شارك المقال
  • تم النسخ

تقرير: أَزْمة الكَركرات والسِيناريُوهات المحتمَلة لمستَقبل قضيّة الصّحراء المغربية

نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تقريراً عن “أزمة الكركرات وسيناريوهات مستقبل قضية الصحراء”، خلص في محصلته إلى أن تداعيات أزمة الكركرات الأخيرة أدت إلى تكريس وضع جديد في الصحراء، يتمثل بتجاوز الجيش المغربي الجدار الرملي وفرض أمر واقع جديد.

وأضاف التقرير، أن القوات المغربية لم تكتفي بتأمين التنقل عبر المعبر، بل استكملت تعبيد الطريق الدولية بين الكركرات والحدود الموريتانية. وقد يؤدي هذا الأمر تدريجيًا إلى حضور القوات المغربية حضورًا دائمًا على طول هذه الطريق لتأمين حركة التنقل، ومحاربة تهريب المخدرات، والجريمة المنظمة التي كانت منتشرة في هذه المنطقة.

كما خلص التقرير إلى إبراز ثلاثة سيناريوهات لتطور الأحداث في الصحراء بعد أزمة الكركرات.

السيناريو الأول: حدوث تصعيد متدرج بين الطرفين يؤدي إلى صدام عسكري

يتمثل هذا السيناريو بحدوث تصعيد متدرج بين الطرفين يؤدي إلى صدام عسكري، كأنْ تشنّ جبهة البوليساريو هجمات عسكرية على مواقع القوات العسكرية المغربية، سواء في ممر الكركرات أو غرب الجدار الرملي وشماله، ويردّ المغرب بهجوم واسع، ويوسّع حضوره العسكري جنوب الجدار وشرقه.

وفي هذه الحالة، لن تقبل البوليساريو هذا الرد غير المتناسب على هجماتها المحدودة، لأن الرد المغربي سيعتبر تغييرًا جوهريًا للوضع القائم، وستدخل المنطقة مرحلة من الهجمات العسكرية المتبادلة التي قد تكون متفرقة في الزمان.

لكن هذا الخيار يظل غير مرجح، ولا يخدم مصلحة أي طرف من أطراف النزاع. فعلى الرغم من المأزق الذي تعانيه البوليساريو خلال السنوات الأخيرة، سواء بسبب تأزم الوضعية الاجتماعية في مخيمات تندوف أو تراجع الدعم الدولي السياسي والمالي لها، فإنها لا تملك القدرات التي تستطيع أن تجابه بها المغرب عسكريًا.

وأيّ مواجهة عسكرية، لا سيما في المنطقة الموجودة جنوب الجدار الرملي وشرقه، سوف تكون نتائجها سلبية بالنسبة إلى جبهة البوليساريو، ولذلك فهي لن تغامر بتبنّي هذا الخيار. كما أن الوضع العام في الجزائر لا يشجعها على الدخول في نزاع مع المغرب، حتى إنْ كان بشكل غير مباشر.

لذلك، يظل هذا السيناريو مستبعدًا، إلا إذا حدث خطأ كبير في سوء التقدير من أحد الأطراف يؤدي إلى انفلات الوضع. ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيبذلان جهدًا لإقناع الأطراف المعنية بوقف إطلاق النار، لأن أيّ انهيار في الوضع العسكري في المنطقة ستكون له انعكاسات اقتصادية وأمنية على أوروبا.

 السيناريو الثاني: فرض المغرب واقعًا جديدًا في الميدان

يتمثل هذا السيناريو بأن يفرض المغرب واقعًا جديدًا في الميدان، وذلك بتكريس وجوده العسكري الدائم جنوب الجدار وشرقه، لا سيما على طول المعبر التجاري من الكركرات إلى الحدود الموريتانية لتأمين تنقّل المركبات. وقد تخضع البوليساريو تدريجيًا لهذا الواقع الجديد، لا سيما مع التفوق العسكري المغربي، ولخشيتها أيضًا من تعميق حالة الانعزال التي تعانيها خلال السنوات الأخيرة.

فقد جدّد المغرب ترسانته العسكرية خلال العقدين الأخيرين بشكل كبير نوعيًا وكميًا. وربما لا يشجعه هذا التفوق العسكري على ردع البوليساريو عن شن هجمات فحسب، بل على توسيع حضوره العسكري أيضًا في الميدان جنوب الجدار الرملي وشرقه.

ولا تستطيع البوليساريو أن تشنّ هجمات فعّالة ضد القوات المغربية، لا سيما أنّ المنطقة الموجودة جنوب الجدار وشرقه أصبحت تحت المراقبة المغربية الكاملة بالأقمار الاصطناعية. وهذا ما يستبعد احتمال شنّ البوليساريو هجمات على القوات العسكرية المغربية في شكل حرب العصابات التي لم تعد مجدية الآن في المنطقة، نظرًا إلى ما حصل عليه المغرب خلال العقدين الأخيرين من أسلحة متطورة ومضادة لهذا النوع من الحروب.

وما يعزز احتمالية هذا السيناريو أنّ المغرب ليس من مصلحته هو أيضًا الدخول في حرب مع البوليساريو، ولا يريد خلخلة الوضع القائم بشكل جوهري لصالحه. بل يمكن أن يستغل الفرص التي تتيحها له أخطاء البوليساريو ليفرض وقائع جديدة في الميدان تدريجيًا، ومن دون قتال.

ولا يتعارض هذا السيناريو الثاني مع إمكانية استئناف المفاوضات بين الطرفين تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، لكن سيكون من الصعب إقناع البوليساريو بذلك؛ لأنها ستشعر بالضعف أمام ما سيكون المغرب قد حقّقه من مكاسب ميدانية.

ورغم واقعية هذا السيناريو وإمكانية حدوثه، فإن المغرب سيكون حريصًا على التحكم في ردوده العسكرية، لأن من شأن أيّ ردّ، حتى إنْ كان متناسبًا، أن يؤدي إلى انهيار الوضع القائم. ونظرًا إلى محدودية المكاسب السياسية والعسكرية التي قد يحققها المغرب من خلال هذا السيناريو، مع احتمال نشوب حرب، فإن هذا الخيار يظل غير مثالي بالنسبة إلى كلٍّ من المغرب والبوليساريو.

 السيناريو الثالث: استمرار الوضع الحالي كما هو من دون أيّ تصعيد ميداني

يتمثل السيناريو الثالث باستمرار الوضع الحالي كما هو من دون أيّ تصعيد ميداني. قد تكون هناك تحركات مدنية وسياسية للبوليساريو جنوب الجدار الرملي وشرقه، مع إصدار بعض البيانات، لكن من دون أن يصاحب ذلك تحركات عسكرية، ثم تهدأ الظروف تدريجيًا لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل أزمة الكركرات الأخيرة.

بتعبير آخر، سيعود الوضع في هذا السيناريو إلى الحالة التي سادت منذ بداية سريان اتفاق إطلاق النار. وقد تسجل بعض الخروقات للاتفاق العسكري رقم 1، لكنها ستكون انتهاكات غير جوهرية ولن تؤدي إلى مشاكل كبرى.

وما يعزز واقعية هذا السيناريو أنّ من مصلحة كل الأطراف (المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا) أن تحافظ على الأمر الواقع، وعدم تغييره جذريًا، وأن تسير في النهج ذاته الذي بدأ بعد انتهاء حرب الرمال في عام 1963، وتكرَّسَ بعد وقف إطلاق النار في عام 1991.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي