Share
  • Link copied

تمغربيت أم تصهيونيت؟!

أظن أن الجميع مطالب بقراءة الرسالة الملكية الموجهة لأكاديمية المملكة المغربية بتمعن شديد، خاصة الفقرات المرتبطة منها بالحرص على حضور المغرب -كالعادة- في الساحة الدولية بحكم دوره التاريخي كملتقى للثقافات والحضارات..

إن المشكل المزمن لكثير من النخب المعطوبة في مغرب اليوم، تتمثل أساسا وتحديدا، في أن “تضخم الأنا” المفرط، يتقاطع مع جهل مطبق بهوية وتاريخ وثقافة وعراقة المغرب.

إن الوطنية من المصطلحات التي يدرك الجميع معناها لكن يصعب تعريفها.. مثل التصوف الذي ناهزت تعاريفه الألفين دون ان ينجح اي منها في التعبير عن مفهومه بشكل دقيق.. وهل الوطنية إلا ضرب من التصوف؟

ولهذا لا يجوز ترجمة “الوطنية” إلى “تمغربيت” التي تفيد -على العموم- الانغلاق وحبس النفس في قفص اسمه الوطن.. بينما هذا الوطن لم يعتبر نفسه في أي وقت، قفصا، بل كان دائما بوابة مفتوحة تتشابك علاقاتها شمالا وجنوبا، وشرقا وغرب كأرض للقاء والحوار والتعايش.. مع قدر كبير من الاعتداد بالنفس والأنفة والندية..

إن جماعة “تمغربيت” كما يفهمونها ويسوقونها، لا ترقى حتى إلى مستوى الشعبوية أو الشوفينية أو الشعوبية، بما أننا أمام طرح يعتقد أن المغرب يمكن حبسه في شرنقة ضيقة، وعزله عن التفاعل مع محيطه القريب والبعيد..

والغريب أن هذه “الموجة” تتمدد كلما استعت أمامها مساحة الجهل بتاريخ المغرب الحضاري، وعلاقاته الدولية العابرة للأزمنة والقارات.. وكلما أصاخت الآذان السمع لهلوساتها.

قبل شهور معدودة عندما نوه وزير الخارجية البريطاني السابق طارق أحمد بالعلاقات المثمرة بين المغرب وبلاده والتي يعود تاريخها إلى أزيد من ثمانية قرون -حسب تعبيره- لم يدرك تجار “تمغربيت” أن هذا التصريح اعتراف صريح بأن الملكية البريطانية العريقة أصغر سنا من نظيرتها المغربية بأربعة قرون، وأن أرشيف المملكة المتحدة يشهد على الندية التي طبعت العلاقات بين البلدين غير المتجاورين، والتي ما كانت لتتحقق لو أن ملوك المغرب المتعاقبون، راهنوا على التقوقع وعلى شعار “تازة قبل غزة”..

ما دفعني لإثارة هذا الموضوع، هو أن “الحالة” تدهورت، والأعراض تفاحشت في الأسابيع القليلة الماضية، حيث أصبحت “تمغربيت” ترادف “تصهيونيت” في كثير من الأحيان، أي أنه ليسلمك هؤلاء شهادة “الوطنية” عليك أن تكون صهيونيا أكثر من الصهاينة أنفسهم.. خاصة في هذه اللحظة الموسومة بإجرام همجي ندد به حتى اليهود في مختلف بلاد الله الديموقراطية.

ولا أخفي أن طوفان الأقصى، كشف أن كثيرا من الأصوات التي تتاجر بـ”تمغربيت” ليست في الواقع سوى أبواق مأجورة أو قابلة للتأجير، ترفع شعار “الوطن أولا” بينما لسان حالها يقول “المصلحة الشخصية أولا وأخيرا”..

ولعل مما يلفت الانتباه، أن كثيرا من هذه الأصوات، التي تدعي السير على هدي الرؤية الملكية في السياسة الدولية، سرعان ما تتماهى، ليس فقط مع سياسات الكيان الصهيوني، بل حتى مع رغبات وتطلعات -وربما طلبات- دويلات لا يتجاوز عمرها نصف قرن..

مظاهر هذا التماهي الذي يرسم أكثر من علامة استفهام حول الأهداف الحقيقية لهؤلاء، تتضح عندما يهاجم هؤلاء دولا كقطر وتركيا.. وأين مصلحة “تمغربيت” في ذلك؟

إذا كان “الصب تفضحه عيونه” كما قال الزجال، فإن تدوينات وتغريدات وفيديوهات هؤلاء تفضحهم..

فعلاقات المغرب مع قطر في الوقت الحاضر قوية بدليل أن المغرب قبل مساعدات هذه الإمارة الصغيرة عقب زلزال الحوز ورفض مساعدات قوى دولية عظمى كفرنسا وأمريكا وألمانيا.. كما أنه كان أول بلد كسر الحصار المفروض عليها من طرف الجيران رغم ما جره عليه ذلك من “سوء فهم” من بعض هؤلاء الجيران..

والعلاقات مع تركيا جيدة أيضا، ولم نسمع ان هناك برودا أو أزمة، مكتومة أو علنية.

 فما مبرر استهداف دول العلاقات معها جيدة وتدعم المغرب في كل قضاياه المصيرية؟

أليست هذه التصرفات إضرارا بمصالح المغرب، التي تدعي جماعات “تمغربيت” الترافع عنها، والحال أن كل ممارساتها توحي بأنها تخدم أجندات جهات ما، وأن هذا الشعار هو مجرد ستار؟

لا أصادر حق أحد في أن يتخذ موقفا ينسجم من قناعاته الشخصية من هذه الدولة أو تلك، لكن ما يثير فعلا، هو أن يحول هؤلاء “الوطن” إلى غطاء لتصريف مواقف تعاكس التوجهات الرسمية المعلنة لهذا “الوطن”..

وآخر نموذج لذلك، موقف المغرب الواضح المندد بالعدوان الصهيوني الأخير، بينما يصر هؤلاء على التماهي -في هذا الملف تحديدا- مع تطلعات كيانات لا وجود لها في التاريخ، وبالكاد لها وجود في الجغرافيا.. بل لا تتحرك فيهم ذرة تعاطف وهم يشاهدون التوحش غير المسبوق وكأن “تمغربيتهم” تعاكس أبسط مظاهر الإنسانية..

لحسن الحظ أن التاريخ يسجِّل كي لا يَنسى ولا يُنىسى.. وسيأتي الوقت الذي يضع كل واحد في الخانة التي تليق به.

Share
  • Link copied
المقال التالي