استعرض تقرير روسي، الأهمية الجيوسياسية للمملكة المغربية، باعتبارها آخذة في النمو وتقع على بعض أكبر رواسب المواد الخام في العالم، مشيرا إلى أن من شأن توسيع العلاقات مع المغرب أن يمنح روسيا أداة إضافية للمساعدة في إعادة تشكيل ميزان القوى المتغير في منطقة الساحل حيث يتراجع النفوذ الفرنسي ويبرز فراغ في السلطة.
ووفقا للتقرير الذي نشرته مجلة “russia-briefing” أول يوم أمس (الأربعاء)، فإنه وسط الجهود التي تبذلها روسيا للتخفيف من خسائر الإيرادات الناجمة عن انخفاض مستويات التجارة مع الغرب، أعادت موسكو التعامل بنشاط مع القارة الأفريقية.
وأبرز التقرير الذي يحمل توقيع، الأستاذ الجامعي بجورجيا إميل أفدلياني، أنه وباعتبارها جزءًا من الجنوب العالمي الشاسع، توفر أفريقيا الكبرى فرصًا عديدة للشركات الروسية التي تبحث عن أسواق جديدة وقدرات تصنيعية للتصدير. وفي أفريقيا، تندمج المصالح الاقتصادية الروسية بدقة مع التحولات الجيوسياسية العالمية.
وتدفع موسكو من أجل إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب، وبالنسبة للكرملين، تمثل القارة الأفريقية فرصة جيدة لإمالة ميزان القوى بعيدًا عن الغرب الجماعي، الذي جره الإرث الاستعماري السام والممارسات التجارية والاستثمارية غير العادلة التي أدت إلى تفاقم المشكلة. ولم يترك سوى القليل على الطاولة للأفارقة أنفسهم، كما تحرص روسيا أيضًا على استمالة الدول الإفريقية لتشكيل كتلة من الأصوات في الأمم المتحدة لدرء السياسات الأمريكية.
وفي أماكن أخرى، يبدو تجدد التدخل الروسي في شمال إفريقيا واضحًا مع اقتراب مصر من الانضمام إلى مجموعة البريكس، في حين أبدت الجزائر وتونس اهتمامًا بذلك، وأصبح المغرب أيضًا وجهة سياحية مفضلة جديدة للمواطنين الروس الذين يشعرون الآن بعدم الارتياح تجاه العطلات الأوروبية، حيث يتم الآن تشغيل رحلات جوية مباشرة بين المغرب وروسيا مع وصول أرقام السياحة إلى مستويات قياسية في عام 2023.
التجارة الثنائية بين روسيا والمغرب
ويعتبر المغرب ثالث أكبر شريك تجاري لروسيا بين دول القارة الإفريقية بعد مصر والجزائر، وبلغت صادرات روسيا إلى المغرب سنة 2021، 1.6 مليار دولار أمريكي (زيادة بنسبة 58.50% مقارنة بعام 2020) أو 9.3% من إجمالي التجارة الروسية مع القارة الإفريقية.
وتعتبر تجارة روسيا مع المغرب مهمة لأنها تشكل جزءًا كبيرًا من إجمالي تجارة البلاد مع القارة الأفريقية، وفي عام 2022، وصل هذا المبلغ إلى 6.7 مليار دولار أمريكي في القطاع الزراعي وحده، إذ يهتم المستوردون الروس تقليديًا بالعنب والحمضيات والمكسرات وحبوب الكاكاو من المغرب ودول شمال وشرق إفريقيا الأخرى.
ويحتفظ المغرب بعلاقات وثيقة مع مناطق معينة من روسيا، على سبيل المثال، زادت التجارة في عام 2022 بين جمهورية باشكورتوستان الروسية، وهي منطقة ذات أصول تركية تقليدية، والمغرب بنسبة 3.3 مرة مقارنة بعام 2021، وفي الفترة 2017-2022، نمت بنسبة 27 مرة، وكانت مناطق الحكم الذاتي المختلفة في روسيا بارعة بشكل انتقائي في تطوير الشركاء التجاريين الذين يتناسبون مع الاحتياجات المتبادلة.
وبشكل عام، تتكون صادرات روسيا إلى المغرب بشكل رئيسي من النفط والديزل والفحم والمواد الكيميائية غير العضوية، وتتزايد صادرات الأسمدة والمواد الحجرية والجصية والألومنيوم والحبوب من بين المنتجات ذات الصلة، وتستورد روسيا الفواكه والمكسرات ومنتجات الصناعات الخفيفة بالإضافة إلى الخشب والسيارات واللقاحات البيطرية وخدمات تكنولوجيا المعلومات.
وأضاف التقرير، أنه وبشكل عام، يهتم موردو الحبوب الروس بشكل خاص بالمغرب، حيث تعد البلاد من بين أكبر مستوردي القمح في أفريقيا. على سبيل المثال، أعلن المغرب أنه بحلول يونيو 2024 سيستورد حوالي 2.5 مليون طن من القمح.
ومع ذلك، فإن العوائق الرئيسية التي تواجه الصادرات الروسية هي الرسوم الجمركية – والتي يمكن أن تصل إلى 40٪ لبعض المنتجات، بالنسبة للشركات الروسية، إحدى الاستراتيجيات المستخدمة للتخفيف من هذه المشكلة هي إنشاء مشاريع مشتركة في المغرب، والتي يتم منحها شروطًا أكثر ملاءمة.
وأكد التقرير، أن الميزة الرئيسية للشركات التي تفتح الإنتاج في المغرب هي إمكانية التصدير إلى البلدان التي أبرم معها المغرب اتفاقيات منطقة تجارة حرة، ولدى المغرب اتفاقيات تجارية تفضيلية مع 62 دولة، وهو عضو في اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA) التي تخفض التعريفات التجارية بين البلدان الأفريقية على 95٪ من جميع المنتجات ضمن فترات زمنية مختلفة.
وصادقت الرباط على هذه الاتفاقية في أبريل 2022. والمغرب أيضًا عضو في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي تضم أيضًا البحرين ومصر والعراق والكويت ولبنان وليبيا وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والسودان وسوريا وتونس والولايات المتحدة، والامارات العربية، وتشمل اتفاقيات التجارة الحرة البارزة الأخرى اتفاقيات مع الأردن وتركيا.
ويتمتع المغرب أيضًا بموقع جغرافي مميز حيث أن خطه الساحلي يتوافق مع الطرق طويلة الأمد التي يستخدمها كبار المصدرين الروس، وتمتلك البلاد أيضًا سلسلة من الموانئ ذات الموقع الجيد، كما أن حدودها الجنوبية لها أهمية إضافية، ومع تزايد زعزعة استقرار الوضع الجغرافي الاقتصادي في منطقة الساحل، يمكن للمغرب أن يكون بمثابة بوابة لموسكو لزيادة التجارة مع منطقة الصحراء والتأثير عليها.
كما أن الاتجاهات الأطول أجلا واعدة أيضا، وعلى الرغم من أن روسيا لم تبرم بعد اتفاقيات تجارة حرة مع الدول الأفريقية، إلا أن هناك دلائل تشير إلى أن هذا قد يتغير، ففي غشت من هذا العام، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن المفاوضات جارية بين روسيا وأربع دول عربية، بما في ذلك المغرب، للدخول في اتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU).
روسيا – المغرب الاستثمارات الثنائية
وتتخلف الاستثمارات الروسية في المغرب عن منافسيها الرئيسيين مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين، لكن الباحثين الروس يعتبرون نقص المعرفة فيما يتعلق بالسياسة المغربية الداخلية القضية الأكثر أهمية، وقد فشلت العديد من المشاريع في التنفيذ بسبب الخبرة المحدودة من الجانب الروسي.
وعلى سبيل المثال، خططت شركة فولغاباس الروسية للاستثمار في المغرب لإنتاج الحافلات الكهربائية. ومع ذلك، تباطأت المفاوضات بسبب التغيير غير المتوقع للحكومة والذي لم يتوقعه الجانب الروسي إلى حد كبير. إن اللاعبين الأكثر نشاطا في الجهود الروسية للاستثمار في المغرب هم المصنعون الروس في صناعة السيارات.
ومن بين الاستثمارات التي تم تحقيقها بنجاح، مصفاة النفط التي تم بناؤها في عام 2019 بقيمة 2 مليار يورو. كما أن روسيا مستثمرة في خط أنابيب الغاز بين المغرب ونيجيريا. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من مجالات التعاون المحتملة التي ظهرت في أعقاب القمة الروسية الإفريقية الأخيرة التي عقدت في سانت بطرسبرغ.
وتتطلع روسيا إلى احتياطيات المغرب الهائلة من صخور الفوسفات واليورانيوم، وفي هذا الصدد، فإن المغرب مهتم بإقامة تعاون أوثق مع روساتوم، مجال آخر للتعاون هو تحلية مياه البحر حيث تواجه المنطقة الأفريقية نقصًا متزايدًا في المياه.
وانعكاسًا لذلك، وقعت شركة Rusatom Smart Utilities، في يوليو من هذا العام، مذكرة تفاهم مع شركة حلول المياه والطاقة المغربية، بهدف تطوير محطات تحلية المياه بالطاقة النووية، إن شركة روساتوم مناسبة تمامًا لهذا الدور خاصة وأن الشركة قامت خلال العقد الماضي بزيادة مشاركتها التجارية مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن شأن هذا النوع من الاستثمارات أن يساعد المغرب على تطوير التكنولوجيا النووية المدنية والتخفيف من التحدي المتفاقم في مجال الغذاء والمياه والطاقة.
ولفت التقرير، إلى أن العلاقات بين روسيا والمغرب تعتمد بشكل أكبر على التجارة وسيعتمد الكثير على مدى أداء الاقتصاد الروسي في السنوات المقبلة، ومع ذلك، هناك تحديات كبيرة في هذا الصدد، وتتوقع تقديرات مختلفة انكماش الناتج المحلي الإجمالي لروسيا طوال عام 2023، على الرغم من أن هذا لم يتحقق بعد، كما أن الارتباط الاقتصادي الروسي مع أفريقيا يتخلف كثيراً عن أداء الجهات الحكومية الأخرى في أفريقيا.
وعلى سبيل المثال، بلغت تجارة روسيا مع أفريقيا 18 مليار دولار أمريكي، وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم في عام 2023 وما بعده، إلا أنه لا يزال أقل بكثير من مشاركة الاتحاد الأوروبي والصين، وكلاهما يقترب من ما يقرب من 300 مليار دولار أمريكي في التجارة.
وخلصت التقرير الروسي، إلى أن ديناميكيات التجارة والاستثمار بين روسيا والمغرب تسير في مسار تصاعدي، في حين أن اتفاقية التجارة الحرة المعلقة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ستعزز حجم التجارة الثنائية.
تعليقات الزوار ( 0 )