كشقت منصة “الطاقة” المتخصصة في أخبار الطاقة على المستويات الاقتصادية والسياسية والبيئية والفنية، أن حزمة العقوبات الجديدة ضد الغاز المسال الروسي أثارت جدلًا واسع النطاق، بعدما أعلنها الاتحاد الأوروبي -بصورة رسمية- قبل أيام قليلة.
وكان أبرز ما ورد في هذه العقوبات حظر إعادة تصدير إمدادات موسكو من دول الاتحاد الأوروبي إلى وجهات أخرى، وفق تفاصيل حزمة الإجراءات التي تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
واستنادا إلى تقرير المنصة، فإنه يُنظر بعين الريبة إلى كيفية تعامل إسبانيا مع القيود الجديدة، خاصة أنها كانت على رأس أكبر مستوردي الغاز المسال من روسيا خلال العام الماضي 2023.
وتعيد إسبانيا تصدير هذه الإمدادت إلى دول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه، وكانت أكبر مصدري الغاز المسال بين دول الاتحاد كافّة خلال العام الماضي أيضًا.
ويدفع ذلك إلى التساؤل حول مصير إمدادات المغرب التي باتت تواجه تهديدًا مع سريان الحظر، إذ تشكّل مدريد محطة وسيطة لنقل إمدادات موسكو إلى الرباط بعد إعادة تغويزها (إعادة الغاز المسال إلى حالته الطبيعية) وضخها عكسيًا.
دور إسبانيا
وتستقبل إسبانيا كميات كبيرة من الغاز المسال الروسي، قُدرت بنحو 6.7 مليار متر مكعب خلال العام الماضي، بمدفوعات تتجاوز 2.3 مليار يورو (ما يتجاوز 2.467 مليار دولار أميركي).
ويبدو من حجم الواردات أن الاعتماد الأوروبي عامة والإسباني خاصة على إمدادات موسكو ما زال قويًا، رغم محاولات تقليص عوائد روسيا في أعقاب الحرب الأوكرانية.
وربما يبرز دور إسبانيا في هذا الشأن دون غيرها من دول الاتحاد، نظرًا إلى امتلاكها 6 محطات إعادة تغويز (إعادة الغاز المسال إلى صورته الأولى “غاز طبيعي”)، حسب معلومات نشرها موقع مونتل نيوز (Montel News).
ويكشف الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- الدول المصدرة للغاز الروسي إلى إسبانيا من عام 2022 حتى ماي 2024:
وتبلغ سعة تخزين الغاز المسال في هذه المحطات 22.7 تيراواط/ساعة متصلة بشبكة الغاز، و2 تيراواط/ساعة أخرى يجري تخزينها في منشأة منفصلة.
ووفق هذه البيانات، تعادل سعة الغاز المسال في إسبانيا ما ينخفض قليلًا عن نصف سعة التخزين لدى الاتحاد الأوروبي، بنسبة 44%.
وقال كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، الزميل الزائر لدى جامعة جورج مايسون الدكتور أومود شوكري، إن واردات إسبانيا من الغاز المسال الروسي الآخذة بالارتفاع دفعتها لتصبح أكبر مستوردي أوروبا العام الماضي بمستوى قياسي جديد يصل إلى 30%، متجاوزة فرنسا وبلجيكا.
وأضاف -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن)- أن هذه الوتيرة استمرت الأشهر الأولى من العام الجاري، وشكّلت الإمدادات الروسية 26% من إجمالي الواردات الروسية في مارس/آذار الماضي، ارتفاعًا من 14.4% على أساس سنوي.
بوابة أوروبا.. وبدائل محتملة
أوضح الدكتور أومود شوكري أن معدل استقبال إسبانيا لتدفقات الغاز المسال من روسيا يعزّز دور مدريد بوصفها “بوابة” غاز موسكو إلى أوروبا.
وحذّر -في تصريحاته الخاصة إلى منصة الطاقة- من أن اعتماد إسبانيا المفرط على غاز روسيا المسال لا يتوافق مع إستراتيجية الاتحاد الأوروبي، الرامية لتقليص الاعتماد على تدفقات الطاقة من موسكو عقب اندلاع الحرب الأوكرانية.
وقال إن استمرار إسبانيا في هذا النهج قد يثير حالة من التوتر الواضح مع الاتحاد، وقد يضطر ذلك المفوضية الأوروبية إلى اتخاذ تدابير بصورة فورية، لضمان توافق الرؤى بين الاتحاد وإسبانيا في هذا الشأن.
وتوقع شوكري استمرار استيراد إسبانيا تدفقات الغاز المسال الروسي، حتى تتمكن من توفير منافذ بديلة، بحلول نهاية العام الجاري.
ولحين ضمان منافذ بديلة، حذّر شوكري من حجم الخطر الذي يشكّله تعطل الصادرات الروسية لإسبانيا، نظرًا إلى اعتمادها الكبير عليها.
ودعا إلى ضرورة تنويع مدريد مصادرها للحصول على الغاز المسال، لتجنب أي عجز محتمل للطاقة، مرجحًا أن يكون الغاز المسال الأميركي والجزائري بديلًا مستقبليًا محتملًا لإسبانيا، غير أنه شدد على عدم وضوح جدوى تغيير الموردين والإطار اللازم لتنفيذه حتى الآن.
وقال محلل السلع في بنك يو بي إس السويسري جيوفاني ستانوفو، إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يمكنها مواصلة استيراد التدفقات الروسية، خاصة إذا كانت أقل ثمنًا من البدائل المتاحة.
وأضاف ستانوفو أن صادرات الغاز المسال الأميركي زادت إلى أوروبا على مدار الشهور الـ12 الماضية، مشيرًا إلى أن المعروض سيواجه تقلبات خلال عام 2025.
وكشف -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- أن المعروض من الغاز المسال سيشهد توافر المزيد من الإمدادات بدءًا من عام 2026 والأعوام اللاحقة له.
حظر إعادة التصدير
وحسب المنصة، فإنه بخلاف مخاوف اعتماد إسبانيا على إمدادات الطاقة من موسكو، فإن قرار حظر إعادة تصدير الغاز المسال الروسي قد يتسبّب في تكدس التدفقات لدى مدريد.
وأكد باحث الطاقة والمناخ لدى معهد الأبحاث والدراسات الإستراتيجية “إلكانو”، إغناسيو أورباسوس، أن امتلاك إسبانيا لتدفقات فائضة في ظل الطلب المتواصل قد يضعها في مأزق مع سريان الحظر.
وأضاف أن تطبيق حظر إعادة تصدير الغاز المسال الروسي من إسبانيا إلى وجهات أخرى سيواجه صعوبات في التتبع والمراقبة، إلى حد أن مدريد تكون الأصعب على الإطلاق، نظرًا إلى قدرة التخزين الكبيرة لديها وقوة عمليات إعادة التصدير المخطط لها.
ولم يؤيد أورباسوس إمكان اتخاذ إسبانيا موقفًا مخالفًا لإستراتيجية الاتحاد الأوروبي، رغم احتمال تكدس الغاز المسال الروسي في مواقع التخزين، مرجحًا التزام مدريد بقرار عدم إعادة تصدير تدفقات موسكو إلى دول أخرى.
وقال تجار ومشاركون في السوق، إنه على الأرجح ستلتزم دول الاتحاد كافّة بقرار حظر إعادة التصدير، وستتوقف التحميلات لحين توضيح الاتحاد؛ إما تطبيق حظر كامل وإما مشروط وفق تدابير محددة.
وبدوره، أشار محلل السلع في بنك يو بي إس السويسري جيوفاني ستانوفو -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- إلى أن الحظر اقتصر على “إعادة التصدير” وليس الاستيراد، ما يؤكد إمكان إسبانيا والدول الأوروبية الأخرى مواصلة تلقي إمدادات الغاز المسال الروسي.
ما علاقة المغرب؟
وأضاف تقرير المنصة، أن المغرب يُعد أبرز وجهات إعادة تصدير إسبانيا لتدفقات الغاز المسال الروسي، وكان الأعلى خلال العام الماضي 2023، وحلّت بعده 4 وجهات أخرى هي: إيطاليا، وهولندا، وبلجيكا، والبرازيل.
ووقّع المغرب اتفاقًا مع إسبانيا عام 2022 يسمح بضخ الغاز من مدريد إلى الرباط، عبر خط أنابيب الغاز المغاربي- الأوروبي المشترك فيما عُرف بعملية “الضخ العكسي”، إذ كان الخط يستعمل سابقًا في تصدير الغاز الجزائري إلى إسبانيا.
ويمكن القول إن الغاز المسال الروسي أبرز المصادر التي يعتمد عليها المغرب عبر إسبانيا، إذ تتولى مرافق إعادة التغويز لدى مدريد إعادة الغاز المسال إلى صورته الأولى “غاز طبيعي” ثم ضخه في الأنبوب.
ونظرًا إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، اشترطت الأولى التزام إسبانيا بعدم توصيل أي تدفقات من الغاز الجزائري إلى الرباط.
ومن شأن ذلك أن يفتح باب التساؤلات مرة أخرى حول “كيفية تأمين المغرب إمدادات الغاز الروسي”، حال توقف إسبانيا عن تصدير تدفقات موسكو المسالة بعد إعادة تغويزها التزامًا بالحظر الأوروبي.
سيناريو بديل
وكثّفت المملكة المغربية واردات الغاز من إسبانيا خلال السنوات الأخيرة بعد قطع الغاز الجزائري عن الرباط، وضرب الدكتور أومود شوكري مثالًا على ارتفاع هذه التدفقات بأرقام شهر ماي من العام الماضي، البالغة 88 مليون قدم مكعبة يوميًا.
وأوضح أن حصة إسبانيا تشكّل غالبية الإمدادات المطلوب تعويضها بدلًا من الغاز الجزائري، مشيرًا إلى أن الجزائر كانت تزود المغرب بنحو 105 ملايين قدم مكعبة يوميًا حتى توقف الإمدادات في أكتوبر عام 2021.
وبعد توقف التدفقات الجزائرية لجأ المغرب إلى إسبانيا لتوفير الغاز اللازم لأغراض توليد الكهرباء، وبدأت صادرات مدريد في الضخ العكسي في يونيو 2022، فيما عرف حينها بأنه أول تدفقات مباشرة للغاز من أوروبا إلى أفريقيا.
وبالنظر إلى أن الغاز الإسباني ما هو إلا شحنات غاز مسال غالبيتها روسية جرى إعادة تغويزها، قال شوكري إنه ينبغي الآن التركيز على اعتماد الرباط المتزايد على واردات إسبانيا من الغاز المسال، بدلًا من فرض أي قيود على إعادة تصدير غاز روسيا المسال بعد إعادة تغويزه.
تقول مصادر مغربية لمنصة الطاقة: “إن إمدادات المملكة من الغاز مؤمّنة تمامًا، ولا نعتمد على دولة بعينها مثل روسيا؛ لذلك فإن أي عقوبات لا تهدد وصول الغاز الطبيعي إلى الرباط”.
وأضافت المصادر أن “هناك عقدًا وقّعه المغرب، العام الماضي، مع شركة شل، لاستيراد نصف مليار متر مكعب سنويًا، لمدة 12 عامًا؛ وبناءً عليه فإن نصف الإمدادات مؤمّن من جانب شل، والنصف الآخر يُستورد من السوق الدولية”.
تعليقات الزوار ( 0 )