Share
  • Link copied

تكفير الشيعة في أدبيات أهل السنة

عرفت الأمة الإسلامية انقسامات واصطفافات منذ مراحلها الجنينية، وكانت تلك الاختلافات ــ في الأصل ــ سياسيةً، وبما أن السياسة غير منفصلة عن الدين، فقد أخذت تلك الاختلافات لبوسا دينيا من حيث التأصيل، ثم تطور ذلك في التنزيل، فتولدت إثر ذلك طوائف سياسية كبرى، فكان أهل السنة والشيعة وغيرهم، ولكل طائفة اختلافات داخلية سميت مذاهب فقهية أو كلامية.

ومن مذاهب الشيعة نجد الزيدية، وهم المعبر عنهم في أدبياتنا السنية بأنهم أقرب المذاهب إلينا، ومنهم الإمامية أو الجعفرية أو الاثناعشرية، وهم المعبر عنهم في أدبياتنا بأنهم أبعد الشيعة عن أهل السنة.

ورغم إقرار علماء السنة بهذه الأبعدية، إلا أنهم يقرون بإسلامهم، ويعدونهم ضمن الطوائف الإسلامية، وأنهم من أهل القبلة الذين اجتهدوا ولم يمرقوا من الملة، لذلك كان العلماء يكثرون من حكاية أقوالهم في الخلاف، ولو كانوا كفارا لما التفتوا إليهم ولما طرزوا كتبهم بأقاويلهم ومذاهبهم.

ومما يؤسف له، أن الأدبيات المعاصرة تطغى عليها صبغة التكفير للمخالف الشيعي، وبعد رصد وتتبع أصحاب هذا الهوى التكفيري، وجدناه على قسمين، أولهما: كل السلفيين من دون استثناء، وثانيهما: كثير من الأشاعرة. لهذا الاعتبار، سأقف عند رمزين من رموز هذين التيارين، وهما الفخر الرازي الأشعري وابن قيم الجوزية السلفي، وسأعرج على علماء السنة المعاصرين لأبين بالملموس أن تكفير القوم لم يكن في عصر العلم، بل هو من صميم عصر الإيديولوجيا.

بالنسبة للفخر الرازي، فإن المطالع لكتبه في الكلام والأصول والتفسير يجده مكثرا من ذكر أقوال الشيعة في الخلاف، سواء في المحصول (الأصول) أو في معالم أصول الدين (الكلام) أو في مفاتيح الغيب (التفسير)، وأحيانا يذكر خلافهم بالجملة وينسبه إلى عموم الشيعة، وأحيانا يقيد، فينسب الأقوال إلى الإمامية بالخصوص، أو إلى الشريف المرتضى أو الطوسي أو الشيخ المفيد من أئمتهم على وجه أخص، قال الرازي في المحصول: “وأما الإمامية فالإخباريون له منهم، مع أن كثرة ‌الشيعة في قديم الزمان ما كانت إلا منهم، فهم لا يعولون في أصول الدين فضلا عن فروعه إلا على الأخبار التي يروونها عن أئمتهم، وأما الأصوليون فأبو جعفر الطوسي وافقنا على ذلك، فلم يبق ممن ينكر العلم هذا إلا المرتضى مع قليل من أتباعه”، وهنا يميز في مبحث الإجماع بين إخباريي الإمامية وأصولييهم، ويورد آراء الطوسي والمرتضى من أئمتهم.

أما ابن القيم فرغم سلفيته المتشددة، وانتسابه إلى ابن تيمية خصم ابن المطهر الحلي، فإنه قال كلاما يمكن أن يكتب بماء الذهب، قال رحمه الله: “وهب أن مكابرًا كذَّبهم كلَّهم، وقال: قد تواطؤوا على الكذب عن أهل البيت. ففي القوم فقهاءُ وأصحاب علمٍ ونظرٍ في اجتهاد، وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة، فلا يُوجِب ذلك الحكمَ عليهم كلِّهم بالكذب والجهل، وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة، وحملوا حديثهم، واحتج به المسلمون، ولم يزل الفقهاء يَنقُلون خلافهم ويبحثون معهم، والقوم وإن أخطؤوا في بعض المواضع لم يلزم من ذلك أن يكون جميع ما قالوه خطأً حتى يُردَّ عليهم. هذا لو انفردوا بذلك عن الأُمة، فكيف وقد وافقوا في قولهم من قد حكينا قولهم وغيره ممَّن لم نقف على قوله”.

فإذا كان ابن القيم وقبله الرازي على علم بما سطره الشيعة وأثّلوه، وقد علموا ذلك بالمطالعة والمخالطة، فلماذا لم يكفروهم جملةً ويريحون عامة الناس منذئذ؟

وإذا اعتبرنا أن الرجلين رمزان من رموز الأشعرية والسلفية، فإننا قد لا نبالغ إن قلنا بأن إجماع أهل السنة في عصر ما قبل الإيديولوجيا قد تحقق على عدم تكفير الإمامية.

وسنقفز من المتقدمين إلى المعاصرين، لنرى كيف تعامل علماء أهل السنة ورموز الحركة الإسلامية السنية مع الإمامية على وجه الخصوص.

أول هؤلاء هو الإمام محمد زاهد الكوثري الذي لا يماري أحد في تسننه وحنفيته، وأنه من كبار العلماء، فإنه كان على معرفة بالصراع السني الشيعي من خلال علاقته بالأحناف وصراعهم مع شيعة الهند حينذاك التي كانت تضم باكستان، ومعروف أن شيعة تلك المناطق أكثر تطرفا وتعصبا، ولما تحدث عنهم وبيّن أغاليطهم، ذكر أن الأصل فيهم وفي أهل السنة “أنهم إخوان، يقوون بالتآخي والتصافي، ويذلون بالتناحر والتجافي، إلى أن يصبحوا لقمة سائغة في حلق المغتصب الماكر”، وهذا نص جلي في تقرير أخوتهم الأصلية، يقول هذا ويقرره رغم اعترافه بما عندهم من “شواذ مسائلهم البشعة”، ورغم هذا الشذوذ وهذه البشاعة، فإنه لم يتردد في وصف الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطا وهو من كبار علماء الإمامية في عصره بـ”العلامة الأكبر”.

وثاني علماء أهل السنة المعاصرين هو الشيخ محمود شلتوت الذي تولى مشيخة الأزهر، وفتواه بجواز التدين والتمذهب بالمذهب الجعفري أشهر من نار على علم.

وثالث هؤلاء الشيخ عبد الحليم محمود، وهو شيخ الأزهر، فإنه صرح بأن الأزهر لا يحمل إلى إخواننا الإمامية وإلى إخواننا الزيدية إلا كل ودّ.

ورابع هذه الكوكبة شيخً آخر من شيوخ الأزهر، وهو الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، ورأيه متضمن في كلام الشيخ الأزهري الدكتور محمد الميسر الذي نشره في جريدة اللواء الإسلامي، أُورِده كاملا لأهميته، قال رحمه الله: “إن أحكام التكفير على الشيعة بإطلاق، قولً يبرأُ منه العلم والدين، والطوائف الغالية ليست من الشيعة ولا من السنة، وفي أحد مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، حاول البعض إصدار أحكام التكفير على الفكر الشيعي والحكام الإيرانيين، لكن الإمام الراحل الشيخ جاد الحق علي جاد الحق وقف شامخا يرفض التكفير، وطالت جلسات صياغة البيان الختامي، وأصرّ الشيخ رحمه الله على موقفه، فصدر البيان الختامي يدين فكرة ولاية الفقيه ولا يكفر أحدا”.

وخامس هؤلاء الأعلام المعاصرين غير التكفيريين هو شيخ الأزهر الحالي، الذي وقف بشموخ بدولة البحرين سنة 2022، رغم حمأة الصراع المذهبي والطائفي المدعوم من قبل المخابرات العالمية، ووجه نداءه الصريح الواضح قائلا: “إلى علماء الدين الإسلامي في العالم كله، على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم، إلى المسارعة بعقد حوار إسلامي إسلامي من أجل إقرار الوحدة والتقارب والتعارف، حوار من أجل الأخوة الدينية والإنسانية، تُنبَذ فيه أسباب الفرقة والفتنة والنزاع الطائفي على وجه الخصوص، وهذه الدعوة إذ أتوجه بها إلى إخوتنا من المسلمين الشيعة، فإنني على استعداد، ومعي كبار علماء الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، لعقد مثل هذا الاجتماع بقلوب مفتوحة وأيد ممدودة للجلوس معا على مائدة واحدة لتجاوز صفحة الماضي”، ولنا أن نركز على عبارته الذهبية: “إخوتنا من المسلمين الشيعة”.

دار التقريب:

في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، كانت لبعض الشيعة زيارات وحوارات مع علماء مصر، وقد أثمر ذلك إنشاء دار التقريب، وقد انتظم فيها ونال عضويتها ثلة من علماء أهل السنة (منهم من تحمل مسؤولية مشيخة الأزهر)، مثل الشيخ محمد مصطفى المراغي ومصطفى عبد الرازق وعبد المجيد سليم ومحمود شلتوت والحاج أمين الحسيني من فلسطين والإمام حسن البنا، وكان معهم من الشيعة ثلة من الأعلام كمحمد تقي القمي ومحمد حسين آل كاشف الغطا ومحمد جواد مغنية وحسين البروجردي، وعرفت دار التقريب نشاطا دؤوبا من حيث اللقاءات العلمية المنعقدة، ومن حيث إصدار مجلة دورية، وبقيت على هذه الحال إلى أن توقفت سنة 1979 بأمر رئاسي من محمد أنور السادات، وذلك بعيد الثورة الإيرانية التي قادها الإمام الخميني، مع التذكير بأن السادات كانت تربطه علاقة قوية جدا بالشاه، وهو أول من استضافه بمصر بعد خلعه.

وهنا نطرح السؤال، والسؤال هو الدواء، لماذا بقيت هذه الدار أكثر من ثلاثة عقود دون مشاكل تُذكر؟ ولماذا أوقفها السادات بعد الثورة وليس قبلها؟ وهل الموقف علمي ديني شرعي أم سياسي محض؟

الحركيون السنة:

عطفا على علماء السنة المذكورين أعلاه، فإن قيادات الحركة الإسلامية السنية لم تشذ عنهم، بل كانت تعترف بالأخوة السنية الشيعية ولا تميل إلى التكفير أبدا، بل لا تفكر فيه، وعيا منها بأنه خطأ محض، وأنه شرود وشذوذ.

وأول هؤلاء إمامهم الأكبر الشهيد حسن البنا قدس الله روحه ورضي عنه، فإنه كان عضوا في دار التقريب المشار إليها أعلاه، وكانت له لقاءات مع آية الله الكاشاني في أحد مواسم الحج، وكان لا يحيد عن خطابه التوحيدي الجامع، فيصرح بأن أهل السنة والشيعة إلههم واحد ونبيهم واحد وقرآنهم واحد، إلى آخر ما يدل على الوحدة وينبذ الفرقة.

وعلاقة بالأمام الشهيد السعيد، نجد تلميذته الوفية، أيقونة الحركة الإسلامية النسائية، زينب الغزالي رحمها الله، فإنها لم تتردد في اعتبار الجعفرية والزيدية مذاهب إسلامية مثل المذاهب الأربعة، وذكرت أنها كانت تجتمع في دار التقريب قبل ثورة 1952 المشار إليها، وأنها كانت تشارك في فعالياتها بمباركة من الإمام حسن البنا رحمه الله.

وفي لبنان الذي يعرف أحيانا صراعات سياسية ذات لبوس طائفي، كان الزعيم السني فتحي يكن لا يتردد في إعلان علاقته بالشيعة اللبنانيين والاجتماع بهم ومعهم على مائدة الوطن، وإن أنسى فلن أنسى إمامته ذات صلاة جمعة بالشيعة في الحراك السياسي المشتعل شتاء 2006 ضد حكومة فؤاد السنيورة، وهي الإمامة ذات البعد الوحدوي والحضاري، حيث أمّ شيخ سني بجمهور مختلط من المسلمين أغلبه من الشيعة الإمامية.

وقريبا من لبنان، نجد القائد الفلسطيني الشهيد فتحي الشقاقي، والذي يغنينا ذكر عنوان كتابه عن الدخول إلى التفاصيل، وهو المطبوع بعنوان: “السنة والشيعة، ضجة مفتعلة ومؤسفة”.

وعودة إلى مصر العصر الحديث، ففي 2006 حيث كان حزب الله يقود حربا ضارية ضد عدو الأمة المتمثل في الكيان الصهيوني وداعميه من العرب والعجم، في هذا السياق، وفي حمأة إيقاد الفتنة الطائفية تفتيتا للأمة وتمزيقا لها، صرح المرشد العام للإخوان المسلمين الشهيد محمد مهدي عاكف رحمه الله أنه مستعد لإرسال عشرة آلاف مجاهد إلى لبنان للقتال إلى جانب حزب الله، هذا التصريح المعاكس للتيار العالمي العام والمتعالي على العقلية الطائفية، لم يكن ليمر دون آثار، لذا اجتهدت وسائل الإعلام في اختلاق أخبار مفادها وقوع انقسام في قيادة الإخوان حول تصريح مرشدهم، فخرج رحمه الله للتوضيح والبيان، فقال في تصريح آخر: “موقفي من حزب الله يرضي الله، وهو موقف كريم ومشرف، وقد أشاد به الإخوان جميعا، ولا أستثني منهم أحدا”.

ولا يمكن إغفال موقف الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، فإنه في الوقت الذي كان العالم يوقد الفتنة الطائفية في بواكيرها الأولى تزامنا مع الثورة الخمينية التي يراد وأدها، لم يتردد في معاكسة التيار والتعبير عن الشيعة بأنهم إخوة، رغم تحفظاته على مشربهم العقدي، وعلى بعض ممارساتهم السياسية (اقتحام السفارة الأمريكية).

السياسة أولا … السياسة أخيرا.

أشرنا سابقا إلى توقيف دار التقريب بقرار من أنور السادات صديق الشاه وصديق أمريكا وصديق إسرائيل، وهو قرار سياسي محض، لأن عصر ما بعد الثورة الإيرانية ليس عصر التقريب.

كما أشرنا إلى أن بعض العلماء كانوا يصرون على تضمين بيان مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية لتكفير الشيعة، وهو ما رفضه الشيخ جاد الحق رحمه الله، وهنا نحن بحاجة إلى التوضيح، لأنه قد يقول: إن كان جاد الحق ضد تكفيرهم، فهناك علماء آخرون مع تكفيرهم، والمسألة في المحصلة خلافية.

ووجه الحق هنا، أن القضية ليست خلافية فقهية عقدية علمية شرعية، بل هي خلافية سياسية، لأن صدام حسين استخدم علماء الأمة واستثمرهم أحسن استثمار في حربه مع إيران، وممن استخدمهم واستقدمهم للقيام بهذه المهام الشيخ عبد المنعم النمر، وكان وزير الأوقاف بمصر، وعضوا في مجمع البحوث الإسلامية، ولا أستبعد أن يكون هو من تزعم حملة التكفير وتضمينها في البيان، وبعد أن وقف جاد الحق بكل قوة ضد هذا الانحراف، لم يخرج تيار صدام حسين بخفي حنين، لذلك ضمنوا البيان موقفهم السلبي من ولاية الفقيه دون ذكر التكفير، وإذا كان العلماء مقتنعين بتكفير الشيعة، فلماذا لم يثيروا ذلك في مقررات مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية المنعقدة قبل 1979؟

وللإشارة، فالشيخ جاد الحق ليس موافقا للشيعة الإمامية، بل له موقف سلبي منهم، أسسه على ما أسماه أصولا لهم، وذكر منها قولهم بتحريف القرآن، وأن الجهاد غير مشروع لغيبة الإمام، وأن الشهيد لا يكون إلا شيعيا، وأن هذه الأصول تترتب عنها مجموعة من الفروع، منها عدم اهتمامهم بحفظ القرآن انتظارا لمصحف الإمام، إلى آخر ما ذكر.
ورغم هذا الموقف، فإنه بوعيه الحضاري وبعمق نظره، وبناء على مسؤوليته، لم يسارع إلى تبني التكفير أبدا.

مناقشة جاد الحق:

لا جرم أن عدم الانجرار نحو التكفير يعد حسنة من حسنات شيخ الأزهر الإمام جاد الحق رحمه الله، لكن أقواله وما نسبه إلى الشيعة وعدّها من أصولهم ليس صويبا، إذ القوم لا يقولون بتحريف القرآن حسبما هو مقرر عند أئمتهم المعتبرين عبر القرون، وحتى الإخباري المتأخر الذي ألف كتابه الموسوم بفصل الخطاب في إثبات تحريف كلام رب الأرباب، لم يكن مُتبنى من قبل الشيعة، بل نبذوه نبذا في سامراء، وأشبعوه سبا وشتما، وردّ عليه علماء الشيعة في مصنفاتهم، بل منهم من أفرده بالتأليف، ما فرض عليه العزلة عن المجتمع.

أما كونهم لا يهتمون بحفظ القرآن انتظارا لمصحف الإمام فالواقع يرده، وها هم حفظتهم يظهرون في وسائل الإعلام، وها هي مسابقاتهم في حفظه وتجويده يحج إليها المقرئون من كل حدب وصوب.
أما ادعاء كونهم لا يقولون بمشروعية الجهاد، فواقعهم أبلغ في الرد.

وأما قولهم بأن الشهيد لا يكون إلا من الشيعة، فلا حظ له من الصواب، وها هم يصفون في أدبياتهم وإعلامهم أحمد ياسين وفتحي الشقاقي وعبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل هنية وغيرهم من أهل السنة بأنهم شهداء، فهل يحق لنا أن نصدق ما قاله الشيخ جاد الحق؟

نعم، قد يقول قائل بأن من مبادئ السلفية أن الشهيد لا يكون إلا سلفيا، لكان مصيبا، وها نحن نرى من يرفض وصف إسماعيل هنية السني بالشهيد، أما التشدد في رفض وصف حسن نصر الله بالشهيد فلا تخطئه العين.

على سبيل الختم:

بعد هذا السرد الذي حاولنا من خلاله جرد مجموعة من آراء علماء أهل السنة ورموزهم قديما وحديثا، إضافة إلى رموزهم الحركية، يتبين لنا أن القول بتكفير الشيعة الإمامية ليس قولا علميا وليس موقفا شرعيا، بقدر ما هو موقف إيديولوجي، نجد نواته الأولى عند الوهابية الذين لا يترددون في تكفير الشيعة ولا يراعون فيهم حقوق المواطنة، وهذا الموقف الفقهي الشاذ تبناه كثير من المشتغلين بالعلوم الشرعية بعد ثورة الخميني تأثرا بالتحول السياسي الذي وقع في المنطقة، وبدعم من البترودولار الذي أحدث انحرافا في عقول كثير من الشيوخ، فالعلماء والفقهاء الذين استيقظوا على تكفير الشيعة في عهد الخميني لم يُسمع لهم أثر في تكفيرهم قبل ثورته، وكأن التشيع غير التشيع، والأمر مرتبط بالآفة العظمى التي نعاني منها، وهي عدم استقلالية العلماء، فالعلماء المرتبطون بصدام حسين وأنور السادات وما يترتب عن هذا الارتباط من حظوة وإتاوات ومنح (هي رشاوى بالمفهوم الميكيافيلي) هم الذين تولوا كِبر التكفير دون أن يراعوا في الأمة إلا ولا ذمة، حيث يهون عندهم انقسام الأمة وانشطارها وتمزيقها مقابل مصالحهم التي حصلوها بناء على “علمهم”.

ولا يمكننا إغفال مسألة في غاية الأهمية، وهي دخول الاستخبارات العالمية على الخط، وهي الاستخبارات التي تستخدم العلماء عن وعي أو عن غير وعي من أجل تشطير الأمة وتمزيقها، في الوقت الذي يظن العلماء/المستخدمون أنهم يحسنون صنعا وأنهم يذبون عن الشريعة وعن صفاء العقيدة.

نعم، إن اختلافنا مع الشيعة واختلافهم معنا اختلاف منطقي ومعقول، لأن الانقسامات السياسية التي وقعت في الأمة والاصطفافات التي وقعت هنا وهناك لا يمكن أن تثمر إلا هذا الاختلاف، ومن الصعب بل من المستحيل أن نكون هُم، أو أن يكونوا نحن، لذلك لا بد من التعايش بين الطائفتين الكريمتين على أساس الأخلاق والقيم التي تقبل الاختلاف مع تواصل الدراسات العلمية حول إمكانية بناء جسور التواصل، وضرورة نبذ “الدراسات” والخطب الهوجاء من الجانبين، والتي في غالبها تبنى على الأكاذيب، أو على الأقوال الشاذة التي يتم تضخيمها هنا وهناك.

Share
  • Link copied
المقال التالي