Share
  • Link copied

تقرير: السّياسات التِّي نُفِّذَت فِي مَجالِ منْعِ ومُكافَحَة الفسَاد ليسَت نَاجِعة

عقدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، صباح اليوم الخميس، ندوة صحفية عن بعد لتقديم تقريرها السنوي الأول برسم سنة 2019 والتقارير الموضوعاتية والتفصيلية.

وضع الفساد بالمغرب

فبخصوص وضع الفساد بالمغرب أظهرت نتائج دراسة تضمنها التقرير السنوي الأول برسم سنة 2019 أن  62 % من المؤشرات الأساسية التي لها أثر مباشر على الفساد توجد في وضعية مثيرة للقلق (18 مؤشر سلبيا جدا فيما يخص النقطة والرتبة زيادة على المنحنى التنازلي لتطورها).

وبإضافة حالتين سلبيتين إلى حد ما، نصل إلى مستوى %69 من المؤشرات التفصيلية ذات الأثر المباشر على الفساد، أي المتعلقة بالمجالات الأكثر تأثيرا على تنامي الفساد في المغرب؛

 من جهة أخرى، من بين المؤشرات الأساسية ذات الأثر المباشر، هناك مؤشر واحد فقط (1) يدخل في فئة الوضعيات الإيجابية جدا، وننتقل إلى اثنين (2) بإضافة المؤشرات الإيجابية إلى الإيجابية جدا. أي أقل من %47 في حين 19 مؤشرا تفصيليا مؤهلا يوجد في وضعية إيجابي و إيجابي جدا. إلا أنها في الغالب تدخل في فئة المؤشرات ذات الأثر غير المباشر بالنسبة لـ 12 من أصل 19، أي %63 من بين هذه الفئة الإيجابية.

وتمكن نتائج هذا التحليل حسب التقرير ذاته من تسليط الضوء على بعض الأسباب وراء الفجوة الموجودة بين الإنجازات والإجراءات التي تقوم بها السلطات العمومية لتقليص حجم الظاهرة عبر العديد من البرامج والمشاريع لمنع ومكافحة الفساد، من جهة، وبين إدراكات المواطنين وباقي الفاعلين التي ظلت سلبية إلى حد كبير، والتي تعتبر أن السياسات التي نفذت في هذا المجال ليست ناجعة، من جهة أخرى (استنادا مثلا إلى نتائج بارومتر الفساد في أفريقيا).

مؤشر إدراك الفساد

ومما جاء في التقرير أن المغرب خسر 7 درجات ليستقر في المركز 80 من أصل 180 دولة ، وفقا لمؤشر إدراك الفساد لسنة 2019، كما فقد نقطتين وانتقل من النقطة 43 على 100 سنة 2018 إلى النقطة 41 سنة 2019، وهي وضعية جعلته في مركز وسط ضمن تصنيف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) حيث يبلغ معدل التنقيط فيها 100 / 39 .

وأقر تقرير 2019 بأن هذه المنطقة لم تحرز تقدما ملموسا في تحسين مجهودات مكافحة الفساد، لكونها تواجه مشاكل فساد كبيرة، نتيجة غياب نزاهة سياسية، حيث يشكل مبدأ فصل السلط تحديا آخر، لكون الأنظمة القضائية المستقلة ذات القدرة على مراقبة السلطة التنفيذية قليلة أو غير فعالة أو شبه منعدمة، في مجموعة من دول هذه المنطقة.

وبذلك، يواصل المغرب تقديم وضع ملتبس على الرغم من تعدد المشاريع الإصلاحية وتوفره منذ أواخر 2015 على استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد. مما يبين أن التحديات أمامه لا تزال كبيرة.

تفاقم الفساد

خلص التقرير إلى أن مستويات الفساد عرفت خلال سنة 2019 منحى تصاعديا شمل حتى الدول المتقدمة التي فقدت عدة نقط في مؤشر ملامسة الفساد، وأكد المرتبة المتدنية للقارة الإفريقية ولمجموع الدول العربية في هذا المؤشر، کما کرس الوضع المتراجع للمغرب بخصوص هذه الآفة.

 ويبدو أن الإدراك العام بتفاقم الفساد خلال سنة 2019 ترجمته واقعيا مع الأرقام الصادمة التي أعلن عنها تقرير حديث صادر في دجنبر 2018 عن مجموعة الخضر بالبرلمان الأوروبي، والذي قدر التكلفة الباهظة للفساد بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي ب 904 مليار أورو في السنة.

 وهو مبلغ أكد هذا التقرير أن بإمكانه القضاء على المجاعة في العالم (229 مليار أورو)، وتوفير التعليم الأساسي لجميع أطفال 45 دولة ذات الدخل الضعيف والمتوسط (22 مليار أورو)، وكذا الماء الشروب والتجهيزات الطبية (129 مليار أورو)، إضافة إلى توفير العلاجات الصحية في الدول ذات الدخل المتوسط (115 مليار أورو).

مؤشرات ذات دلالة نسبية

وعلى العموم، إذا كانت مؤشرات الإدراك تشكل لحد الآن الآلية الأساسية لقياس انتشار الفساد في دول المعمور، والتي لم تستطع المنظمات المعنية لحد الآن أن تطور آليات أخرى بديلة عنها، فلا يعني هذا أن النتائج التي تمنحها هذه المؤشرات تعتبر قطعية، بل نسبية الدلالة، لكونها لا تستجلي ممارسة الفساد في حد ذاته بل تلامس تصور وإدراك الفئات المستهدفة إزاء هذه الممارسة لذلك، تبقى الهيئات المختصة مدعوة لتطوير تشخیص ظاهرة الفساد، بالاعتماد على آليات متجددة للتحليل الميداني، تنضاف إلى المؤشرات المعتمدة حاليا لملامسة الفساد، مع إيلاء الاهتمام الخاص لتوظيف آليات البحث العلمي والإحصائي، وتنمية تطبيق تكنولوجيا المعلوميات والبيانات الضخمة (big data) والذكاء الاصطناعي (intelligence artificielle) في مجال فهم وإدراك وتتبع ظاهرة الفساد.

 كما أن الحاجة تظل ماسة إلى تحقيق معرفة قادرة على إبراز التطور الحقيقي لمختلف أنواع الانحرافات المتعلقة بالفساد، ولمختلف أنشطة المصالح المكلفة بالتحريات، وللمعالجة التي تخصصها العدالة لذلك الانحراف، وكذا لقياس آثار ونجاعة المجهودات المبذولة لمكافحة الظاهرة.

وكلها أمور تظل رهينة بالعمل المؤسسي المختص في هذا المجال، خاصة بعد إصدار القانون الجديد للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وتفعيل مرصدها الذي سيضطلع بمهام التشخيص المعمق لظاهرة الفساد وتقييم السياسات والمجهودات المبذولة لمكافحته.

وتجدر الإشارة إلى أن التقرير السنوي الأول برسم 2019 صدر مصحوبا بمجموعة من التقارير الموضوعاتية والتفصيلية (بما مجموعه عشرة تقارير)، تروم تقديم ما تم القيام به في إطار الأوراش والدراسات والإنجازات التأسيسية للمرحلة المستقبلية لمكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية والحوكمة في البلاد، المبنية على مبدأ تقوية المؤسسات والتكامل والالتقائية، والتي تستهدف على الخصوص استيفاء الشروط المواتية لتمكين الهيئة من القيام، على الوجه الأمثل، بالدور المحوري المنوط بها، طبقا للمقتضيات الدستورية ذات الصلة.

وجاء إصدار هذه المجموعة من التقارير، حسب المصدر ذاته، في مرحلة مفصلية مليئة بالرهانات والتحديات في مجال مكافحة الفساد بالمغرب، تصب في اتجاه تهييء الشروط الموضوعية للانتقال نحو النموذج التنموي الذي دعا إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

Share
  • Link copied
المقال التالي