أَشَارَ تقرير سنوي صادر عن وفد البرلمان الفرنسي لدى الاستخبارات، كشفت عنه صحيفة “لوبارزين” الفرنسية، مساء أمس، الخميس، إلى أن التدخلات الأجنبية أصبحت تهديدًا “متقلبًا ومنتشرًا ودائمًا”، وأن فرنسا تظهر “نقاط ضعف” كبيرة في مواجهته.
وجاء في التقرير أن مستوى التهديدات بالتدخل الأجنبي وَصَلَ إلى مرحلة عالية في سياق دولي متوتر وغير مقيد، وأن أجهزة الاستخبارات استخدمت “وسائل عرقلة مختلفة لإحباط التدخل الأجنبي”، لكن هذه الأدوات ليست ”كافية في حد ذاتها على المدى الطويل”.
ولتعزيز ترسانتهم، يقترح البرلمانيون إنشاء “نظام تشريعي مخصص لمنع التدخل الأجنبي، على غرار القانون الأمريكي”، واستخدام إجراء تجميد الأصول “لأي شخص، أو هيكل، متورط في أعمال تضرّ بالوحدة الوطنية، والحفاظ على التماسك الوطني، أو تهدف إلى تعزيز مصالح قوة أجنبية. ويقترحون أيضًا “ردًا أوروبيًا”، معتبرين أنه يمكن تجميع هذه الإجراءات المختلفة “في مشروع قانون مخصص لمكافحة التدخل الأجنبي”.
ويشير الوفد البرلماني إلى أن هذا التهديد اتخذ بُعداً جديداً، في السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى التغيّر الجذري في السياق الجيوسياسي، حيث تم الانتقال فجأة من عالم المنافسة إلى عالم المواجهة مع الأنظمة الاستبدادية من جهة، والديمقراطيات الغربية من جهة أخرى.
ويرى البرلمانيون أن هذا الانقسام بين الغرب وبقية العالم هو سيد الموقف في الفترة الحالية، ويضاف إلى ذلك الثورة الرقمية مع الفضاء الإلكتروني، الذي أصبح مجالاً متميزاً للمواجهة والتنافس بين الدول، وسياسات النفوذ والتجسس التي تشكل تهديدات هجينة، وفق في التقرير دائماً.
الأخبار الكاذبة .. “أسلحة حربية”
ويشير الوفد البرلماني إلى حملات التلاعب بالمعلومات واسعة النطاق، التي تعدّ شكلاً جديداً من التدخل الأجنبي، الذي اتخذ نطاقاً غير مسبوق، حيث تعتبر الأخبار المزيفة سلاح الحرب ضد الغرب، وفق التقرير، مشيراً إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عام 2016، أو الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث كان الحدثان موضوع حملات التدخل الرقمي الأجنبية على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. وكذلك الحال في فرنسا وقضية “تسريبات ماكرون”، قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، عام 2017.
التهديدات الروسية والصينية
ويتحدث التقرير البرلماني- الاستخباراتي عن روسيا باعتبارها جهة فاعلة مهمة في التدخل الأجنبي، عبْر تعيين زعماء أوروبيين سابقين في مجالس إدارة مجموعات روسية كبيرة، مثل رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق فرانسوا فيون، أو المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، والتلاعب بالمعلومات. وفي ما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة، يشير التقرير إلى أن إغلاق قناة “روسيا اليوم” و”وكالة سبوتنيك” في فرنسا “ساعدَ في تقليص نطاق حرب المعلومات الروسية”.
بالإضافة إلى روسيا، اعتبر التقرير البرلماني- الاستخباراتي أن الصين، وهي جهة فاعلة نشطة أخرى، تعتمد أسلوبها العملياتي المتمثل في “الجبهة المتحدة”، وهي “إستراتيجية سياسية، وشبكة من المؤسسات العامة والخاصة والأفراد الرئيسيين، الموضوعة تحت سيطرة الحزب الشيوعي الصيني”. يلعب الشتات الصيني (600 ألف شخص في فرنسا) دورًا مهمًا.
الدين رافعة النفوذ التركي
كما أن لدى تركيا، بحسب التقرير، ميولاً للتدخل بهدف “السيطرة على الشتات التركي، باعتباره ناقلاً لأفكار قوة أنقرة، أي المعادية للأكراد والأرمن”. كما أنها تسلط الضوء على “الممارسة الدينية”، وهي “وسيلة قوية لتعزيز الأيديولوجية السياسية”، وفق التقرير دائماً. ومن أساليب العمل الأخرى لتركيا، بحسب ما جاء في التقرير البرلماني، “الدخول في السياسة عبر المشاركة في الانتخابات المحلية والوطنية”، من خلال التواجد النشط على شبكات التواصل الاجتماعي لنشر رسائل معادية لنص قانوني، مثل النص المتعلق بالانفصالية في فرنسا.
انتقاد “سذاجة” القادة
ويأسف التقرير البرلماني- الاستخباراتي هذا لـ “سذاجة” المسؤولين المنتخبين وكبار موظفي، وأيضًا الشركات والدوائر الأكاديمية في مواجهة التدخل الأجنبي.. فخلال جلسة الاستماع، في فبراير، حذّرَ المدير العام للأمن الداخلي، نيكولا ليرنر، النواب وأعضاء مجلس الشيوخ من محاولات الاقتراب من عملاء المخابرات الأجنبية، وخاصة الروس، تحت غطاء دبلوماسي، للقيام بعمليات تجسس أو تدخل. ويحذّر التقرير، أخيرًا، من عمليات التجسس، بما في ذلك بين الحلفاء، والتي تم الكشف عنها أثناء قضية بيغاسوس.
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )