حظي موضوع القنب الهندي بنقاش موسع ومستفيض من طرف عدد من المتدخلين، سياسين وفعاليات المجتمع المدني، باعتباره موضوعا يهم شريحة واسعة من المجتمع المغربي التي تتخذ من هذه النبتة مصدرا وحيدا لعيشهم وقوتهم اليومي، الأمر الذي جعل تقنينه مسألة ذات أهمية بالغة للحد من الفقر والبطالة، لكونه يأتي في سياق دولي تميز برفع الحظر عن نبتة القنب الهندي لأنها صالحة لأغراض طبية وصناعية، وسياق وطني يرتبط بتكريس نموذج تنموي جديد يستجيب لحاجيات المواطنين وتطلعاتهم.
على ضوء هذا يمكن التساؤل حول مدى استفادة الفلاح البسيط من عملية تقنين القنب الهندي؟
حينما نتحدث عن توجه سياسي في إطار عملية تنموية تروم تقنين وتأطير مجال اقتصادي معين فإن الغرض يكون هو تحقيق الاستقرار والرفاه الاقتصادي للإنسان، لأن التنمية عملية تستهدف الرقي بالإنسان وبوضعه الاجتماعي من خلال برامج عدة.
ولذلك يعتبر تقنين القنب الهندي خطوة إيجابية للارتقاء بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسكان بلاد الكيف، وحتى يحقق هذا التوجه الاستراتيجي أهدافه الكبرى ينبغي أن تكون هناك إرادة حقيقية تستهدف الفلاح أو المزارع البسيط وأن تراعي حالاته وأوضاعه الاقتصادية، ليس فقط من عملية زراعة وإنتاج نبتة الكيف بل أن يكون شريك في هذه العملية برمتها من خلال توفير فرص شغل يجعله يستفيد ماديا، وأن يتم الربح على أساس العمل والجهد، لا على أساس الاعتبارات الضيقة القائمة على النزعة الفردية للمستثمرين وذلك من خلال الحرص على جعله ضمن أولوية العملية التنموية، حيث أن الأمر اليوم أصبح يتجاوز منطق المقاربة القانونية لموضوع تقنين القنب الهندي، بل هي مقاربة اقتصادية واجتماعية أكثر، يجب أن تستحضر وتأخذ بعين الاعتبار التحديات الاقتصادية التي يواجهها الفلاحون البسطاء الذين عاشوا سنوات من الخوف والهلع من المتابعات القضائية التي طالتهم على مر سنوات، فالمستفيد دائما هو التاجر وليس الفلاح الذي يرجو من عملية التقنين تحقيق أهدافه ومستقبل أبنائه لا سيما إذا ما تم خلق فرص الشغل تمكنه من دخل مادي قار يلبي به حاجاته اليومية.
فعلا القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي جاء بمجموعة من المقتضيات القانونية التي وبحق تظل في غاية الأهمية في عملية التقنين، حيث كرس الخطوط العريضة لعملية التقنين أبرزها إخضاع جميع الأنشطة المرتبطة بزارعة وانتاج ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنب الهندي، وخلق وكالة وطنية يعهد إليها التنسيق بين كافة القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والشركاء الوطنيين والدوليين، وهو ما يبرز عن توجه نحو مأسسة عملية التقنين وجعلها أولوية ضمن استراتيجية الدولة لتكون لها نتائج ايجابية على الاقتصاد الوطني وهذا لن يتأتي دون جعل الفلاح أولوية في هذه العملية.
ولهذا ومن خلال ما تم إقراره في القانون السالف الذكر، يجب أن نستحضر مجموعة من المعطيات ذات الصلة بواقع زراعة نبتة الكيف والتي من المفروض أن تأخذ بعين الاعتبار في سياق تنزيل المقتضيات القانونية التي ستحددها النصوص التطبيقية، الواقع الهش لمناطق بلاد الكيف من قبيل تفاوت مساحات الأراضي الزراعية بين الفلاحين وغيرها من المعطيات المتعلقة بالتضاريس وندرة المياه، بالإضافة تعزيز آليات التبادل الاقتصادي بما يخدم مصلحة الفلاح الذي يقطن في أعالي الجبال؛ معطى أخر يتعلق بهجرة الفلاحين نحو المدن الأمر الذي يعيد للواجهة قضية لطالما أثير على طاولة المناقشات، وهو ما يتطلب اعتماد خطط ضمن عملية التقنين تجعل سكان بلاد الكيف يستقرون في بلدتهم دون حاجة إلى هجرها إذا ما توفرت ظروف العيش، لا سيما في ظل الأزمة التي تعرفها بلاد الكيف في السنوات الأخيرة ، حيث نجد عدد كبير من سكان القرى يهاجرون نحو المدينة من أجل البحث عن عمل يلبون به حاجياتهم اليومية، ولذلك تبقى الحاجة ملحة لطرح نهج يفيد الفلاح بالدرجة الأولى كإحدى الخطوات لتحقيق أهداف التنمية البشرية.
من خلال ما تقدم يمكن القول بأن الإطار القانوني للقنب الهندي يظل في غاية الأهمية، لأنه يعبر عن توجه ايجابي غايته معالجة الإشكالات التي يتخبط فيها المزارعون الصغار الذين عانوا لسنوات من المتابعات القضائية، لا سيما وأن الفلاح في بلاد الكيف يطمح فقط الى حياة لا تختلف عن باقي المواطنين في ربوع المملكة، من خلال برمجة مشاريع تنموية وخلق بديل اقتصادي ضمن عملية التقنين مع الحرص على أن تراعي النصوص التطبيقية مسألة تبسيط المساطر الإدارية خصوص تلك المتعلقة بمنح الرخص مع استحضار دور الفلاح البسيط وتثمين مجهوداته في عملية الزراعة والإنتاج وأن يكون ثمن منتوجه يناسب ويعوضه عن كل المجهودات التي قام بها.
دكتوراه في الدراسات السياسية والقانون العام
تعليقات الزوار ( 0 )