Share
  • Link copied

تكرار لمشاهد النكبة الفلسطينية.. إسرائيل تُجهز 150 مركبة عسكرية و1000 جندي للهجوم على جنين

قد لا يعيد التاريخ نفسه بالضبط، لكن في بعض الأحيان يحدث ذلك. في فلسطين عموماً وفي جنين ومخيمها للاجئين الفلسطينيين وقطاع غزة على وجه الخصوص، التاريخ هو صورة الفلسطيني المكررة.

يخوض الفلسطيني الأزمات المعيشية اليومية جنباً إلى جنب مع المعارك الكبرى وطغيانها على قضيته الوطنية، ليبقى على قيد الحياة في انتظار أزمات ومعارك قديمة جديدة قد تُفرض عليه. 

وما زال هنا محاولاً تغيير وضعه للأفضل وقهر الظلم والاضطهاد. وإذ يعتبر هذا نصراً، إلا أنه في الواقع مجرد نصر لم يتحقق، وصمود بطعم القهر والظلم، في انتظار الانتهاء من آثار الانقسام السياسي الداخلي، ومن عدو لا يحترم أي قيمة إنسانية، يرتكب الجرائم ويعزز الانقسا والفصل من خلال سياساته في تفكيك المجتمع الفلسطيني.

منذ عام ونصف العام، والعمليات الفلسطينية المسلّحة تتصاعد، بخاصة في شمال الضفة الغربية المحتلة، (جنين ونابلس)، وقد فشلت المنظومة الأمنية الإسرائيلية بوقفها. ودشّن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية همجية في نهاية مارس من العام الماضي، أطلق عليها اسم “كاسر الأمواج”، وهي مستمرة ولم تنتهِ، وتم نشر أكثر من 20 كتيبة من الجيش الإسرائيلي، كان الهدف منها بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، سد الثغرات في السياج الفاصل بين طرفي الخط الأخضر، وتحقيق المزيد من الردع بالقتل والاعتقالات وهدم البيوت. 

لم يتوقف الجيش الإسرائيلي طوال الوقت عن عمليات الاقتحام في كل مناطق الضفة الغربية، بما في ذلك المدن الفلسطينية المصنفة ضمن المنطقة “أ”.

العدوان أو ما يسمى العملية العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، ما زال مستمراً، ولم يتوقف في أي يوم من الأيام، وترتكب قوات الجيش الإسرائيلي جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني. وعلى الرغم من الإجراءات والسياسات العدوانية والعقوبات الجماعية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي والعمليات العسكرية الإجرامية اليومية من قتل واعتقالات، وهدم بيوت في الضفة الغربية، إلا أنه لم يستطع وقف العمليات أو ردعها.

بدأ الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية الإجرامية على جنين بقصف جوي من الطيران الحربي، لعدد من الأماكن التي يدّعي أنها لقيادة الفصائل المسلحة، من بينها مسرح الحرية الذي تم تدميره بالقصف، بذريعة القضاء على المقاومة الفلسطينية في جنين.

العملية العسكرية حملت عنوان “بيت وحديقة”، ووصفها الكاتب الصحافي أوري مسغاف في “هآرتس” بالقول، “الاسم غبي كالمعتاد. كان من الأفضل أن نسميها حارس مطار بن غريون، جرف برايتون، حماية الانقلاب، سور درعي. هذه عملية استُخدم فيها جنود الجيش الإسرائيلي ووسائل الإعلام المعبأة والمجندة والمعارضة الخائفة لحرف الانتباه عن شهادة ميلشان الفاضحة، عن الانقلاب القضائي، والاحتجاج المدني، وخضوع نتنياهو الكامل لرؤساء الوزراء الحقيقيين (سموتريش، بن غفير، درعي)”.

استمرت العملية يومين، وجندت إسرائيل 150 مركبة عسكرية، و1000 جندي من بينهم القوات الخاصة المختلفة الدوفدوفان، وأغوز، ويهلون، وماجلان، وغيرها من الوحدات التابعة للشاباك وحرس الحدود، والتي تتجاوز المعارك مع المسلحين والاعتقالات، وركزت على مصادرة الأسلحة وكشف معامل المتفجرات.

ووفق وزارة الصحة الفلسطينية، قتل 13 فلسطينياً، وارتفع عدد المصابين في المخيم ومحيطه إلى 100، بينهم 20 في حالة الخطر.

ونقلت صحيفة “هآرتس”، قصص النزوح والتهجير القسري، فميسون، وهي أم لسبعة أطفال، غادرت مخيم جنين للاجئين، بعدما طلب الجيش الإسرائيلي من السكان عبر مكبرات الصوت: “من يريد المغادرة فليرحل”. وتقول إن قرار المغادرة جاء بعد محادثة مع أحد الجنود. وتقول ميسون: “سألت الجندي عما ستفعله وما إذا كانت هناك نية لقصف المنزل، فصرخ علي بالعبرية (اخرسي). لذلك قررت الخروج مع الأطفال”. وتضيف، “صحيح أننا في مخيم للاجئين، لكن بالنسبة إلينا هو موطن لكل شيء، نريد العودة إليه في أسرع وقت ممكن. آمل ألا يتضرر المنزل”.

كما تصف إحدى الفلسطينيات من سكان المخيم التي غادرت المخيم، كيف اقتحمت القوات العسكرية منزلها ودمرت كل شيء في المنزل، “أمرنا الجيش بمغادرة المنزل، ولم نتمكن من العودة إلا في الخامسة مساءً. عندما عدنا إلى المنزلهم، رأينا أن الجنود فككوا شاشة التلفزيون، وفتحوا الخزائن، والثلاجة، ولدي خريطة لفلسطين مفصّلة من التطريز الفلسطيني مسحوا “كلمة فلسطين وكُتب بدلاً منها (إسرائيل)”.

يبدو المشهد سريالياً، وتكرار الطقوس وقصة القدر والموت وانتظاره، والتهجير القسري، في مشهد للنكبة الفلسطينية ومحاولات تكرارها، وهمجية الاحتلال لم تغب، غارات جوية مركزة، وقصف البيوت، والإجراءات المضادة المستهدفة وحالة ذعر مستدامة، والموت بشكل أساسي أصبح من طقوس حياة الفلسطينيين، وصرخات الضحية مصحوبة بدعوات لإبادة الأحياء.

وبالمقارنة مع ما حدث في اجتياح الضفة الغربية عام 2002، وما أطلق عليه اسم “عملية السور الواقي” وهدم مخيم جنين وتجريفه، فقد تم في حينه، مسح مخيّم جنين عن آخره، بعد مقتل 13 جندياً إسرائيلياً بكمين نفّذه مسلحون فلسطينيون داخل المخيّم في التاسع من نيسان/ أبريل 2002، ما دفع وقتها بجرّافات المجنزرة المدرّعة العملاقة (D9) بغرض تركيع المخيّم عبر تحويله إلى ركام. 

ممّا ذكره موشيه نسيم، أحد سائقي الجرّافات، أنّه “على مدار ثلاثة أيّام، كنت أهدم وأهدم فقط، وسوّيت بالأرض منطقة تساوي في مساحتها مساحة ملعب “تيدي” لكرة القدم في القدس”. كانت الحصيلة مسح ما لا يقلّ عن 400 بيت من بيوت المخيّم، وسقوط العشرات من أهله، منهم من قتلوا أحياء تحت الردم، فضلاً عن مئات الجرحى والمعتقلين وآلاف المشرّدين.

هذه الصور هي لمخيم مساحته نصف كيلومتر مربع، ترسخ في الوعي والذاكرة الفلسطينية، ذلك كله من أجل تكرار النكبة ودفع الفلسطينيين إلى الرحيل أو التخلي عن هويتهم الوطنية وما تبقى لهم من وطن. 

استهداف جنين مجددا اليوم هو لإعادة مشاهد الدمار والخراب وجعل الفلسطينيين يعيدون التفكير في سبل مواجهة الاحتلال.. الحرب الاسرائيلية الأخيرة على جنين هي تعبير عن طبيعة النظام الإسرائيلي الفاشي العنصري، والعقيدة القائمة على القتل والتدمير والتهجير.

*كاتب حقوقي فلسطيني

Share
  • Link copied
المقال التالي