تشهد العلاقات بين الجزائر وتونس تحولات متسارعة، حيث باتت الجزائر تمارس نفوذاً متزايداً على جارتها الغربية، وذلك على خلفية التطورات السياسية الداخلية في كلا البلدين، والتغيرات الإقليمية التي يشهدها العالم العربي.
وأوضح مقال تحليلي، صادر عن مؤسسة”البيت الخليجي للدراسات والنشر”، ومقرها لندن، أن الجزائر بحكمها العسكري القوي، مارست ضغوطا واضحة على تونس عبر التدخل في شؤونها الداخلية، رغم تأكيد تبون أن بلاده “تتدخل بلطف بين الفرقاء في تونس دون انحياز لطرف معين”.
وذكر المقال، الذي جاء تحت عنوان: “هل تمارس الجزائر نوعا من الوصاية على علاقات تونس بالخليج”، أن الجزائر مارست ضغوطًا أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية ترجمها استقبال زعيم جبهة البوليساريو في تونس والحديث في روما عن حماية تونس.
وشددت المؤسسة، على أن تبون لا يتردد في التصريح بأنه يسعى إلى أن لا تنهار الدولة في تونس وكأنه يقدم نفسه كجدار منيع يمنع هذا السقوط مستشعرا “الامتداد الأمني بين تونس والجزائر” وتبادل “إيقاف الإرهابيين بين البلدين” بما يوحي بشكل واضح إلى تفوق قوة الجزائر العسكرية.
واستنادا إلى المصادر عينها، فإن هذه السطوة لا يمكن أن تكون منعزلة عن الإطار العام للعلاقات بين تونس والخليج، رغم اختلاف الأجندات والمصالح والمزاج العام في البلدين. بقي أن ننتظر في قادم الأيام كيف سيكون لسقوط نظام الأسد أثره في المنطقة برمتها بعد تحلل التحالفات القديمة.
وأشار التقرير، إلى أنه وعلى غرار تونس، استفادت الجزائر حين كانت تحت وطأة الاحتلال الفرنسي من دعم السعوديين، ودعمت الرياض الثورة الجزائرية منذ اندلاعها في العام 1954، وتبنت القضية الجزائرية، وعرضتها أمام الأمم المتحدة في العام 1956.
وتوترت العلاقات بين الرياض والجزائر بعد غزو الكويت في العام 1990 وعدم تنديد الجزائر بالاحتلال العراقي. من جانبها، عارضت الجزائر تدخل الناتو في ليبيا في العام 2011 لإسقاط نظام معمر القذافي، ولامت الخطوة الخليجية الداعمة للأطلسي.
ومن نقاط الخلاف الكبيرة بين الجزائر ودول الخليج ملف الصحراء الغربية، إذ لم تنجح الجزائر في استمالة دول الخليج لتغيير موقفها، فقد أكد مجلس التعاون الخليجي في أكتوبر 2024 في الكويت بأن قراراته ثابتة بشأن مغربية الصحراء وأمنه.
وقطريًا، ورغم الانزعاج من قناة الجزيرة، تحافظ الجزائر على علاقاتها بالدوحة مستفيدة من مخططات قطرية للاستثمار السياحي على الشريط الساحلي الجزائري وصناعة الدواء وإنتاج الأسمدة وتجفيف الحليب.
وكانت العلاقات بين الجزائر والإمارات في عهد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة متزنة وجيدة، ساب هذه العلاقات التوتر منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم بسبب الموقف الإماراتي الداعم لمغربية الصحراء الغربية وتطبيع المغرب مع إسرائيل وانضمامها إلى معسكر الإمارات المتقارب مع إسرائيل أو ما يعرف باتفاقيات أبراهام، تبع ذلك فتح الإمارات قنصلية لها في منطقة العيون بالصحراء الغربية.
وتغيب الرئيس الإماراتي عن القمة العربية في الجزائر في العام 2022 في تأكيد صريح على توتر العلاقات، وأصدر وزير النقل الجزائري نهاية نوفمبر 2024 تحذيرًا لمسؤولي البلاد من المرور بمطارات الإمارات وأجوائها وفق ما نشرته صحيفة العربي 21 في ديسمبر 2004 وهو منع يلخص ذروة التوتر بين البلدين.
واتهمت جهات جزائرية أبو ظبي بمد الرباط بأجهزة تجسس على الجزائر واختراق هواتف مسؤولين وصحفيين. ولأن الإعلام العمومي يلخص المزاج العام للنظام، اتهمت الإذاعة الجزائرية في ديسمبر 2023 الإمارات بتمويل حملات هدفها تشويه دور الجزائر في الساحل الأفريقي وإفساد العلاقات بين الجزائر ومالي والنيجر. وكانت مالي قد انسحبت بالفعل من اتفاقية الجزائر مطلع هذا العام متهمة الجزائر بالتدخل في شؤونها وبدعم الجماعات المسلحة الانفصالية.
واتهم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أبريل 2024 دولة عربية لم يسمها بتوظيف أموالها “في بؤر التوتر في العالم” في إشارة إلى الإمارات. وقال تبون “في كل الأماكن التي فيها تناحر دائما مال هذه الدولة موجود. في الجوار، مالي وليبيا والسودان. نحن لا نكن عداوة لأحد، لأننا محتاجون إلى الله -عز وجل- وإلى الجزائري والجزائرية. نتمنى أن نعيش سلميا مع الجميع، ومن يتبلى علينا فللصبر حدود”.
وفهم الجميع هذا الإيحاء بأن الدولة المقصودة هي الإمارات. وفي يونيو 2024 التقى تبون برئيس الإمارات محمد بن زايد على هامش قمة الدول الصناعية السبع في إيطاليا، ظهر بن زايد يهمس في أذن تبون والأخير يشد على يده.
لكن التصعيد سبق هذه الحادثة، في العام 2022 عارضت الإمارات تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم مبعوثا أمميًا إلى ليبيا خشية تحقيق تقارب بين السعودية ومصر من جهة والجزائر من جهة أخرى. ويلخص الخلاف بشأن تعيين بوقادوم تناقض الموقفين الإماراتي والجزائري من السلطات الحاكمة في ليبيا، فأبوظبي تدعم المشير خليفة حفتر فيما تدعم الجزائر حكومة الوفاق السابقة.
وتلقف الإعلام الجزائري هذا الخلاف، فنشرت جريدة الخبر في ديسمبر 2023 تقريرا عنوانه “الشر القادم من الإمارات إلى الجزائر والسودان” وسط حديث عن تدفق المخدرات من ليبيا إلى الجزائر تحت مظلة إماراتية.
ورغم الاتصال الإماراتي لتهنئة تبون بإعادة انتخابه رئيسا للجزائر في سبتمبر الماضي لم تهدأ النزاعات، بل شنت الصحافة الجزائرية هجومًا على الإمارات، ووصفت صحيفة الخبر السفير الإماراتي بأنه شخص غير مرغوب به، بل “شرير” متهمة أبوظبي بالتآمر.
وأشارت مؤسسة”البيت الخليجي للدراسات والنشر”، إلى أن اللافت أنه ورغم الصدع السياسي والدبلوماسي، تحافظ الإمارات على موقعها في الجزائر كأول مستثمر خليجي بحجم استثمارات يبلغ 661 مليون دولار في مجال تجميع العربات العسكرية والطاقة.
تعليقات الزوار ( 0 )