أطلق مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث في المنطقة العربية، يوم 10 نوفمبر الجاري، تقريره عن حال الدول العربية ومدى تقدمها في مسار التخفيف من مخاطر الكوارث والمشاكل التي تواجهها في تحقيق ذلك، والمعنون “التقييم الجهوي للتخفيف من مخاطر الكوارث في المنطقة العربية 2021”.
وتم إطلاق التقرير خلال اليوم الثالث من فعاليات المنتدى الإقليمي العربي الخامس للحد من مخاطر الكوارث الذي نظمته الحكومة المغربية من 8 إلى 11 نوفمبر الجاري، عبر تقنية المحاضرات عن بعد، تحت عنوان “من الخطر إلى المرونة.. تسريع النشاط للتخفيف من مخاطر الكوارث”.
ويعتقد أصحاب التقرير أن المنطقة العربية تسير بسرعة نحو وضع قد تصبح فيه غير قادرة على مواجهة مخاطر الكوارث مثل الأوبئة أو آثار التغيرات المناخية أو النزاعات وندرة المياه، وهي المخاطر التي ستزداد حدتها بسبب أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة، فضلا عن المشاكل الاجتماعية ونقص التمويل المادي.
كوارث بالجملة
وأحصى التقرير معاناة الدول العربية من عدة مخاطر كالزلازل والفيضانات والجفاف والأعاصير والنزاعات المسلحة وغيرها، وهي المخاطر المرشحة لأن تتكرر في أي وقت وبحدة، وستكون نتائجها وخيمة إذا لم تتخذ الحكومات مزيدا من الإجراءات الضرورية للتخفيف منها.
وقد سجل التقرير أن 15% على الأقل من سكان المنطقة العربية تعرضوا لخطر الفيضانات التي زادت حدتها في العقدين الماضيين، وذلك بنسبة الثلث مقارنة بعام 1970، وهذا راجع أساسا إلى هشاشة البنية التحتية في المدن ونقص المساحات الخضراء التي تعمل على امتصاص الأمطار.
ومن بين المخاطر التي واجهتها بعض الدول العربية نجد الأعاصير الاستوائية التي ضربت في وقت سابق كلا من اليمن وعمان وجيبوتي والصومال، وكان إعصار عمان عام 2007 الأقوى من بينها، وتسبب في خسائر مادية بقيمة 4 مليارات دولار وتشريد حوالي 20 ألف مواطن.
كما تسببت فترات الجفاف التي عرفتها المنطقة خلال الأعوام الـ50 الماضية خاصة في العراق والمغرب وسوريا واليمن في تسجيل ملايين الوفيات، وتدهور الأراضي وفقدان التنوع البيولوجي ونقص أعداد الماشية وقلة المحاصيل الزراعية.
وقال الدكتور المصري فادي حمدان وهو مستشار مستقل مختص في التخفيف من مخاطر الكوارث خلال ندوة إطلاق التقرير التي تم تنظيمها صباح يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري “يعتبر الجفاف من بين أخطر الكوارث التي عرفتها الدول العربية في السنوات الـ50 الماضية، حيث تسبب في وفاة عشرات الملايين ومن المنتظر ان ترتفع وتيرته في المستقبل”.
وأضاف المتحدث “الكثير من الكوارث الطبيعية لها صلة وطيدة بالتغيرات المناخية كالجفاف، والأعاصير، والفيضانات، وحرائق الغابات، وهي الكوارث التي تزيد حدتها بسبب تمركز السكان في المدن”، مشيرا في سياق آخر إلى أن وباء كورونا “تسبب في فقدان 17 مليون وظيفة، وهو ما يؤثر سلبا على مواجهة السكان العرب للمخاطر”.
وفي سوريا وحدها تسبب الجفاف الذي حدث في الفترة الممتدة من 2006 إلى 2010 في تدمير مزارع حوالي 800 ألف ساكن وترك الملايين دون غذاء.
وسجل التقرير ارتفاعا في عدد حرائق الغابات خاصة في دول جنوب المتوسط كالجزائر، وتونس، والمغرب، ولبنان، وهذا الأخير أحصى وحده حوالي 1200 حريق منذ عام 1981.
الزلازل والجفاف الأشد فتكا
أما بالنسبة للزلازل، فقد ذكر التقرير أن أكثر من 30% من سكان المنطقة العربية يعيشون في مناطق عالية أو متوسطة الخطورة، خاصة دول جنوب حوض المتوسط.
حيث أشار التقرير في السياق إلى زلزال مدينة أغادير المغربية الذي ضربها في فبراير/شباط 1960 وتسبب في وفاة 15 ألفا من بين 36 ألف مواطن، وذلك رغم أن قوة الزلزال كانت 5.8. واليوم تحصي مدينة أغادير حوالي 400 ألف ساكن، وخطر الزلازل ما زال قائما في أي لحظة.
وحسب الخارطة التي أوردها التقرير، فإن عدد الكوارث المتعلقة بالزلازل والأوبئة وندرة المياه والجفاف هي الاكثر تكرارا وانتشارا خلال العقدين المنصرمين، خاصة الجفاف، وهو ما أكده حمدان.
وخلال العقود الأربعة الماضية، احتلت الجزائر المرتبة الأولى من حيث حجم الخسائر المادية التي تكبدتها، وذلك بسبب زلزالي الشلف عام 1980، وبومرداس عام 2003، وكلاهما بلغت خسائرهما 10.200 مليارات دولار.
وجاءت في المرتبة الثانية عمان التي خسرت ما قيمته حوالي 4 مليارات دولار في الإعصار الذي ضربها عام 2007، متبوعة باليمن التي خسرت 1.2 مليار دولار في زلزال 1982.
وتزداد حدة هذه المخاطر في بعض المناطق الهشة، حيث سجل التقرير ارتفاع عدد الفقراء الذين ليس لا يتجاوز دخلهم اليومي دولارين، من 4% من مجموع السكان عام 2013 إلى 6.7% عام 2015.
وقالت الدكتورة اللبنانية ياسمين مصطفى من مكتب الأمم المتحدة للسكان بالقاهرة خلال الندوة “إن المنطقة العربية تعرف نمط تحضر سريعا ولذلك فإن سكان المدن هم الأكثر عرضة للمخاطر، وفي 2016 كان عدد سكان المدن في المنطقة العربية يعادل نسبة 58% ونتوقع أن يصل إلى حوالي 80% في 2050، ونحن نخشى أن يكون هذا التوسع بطريقة فوضوية بحيث تكثر المناطق غير الآمنة وغير المطابقة لمعايير البناء السليم”.
وأضافت المتحدثة أن “هذه المخاطر ستزداد حدة بسبب انتشار الفقر، حيث يعيش 18% من السكان العرب حاليا تحت خط الفق،ر بالإضافة إلى تفاقم مشكلة البطالة التي بلغت نسبتها 10%، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم، وأيضا كثرة النزاعات المسلحة التي تتسبب في الهجرة داخل الحدود وخارجها وما يصاحبها من ضغط على الخدمات”.
ما يجب فعله
ويبدو حسب نتائج التقرير، أنه أمام الدول العربية الكثير من العمل والاجتهاد من أجل تحسين حالها وأوضاعها في التعامل مع مخاطر الكوارث والتأقلم معها، بما يتماشى مع اتفاقية سينداي العالمية للتخفيف من مخاطر الكوارث التي صادقت عليها الدول والتي يمتد مفعولها من 2015 إلى 2030.
وفي هذا الصدد قالت الدكتورة اللبنانية، ميرنا أبو عطا من مكتب الأمم المتحدة للتخفيف من مخاطر الكوارث في المنطقة العربية، إن الدول العربية تواجه عدة عراقيل أمام مخاطر الكوارث، منها غياب أنظمة الإنذار المبكر للأخطار المتعددة، ونقص البيانات الإحصائية.
وأوضحت أبو عطا في الندوة “لا توجد بيانات إحصائية كافية في أغلب الدول العربية، كما أن مشاركة الكم القليل المتوفر من هذه البيانات غير كاف، وهذا يعرقل عملنا في تقييم الوضع وإسداء النصح، وعليه فالمطلوب اليوم من الحكومات العربية بذل مزيد من الجهود لتطوير قدراتها في مواجهة المخاطر من خلال جمع البيانات أولا”.
وأضافت المتحدثة تقول “يجب أيضا أن تعمل الدول العربية على تحديث إستراتيجياتها الوطنية وجعل قوانينها أكثر تأقلما مع الأوضاع المناخية والمخاطر، وتوفير الدعم المالي الكافي لتنفيذ الخطط والإستراتيجيات وزيادة الاستثمار ورفع درجات التنسيق مع الدول التي تعاني من النزاعات المسلحة”.
أما الدكتور المصري وليد الريان، وهو بروفيسور في علوم الأرض بجامعة القاهرة ومستشار في التخفيف من الكوارث، فقد ركز في حديثه على مشاكل التمويل في المنطقة العربية، وقال إن “التمويل هو واحد من أهم المشاكل التي تواجه الدول في تنفيذ خططها وقد كان موضوع نقاش في الكثير من المؤتمرات العالمية، خاصة في مؤتمر إثيوبيا الذي عقد في ديسمبر من عام 2019”.
وأضاف أن هناك فجوة مالية كبيرة في المنطقة العربية في مجال تنفيذ إستراتيجيات التخفيف من مخاطر الكوارث، وهي تقدر بحوالي 100 مليار دولار في الوقت الذي بلغت 3 تريليونات دولار على مستوى العالم كله.
ولتقليص هذه الفجوة، دعا الريان إلى ضرورة إشراك القطاع الخاص في مسار الاستثمارات وعدم الاعتماد كلية على التمويل الحكومي، لأن الكثير من حكومات الدول العربية لا يمكنها توفير التمويل اللازم، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن مساهمة القطاع الخاص في تمويل مثل هذه المشاريع الكثير من دول العالم تصل إلى 70% وعلى الدول العربية أن تعمل لبلوغ ذلك.
تعليقات الزوار ( 0 )