتهَا إرادةُ أبنائهَا لمثالٍ يُحتذَى بهِ عالمياً

يلقّبها البعض بـ”القرية المثالية”، هي “دوار”، يقع ضواحي مدينة مراكش، وسط جبال الأطلس، عانى طوال سكانه سنين من صعوبة المسالك الجبلية الموصلة إلى المدينة، في ظل انعدام الطريق.

ونظرا للظروف الطبيعية التي تواجد وسطها سكان تيزي نوشك، عانوا لعقود من الهدر المدرسي المبكر، في ظل بعدِ أقرب مؤسسة ابتدائية بحوالي 5 كيلومترات، إضافة إلى ارتفاع الوفيات في صفوف النساء والأطفال عند الولادة، على خلفية غياب الطريق.

وفي ظل هذا الوضع، الذي كان يتسبب في الهجرة القروية، حيث يتوجه كل الشباب صوب مراكش، أو المدن القريبة، من أجل البحث عن عمل، لإعالة الأسرة والعائلة، نظرا لعدم وجود أي فرص للعمل في الدوار، الذي يعتمد بشكل كامل على الفلاحة.

غادر، رشيد منديلي، ابن القرية، وملهم نهضتها، _ غادر _ الدوار، في سن مبكر، بعدما عجز عن الاستمرار في الدراسة، نظرا لبعد المسافة، وصعوبة المواصلة في ظل الفقر المدقع الذي كان يقبع فيه. ذهب إلى مراكش للبجث عن عمل.

في عاصمة النخيل، تمكن رشيد، في ثمانينيات القرن الماضي، من العثور على عمل في أحد بيوت أناس أثرياء، مقابل 150 درهما شهريا، مع حصوله على المأكل والمبيت في منزل أصحاب الشغل، وهو ما أعجبه، لوقت قصير، قبل أن يقرر البحث عن بديلٍ.

لم يستمر رشيد، الذي تميز بالطموح، والرغبة في تحقيق أحلامه التي سطرها، في هذا العمل، حيث خرج للبحث عن شغل جديد، وتدرج بين المقاهي والبناء، وصولاً إلى الصباغة، التي تعلمها وأتقنها وصار يجني مبالغ مالية كبيرة منها، تصل أحيانا لـ 10 ملايين سنتيم شهريا.

بعد هذا العمل، الذي صار يوفر له كل ما مان يطمح له، واستطاع شراء شقة في مراكش، وتزوج، غير أن شريكة حياته، دفعته للتفكير في العودة للقرية، بعدما وجدت صعوبة في العيش بالمدينة، وسط عمارة سكنية، وبعيداً عن الطبيعة التي نشأت وسطها.

رشيد، قرر العودة وفكر في إنشاء مشروع “جيت”، بدأه بشقة صغيرة، قبل أن يتطور الأمر بعد سلسلة من العلاقات التي نشأت بين الشاب وبين عدد من الأشخاص الذين زاروا القرية وتعرفوا على أناسها وطريقة عيشهم، ليفكر منديلي في إصلاح الوضع بـ”تيزي نوشك”.

أنشأ الشاب الطموح جمعية وتضافرة جهود كافة أبناء القرية، حيث قاموا بمجهود وصفه من تابعوه بـ”الجبار”، جمعوا تبرعات بالملايين، وربطوا الدوار بشبكة الماء الصالح للشرب، والواد الحار، ثم واصلوا مجهوداتهم وقاموا بتهيئة طريق تربط مكانهم المعزول بالمدينة.

الماء الصالح للشرب والواد الحار، والطريق، مشاريع تكلف الملايين، غير أن تضافر الجهود مكن من إنجازها، وهو ما ساهم في تحسين ظروف العيش بـ”تيزي نوشك”، وتقليل نسبة الهدر المدرسي والوفيات، بسبب الطريق التي منحت للسكان فرصة الوصول للمستشفيات ومؤسسات التعليم.

ولم يتوقف سكان القرية عند هذا الحدّ، حيث واصلوا عملهم، وأنشأوا تعليما أوليا للأطفال، من أجل تهيئتهم لدخول المدرسة، وتعليمهم اللغة العربية والفرنسية، وهو ما قلّل من نسبة الرسوب في الصف الأول من الابتدائي، وصارت حالات “السقوط”، نادرة.

سكان “تيزي نوشك”، استطاعوا البحث عن مصادر للدخل، وبدأت الجمعية في استغلال التوت البري المتواجد بالمنطقة، والتين، والتين الشوكي، في إنتاج المربى وبيعه، إضافة لبيع جلود المواشي، وتحسين ظروف الفلاحة، وهي كلها عوامل ساهمت في تقليل الهجرة القروية.

واستمر المجهود، الذي ساهم فيه أيضا، مئات الأشخاص بالمال والجهد، ممن وثقوا في سكان القرية، وساعدوهم على تحقيق أهدافهم، ليتمكنوا سنة 2017، من تشييد ملعب، حضر حفل افتتاحه عدد من الشخصيات البارزة، على رأسهم الناخب الوطني وقتها، الفرنسي هيرفي رونار.

تجربة النهوض الفريدة، صارت مثالا يحتذى به، في كثير من المناطق المغربية، إلى جانب صول صداها للعالمية، ليتم استدعاء رشيد منديلي، الذي تعلم الفرنسية من كثرة مصاحبته للأجانب، لإحدى أكبر الجامعات الأوروبية، للتحدث عن تجربته.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي