مقدمة:
انطلاقا من مقاصدنا ومبادئنا المشتركة، نقف اليوم في هذه الورقة على جانب مهم من ما راكمته بلادنا، من مكتسبات رائدة في مجال حقوق الإنسان همت العديد من المجالات..نذكر من بينها على سبيل المثال وليس الحصر: الأمن والسلام، الحماية الاجتماعية، التنمية، حرية الفكر والتعبير، الحرية الثقافية، العدل، الحق في محاكمة عادلة، حرية التجمع السلمي والمشاركة في الشأن العام، حماية الأقليات الدينية، الحماية من التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية، الحماية من الاعتقال التعسفي أو الاحتجاز، الحق في المعلومة…وغيرها من الحقوق التي تحتاج كل يوم للتحصين، والتطوير ، بعيدا عن الشحونات العاطفية والغير العقلانية، باعتبارها حقوق حاضنة للجميع وواسعة النطاق لكل المغربيات والمغاربة.
وفي ظل ما شهدته بلادنا من نقاش واسع حول التقرير السنوي الذي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان CNDH برسم سنة 2019، سيكون من دواعي الفخر والسرور أن أقدم لكم، وجهة نظري الخاصة فيما اطلعت عليه في بعض الجرائد الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، وكذلك على بعض التعليقات التي تتضمن مغالطات ومزايدات مجانية.
فبعدما تتبعت الأصداء الترحيبية الواسعة من متتبعي وشركاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان بهذا التقرير إعمالا لاختصاصاته، خصوصا وانه لم يتم نشر ولو تقرير سنوي ما بين 2011 و2018؛ وبقدر ما قرأت تقرير المجلس باهتمام و ساهمت في المناقشة المستفيضة التي حظي بها خلال الجمعية العامة، أيام 6 و7 و8 مارس الماضي، بقدر ما اطلعت على ردود الفعل التي تلت إصداره، ونقاشات وصلت إلى حد الافتراءات والأكاذيب. ومن منطلق الأمانة والنزاهة، لا بد هنا من الإشارة إلى الاستنتاجات السطحية والمتسرعة و الضعف المنهجي لأصحاب هذه التعليقات، خاصة و أنهم يقدمون أنفسهم “خبراء في مجال حقوق الإنسان”! من دون احترام التقاليد والمرجعيات والمناهج المتعارف عليها في مثل هذه المجالات.
وفي إطار التفاعل المسؤول مع هذه “المنشورات” وتعزيز التواصل العمومي، وتقاسم المعطيات والمؤشرات القياسية والمرجعية ذات الصلة بدعم وترشيد المكتسبات في مجال حقوق الانسان بعيدا عن الضغينة و سوء الفهم الكبير والخلط بين تقارير المؤسسات الوطنية في العالم وتقارير المجلس السابقة، فإن الحديث عن عدم احترام التقاليد المرعية أو المنهجيات الأخرى التي كان على المجلس اعتمادها، هو كلام مردود عليه، حيث كان منن المفيد مثلا تقديم دراسة رصينة لفاعلين آخرين تكون مخالفة لتقديرات المجلس، قبل التسرع في اتهام المجلس، بكونه لم يكن منصفا حين أغفل أو تناسى وضعيات أو قضايا حقوقية معين.
وللتذكير، وكما يعلم الجميع، تعتبر هذه الوثيقة أول تقرير سنوي قام بإصداره المجلس منذ إعادة تنظيمه، حيث لم يسبق له أن أصدر أي تقرير من هذا النوع منذ 2011، باستثناء الوثيقة التي تم تقديمها سنة 2014 عن حصيلة أنشطته أمام البرلمان بموجب الفصل 160 من الدستور، والتي قد لا يتم اعتبارها تقريرا سنويا كما هو منصوص عليه في القانون المنظم للمجلس.
وانطلاقا مما سبق، وتنويرا للرأي العام، ورغبة مني في المساهمة البناءة في النقاش العمومي، أود تقديم ثمانية (8) توضيحات حول بعض النقط اعتمادا على ما يستلزمه النقاش الهادف من موضوعية وتدقيق للمعطيات وتصحيح الجهل بالمساطر المتبعة، دافعي في ذلك هو الموضوعية والنزاهة الفكرية كعضو بالمجلس وكمتتبع للشأن الحقوقي ببلادنا، وكمطلع على ممارسات المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وعلى المنظومة الدولية لحقوق الإنسان.
أولا: سياق نشر التقرير
اعتبرت بعض هذه التعليقات أن ظرفية نشر التقرير السنوي غير مواتية.
إن ما يغفله أصحاب هذه التعليقات، أو يجهلونه أو يتجاهلونه، أن التقرير كانت قد تمت المصادقة عليه في أوائل مارس 2020، من قبل الجمعية العامة للمجلس في دورتها الثانية المنعقدة بين 6 و8 مارس 2020، كما جاء ذلك في بلاغ منشور على موقع المجلس بعد انتهاء أشغالها، حيث أوضح هذا البلاغ أن التقرير السنوي “صادق عليه أعضاء الجمعية العامة بالإجماع (سيرجئ نشره إلى حين إدخال التعديلات المقترحة من قبل السادة الأعضاء”. إذن، خلال الفترة التي تلت هذا البلاغ حتى تاريخ إطلاع العموم عليه (17 أبريل 2020)، من المسلم به أن نفهم أن التقرير قد مر بعدة محطات، أولها إدخال التعديلات التي اقترحها أعضاء الجمعية العامة، على مستوى الشكل والمضمون، وثانيها، تقديمه إلى الجهات المعنية ثم إطلاع العموم عليه وفقا لما هو منصوص عليه في القانون.
ومن جهة اخرى، يجب التأكيد على أن إصدار التقرير “السنوي”، ينبغي أن يحترم هذه الوتيرة السنوية المنتظمة المنصوص عليها قانونا. كما أن المجلس مساءل بشأن هذه الوتيرة أمام اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، حيث يعد احترام هذه الوتيرة السنوية من بين المؤشرات التي تعتمدها هذه اللجنة الدولية لتقييم مدى فعالية المؤسسة الوطنية وامتثالها لمبادئ باريس للأمم المتحدة الناظمة لعمل هذه المؤسسات. وتعتبر اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد أنه “من الصعب تقييم فعالية المؤسسة الوطنية وامتثالها لمبادئ باريس في غياب تقرير سنوي”. إضافة إلى ذلك، لا أحد يعلم متى تنتهي الظرفية الحالية المتعلقة بوباء “فيروس كرونا”، ولا يمكن رهن عمل أساسي للمؤسسة بهذه الظرفية، خاصة أن المؤسسات العمومية مستمرة في أداء مهامها.
ثانيا: الإطار القانوني للتقرير
تمت الإشارة إلى أن التقرير السنوي للمجلس لم يشر للمادة 35 من القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس.
والحقيقة أن الفقرة 3 من الصفحة 5 تشير إلى ذلك، حيث ورد فيها ما يلي: “يأتي تقرير سنة 2019 إعمالا للقانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان…”، وهي إشارة شاملة لسياق التقرير، حيث لا تقتصر فقط على المادة 35 المتعلقة بمسطرة تقديم التقرير السنوي إلى الجهات المعنية ونشره في الجريدة الرسمية، وإنما كذلك كافة المواد الأخرى المتعلقة بالتقرير السنوي المنصوص عليها في القانون، كما تحيل على المقتضيات المرتبطة بصلاحيات المجلس في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. وهذا يدل على تسرع أصحاب هذه التعليقات في إصدار أحكام جاهزة لا علاقة لها بالعمل الجاد حول وضعية حقوق الانسان.
ثالثا: النقطة المتعلقة بعدم احترام مسطرة رفع التقارير وتوجيهها إلى الجهة المختصة
زعمت هذه التعليقات عدم احترام المجلس لمسطرة رفع التقارير وتوجيهها إلى الجهة المختصة، حيث ادعت أن التقرير وجه للعموم أولا دون مراعاة المسطرة المنصوص عليها في القانون.
والصواب أن الفقرة الأخيرة من الصفحة 8 واضحة وأشارت إلى مضامين المادة 35، بخصوص الجهات التي سيقدم لها التقرير. إضافة إلى ذلك، يحق لنا أن نتساءل هل فعلا يمكن لرئيسة المجلس أن تخرق مسطرة قانونية؟ كما أنه من حقنا أن نتساءل كيف لأصحاب التعليقات أن يجزموا بأن رئيسة المجلس لم تفعل ذلك؟ هل يتوفرون على إثباتات حول ما ادعوه من خرق للقانون والأعراف المرعية ؟
إن إعمال المنطق يفترض أن رئيسة المجلس قد قدمت فعلا التقرير السنوي على النحو المنصوص عليه في المادة 35. وتنويرا للرأي العام، أؤكد كعضو في المجلس أنه تم فعلا احترام المسطرة المنصوص عليها في هذه المادة.
مسألة أخرى أغفلها أصحاب التعليقات بسبب تسرعهم في الوصول إلى خلاصات سلبية حول التقرير، هو أن تاريخ اعتماد التقرير هو مارس 2020، كما هو مشار إليه في صفحة الغلاف، أي أن الزمن المرجعي للسرد هو تاريخ انعقاد الجمعية العامة للمجلس من 6-8 مارس 2020، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. ولغويا، من الطبيعي استعمال المضارع لحظة كتابة الفقرة المتعلقة بمسطرة تقديم التقرير للجهات المعنية قبل إطلاع العموم عليه، حيث تتطرق الفقرة الأخيرة من الصفحة 8 لهذه المسطرة: “وسيرفع هذا التقرير إلى نظر جلالة الملك، كام ستوجه نسخة منه إلى رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان، وسيعمل المجلس على نشره وإطلاع العموم عليه. كما سيقدم، في وقت لاحق، تقرير عن أعمال المجلس، سيكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان. “
رابعا: النقطة المتعلقة بالخلط بين حالة حقوق الانسان وحصيلة عمل المجلس
ادعى أصحاب التعليقات بأن التقرير يخلط بين حالة حقوق الانسان وحصيلة عمل المجلس، وبأنه تم تهميش بعض القضايا الحقوقية كإصلاح منظومة العدالة والحكامة الأمنية والحقوق البيئية.
وهنا لا بد من توضيح ما يلي:
فمن ناحية، لا توجد هناك معايير دولية تلزم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان باتباع منهجية محددة لإعداد التقارير السنوية، ما عدا توجيهات التحالف العالمي لهذه المؤسسات، والتي تؤكد عكس ما ذهب إليه أصحاب التعليقات، حيث تشير إلى ما ينبغي أن تتضمنه التقارير السنوية لهذه المؤسسات، وخاصة التطورات الرئيسية التي تطرأ على “حالة حقوق الإنسان في البلاد” و”الأنشطة التي تضطلع بها المؤسسة الوطنية”، مع تضمين آراءها وتوصياتها ومقترحاتها لمعالجة كل قضايا حقوق الإنسان المثيرة للقلق، وهو ما تضمنه فعلا تقرير المجلس. وهذا الربط بين حالة حقوق الإنسان وما أنجزته المؤسسة الوطنية، هو ما يسمح بقياس فعالية المؤسسة الوطنية بالنسبة للتحالف العالمي. فما ادعاه أصحاب التعليقات هو من نسج خيالهم، ولا يستند إلى أي أساس معمول به على مستوى إعداد تقارير المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن الوصول إلى تقييم لحالة حقوق الإنسان دون توثيق الأعمال والأنشطة التي تجعل المؤسسة فعلا تقف على وضع حقوق الإنسان بالبلاد، انطلاقا مما تقوم به من رصد وتحري وتحقيقات ودراسات وزيارات وملاحظات ومعاينات….
كما أن ادعاء أصحاب التعليقات بتهميش قضايا مهمة في التقرير، كإصلاح منظومة العدالة والحكامة الأمنية والحقوق البيئية، هو جهلهم بما ورد في التقرير أصلا، وتبخيس مضامينه مع كامل الأسف. وبالرجوع إلى التقرير، نجد أن هناك توصيات مهمة تتعلق بتعزيز منظومة العدالة، وردت في المحور المتعلق بالمحاكمة العادلة (الصفحة 29)، أما الحقوق البيئية، فقد خُصص لها محور كامل (الصفحة 49) تخلله التطرق لموضوع التغيرات المناخية وأثرها على التمتع بحقوق الإنسان، وأنه على عكس الهفوات التي سقط فيها أصحاب التعليقات، تم التذكير فعلا بقمة المناخ المنظمة ببلادنا سنة 2016 والدينامية الإيجابية التي خلقتها خاصة على مستوى المجتمع المدني، في الفقرة 209. أما الحكامة الأمنية، فقد وردت بخصوصها توصية رقم 30، في الصفحة 81، وهي جزء من التوصيات العامة التي يرى المجلس أنها أساسية ومهيكلة، وكذلك توصية أخرى تتعلق بالتنصيص على إخضاع عملية استعمال القوة لمراقبة النيابة العامة.
وهذه مغالطة أخرى، أراد أصحاب التعليقات تمريرها، ولربما كان يجدر بهم فقط القراءة المتأنية.
خامسا: النقطة المتعلقة بالتقرير السنوي للآليات
بخصوص التقرير السنوي للآليات الثلاث وحصيلة أنشطتها، فإنه ينبغي تذكير أصحاب التعليقات أن هذه الآليات بدأت عملها فعليا بعد تنصيبها في نهاية شتنبر 2019، وبالتالي فإنه من الناحية المنطقية لا يمكنها أن تعد تقريرا سنويا خلال الفترة المتبقية من سنة 2019 البالغ مدتها ثلاثة أشهر، وأن ما أشير إليه في التقرير السنوي في المحور السابع (الصفحة 75) يحيل على حصيلة أنشطة هذه الآلية أو أنشطة المجلس المتعلقة.
سادسا: النقطة المتعلقة بالخلط بين مهام الحماية والنهوض
بخصوص النقطة المتعلقة بالخلط بين الحماية والنهوض في التقرير السنوي، وجب التذكير بأن مبادئ باريس لم تفصل في المهام التي تدخل في إطار الحماية وتلك التي تندرج ضمن النهوض بحقوق الإنسان، بل نصت على ذلك بشكل عام. وبالعودة إلى اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد، وهي الهيئة الدولية الوحيدة المخول لها تفسير مبادئ باريس والتي يشغل المجلس منصب عضو فيها ممثلا لإفريقيا، فإنها ترى أن “التعزيز” أي النهوض يمكن أن يشمل الوظائف المتعلقة بالتربية والتدريب والمشورة والتواصل العام والمناصرة أي الترافع، بينما يمكن أن تشمل وظائف “الحماية” رصد انتهاكات حقوق الإنسان والتقصي والتحقيق فيها وإعداد التقارير بشأنها، ويمكن أن تشمل معالجة الشكاوى الفردية. والملاحظ هنا أن اللجنة الفرعية تستعمل فعل يدل على “الإمكانية” وليس “الجزم”، وهو ما يحيل على إمكانية التداخل والترابط بين المهمتين.
ورجوعا إلى ما ورد في هذه التعليقات بشأن الخلط بين الحماية والنهوض والأمثلة الواردة فيها، فإذا سلمنا بأن كل أشكال الترافع يمكن أن تندرج في إطار النهوض، فالمسألة تختلف عندما يتعلق الأمر بالترافع من أجل اعتماد قوانين أو تعديل بعض مقتضياتها أو إلغائها بغرض ملاءمتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فهنا تكون الوسيلة هي الترافع من أجل تحقيق هدف حمائي وليس النهوض، وينطبق هذا أساسا على الآراء الاستشارية والمذكرات التي تقدمها المؤسسات الوطنية للبرلمان وتترافع من أجل أخذها بعين الاعتبار. وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد تعتبر أن العمل على ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، من صميم المهام الحمائية، وتمنح درجة الاعتماد “ألف” لمؤسسات وطنية عتيدة تتمثل مهامها الحمائية أساسا في العمل على الملاءمة، وليس معالجة الشكايات ولا زيارة أماكن الحرمان من الحرية ولا الوساطة.
كما ذهبت التعليقات إلى أن محور النهوض لم يتجاوز فصلا واحدا ونقطتين موزعتين على ثلاث صفحات و21 فقرة. وبالرجوع إلى مضامين التقرير، يتضح أن المجلس اعتمد منهجية تم من خلالها تقسيم “مهام النهوض” إلى عدة محاور، حيث اختار كعنوان محور “النهوض بثقافة حقوق الإنسان” وليس “النهوض بحقوق الإنسان”. ورفعا للبس، فإن المحاور المتعلقة بالإعلام وحقوق الإنسان والتعاون والعلاقة الدولية والعلاقة مع المؤسسة التشريعية هي كلها محاور تغلب فيها المهام أو الصلاحيات المتعلقة بالنهوض، وهو ما يجعل عدد الصفحات المخصصة لهذا المحور يزيد عن 20 صفحة.
سابعا: قضايا موضوعاتية
تطرقت بعض التعليقات لقضايا موضوعاتية لم يشر إليها التقريرالسنوي، ومنها احتجاجات الحسيمة التي كانت موضوع تقرير خاص في حوالي 400 صفحة بكل تفاصيلها، بما فيها ملاحظة المحاكمات التي انتهت مرحلتها الاستئنافية سنة 2019 وتمت الإحالة عليه في التقرير السنوي، الذي قدم الحالات الفردية لمعتقلين على خلفية هذه الاحتجاجات ضمن متابعته لأوضاعهم خلال 2019 باعتبارها السنة المرجعية للتقرير. أما بخصوص حريات الجمعيات، فقد سجل التقرير 671 حالة انتهاك ذات الصلة بالحقوق المدنية والسياسية وقدم عددا من الأمثلة وتوصيات واضحة للسلطات العمومية لحماية الحقوق المدنية والسياسية، لكنه لم يشر للحالات التي وقعت سنة 2018 لكونها لا تدخل ضمن السنة المرجعية لهذا التقرير.
وأتأسف شخصيا بأن المجلس لم يقدم تقاريره السنوية خلال المدة بين 2011 و2018، حيث كان من الممكن أن تتطرق هذه التقارير لقضايا هؤلاء الفاعلين.
ثامنا: بخصوص التوصيات ومبادئ بلغراد
بخصوص ما ورد في التعليقات بشأن التوصيات، اطلعت على جميع التوصيات البالغ عددها 125 توصية موضوعاتية و30 توصية عامة، رأى المجلس أنها مهيكلة وضرورية لتعزيز منظومة حماية حقوق الإنسان.
فإنه من الضروري الإشارة إلى التوصيات التي ترتبط بقضايا مثيرة للقلق، لأن تفعيلها يساهم في تحسين واقع حقوق الإنسان، لذلك لا يمكن لمؤسسة حقوقية تتابع أوضاع حقوق الإنسان ألا تثيرها، وخاصة تلك التي لم يتم تفعيلها وسبق أن وجهت إلى السلطات المختصة من قبل آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أو المجلس. وإن إعادة التأكيد عليها يتوخى إثارة انتباه السلطات للقضايا التي تعالجها هذه التوصيات وجعلها ضمن الأولويات في برامجها وسياساتها.
كما أوردت بعض التعليقات أنه لم تتم الإشارة في التقرير السنوي لأهم وثيقة مرجعية في مجال الرصد البرلماني وهي إعلان مبادئ “براغ” المتعلقة بعلاقة المؤسسات الوطنية بالبرلمانات.
أولا، لا توجد هناك ” مبادئ براغ” تنظم العلاقات بين البرلمانات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. وتمت الإشارة في الفقرة 233 بشكل صريح إلى المبادئ المؤطرة للعلاقة بين المؤسسات الوطنية والبرلمانات وهي مبادئ بلغراد وليس “براغ” .
وبخصوص النقطة المتعلقة بعدم التطرق لعمل الإدارة العامة للأمن الوطني، فالمجلس وجه توصياته للسلطات العمومية، وخاصة الحكومة، باعتبارها الجهاز التنفيذي للدولة المسؤول عن المهام الثلاث في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهي احترام حقوق الإنسان، وحمايتها، والوفاء بالالتزامات المرتبطة بها. وقد تم توجيه توصيات تهم الإدارة الأمنية بصفتها جهة ساهرة على إنفاذ القانون بأماكن الحراسة النظرية، بالإضافة إلى توجيه توصيات إلى رئاسة النيابة العامة بصفتها الجهة المشرفة والرقابية على الضابطة القضائية. وتوصيته المتعلقة بأماكن الحراسة النظرية، وهي توصيات استخلصها المجلس في سياق الرصد وملاحظة المحاكمات ومعالجة الشكايات…
وبخصوص الادعاء بغياب الإحالات على الاتفاقيات الدولية والتوصيات الأممية وأيضا الدستور والقوانين الوطنية، فإن ذات التقرير يستند في توصياته على المعايير الدولية والإقليمية والمقتضيات الدستورية والقوانين الوطنية، ويمكن الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى المحور المتعلق بعقوبة الإعدام (ص. 12)؛ ومنع التعذيب (ص. 16)؛ الحق في التظاهر والتجمع ( ص. 25)؛ وحرية الجمعيات ( ص. 25)؛ وحرية الرأي والتعبير ( ص. 27)؛ والحق في الحياة الخاصة (ص.28)، وملاحظة المحاكمات (ص.30) وجميع الحقوق المتعلقة بالطفل ونزلاء المؤسسات السجنية والأشخاص المسنين والمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء والمحور المتعلق بالتعاون الدولي والمحور المتعلق بالعلاقة مع البرلمان…
خاتمة:
إن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان برسم سنة 2019 عالج بلغة معيارية كافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وحتى القضايا الناشئة من قبيل التغيرات المناخية والأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وقد تم إعداد هذا التقرير انطلاقا مما توفر لدى المجلس من معلومات موثوقة، ووفقا للمعايير وأساليب عمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان التي يوصي بها التحالف العالمي لهذه المؤسسات.
كما أنه تضمن توصيات قوية ومهيكلة توخت تعزيز الممارسة الاتفاقية لبلادنا والإطار التشريعي والمؤسساتي والسياسات العمومية والبرامج والممارسات. كما أن هذه التوصيات هي ضرورية لتعزيز منظومة حماية حقوق الإنسان ببلادننا، وأساسية للمساهمة في بناء دولة الحق والقانون.
اخيرا، أدعو الجميع إلى قراءة التقرير قراءة متأنية، لأنه في نظري يتضمن خارطة طريق للمستقبل. وكما جاء في كلمة السيدة رئيسة المجلس “ينشر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان في بلادنا باعتباره فرصة لجميع الفاعلين للتوقف لتقييم، بما يكفي من مسافة وتبصر، اللحظات القوية التي طبعت القضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان في المغرب خلال سنة. ويتمثل أحد أهداف هذا التقرير في تقديم مجموعة من المعلومات الموثوقة والمحققة للقارئ(ة)، ومن ثمة الحكم على مدى التقدم الذي أحرزته بلادنا في مجال حقوق الإنسان، وتشخيص الأسباب التي تقف وراء التعثرات والفجوات والإخفاقات”.
*أستاذ باحث في علم الاجتماع بجامعة مولاي إسماعيل- مكناس، وفاعل حقوقي وناشط مدني
تعليقات الزوار ( 0 )