قال معهد “مانوهار باريكار للدراسات والتحليلات الدفاعية” في نيودلهي (MP-IDSA) إن أنشطة تنظيم القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي تتزايد بشكل كبير، مستلهمةً أساليب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لاسيما في مالي وبوركينا فاسو، وذلك من خلال الاعتماد على فروع قوية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (جنيم).
واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن هذا التوجه يأتي بهدف تعزيز جاذبيتها الأيديولوجية وتجديد ريادتها في المشهد الجهادي العالمي، رغم أن داعش لا تزال التنظيم الإرهابي الأكثر دموية للعام التاسع على التوالي.
وفي ظل التوترات الجيوسياسية العالمية المتصاعدة، بما في ذلك المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، والنزاعات المتفاقمة في غرب آسيا وأوكرانيا، والرفض القوي للتواجد العسكري الأجنبي، فإن المناطق الساخنة للإرهاب مثل الساحل ستواجه على الأرجح المزيد من عدم الاستقرار، ومن شأن هذه العوامل أن تخلق بيئة مواتية للتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وفروعها لارتكاب مزيد من العنف.
وأضاف تقرير المعهد، أن تدهور الظروف الأمنية تزامن مع التجاوب الفاتر من جانب الجونتات العسكرية الإقليمية تجاه التحديات الأمنية، فلم تترجم هذه الأنظمة خطابها وبياناتها في المحافل الدولية إلى إجراءات ردع فعالة ضد الأنشطة المرتبطة بالإرهاب.
انهيار الأمن في منطقة الساحل
وتمثل الأوضاع الإقليمية تحديات معقدة، فقد أدت الأنشطة الجهادية التي غرقت بوركينا فاسو في عدم الأمن الشديد منذ غشت 2015 إلى زعزعة استقرار بلدها المجاور، مالي. ووفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024، تعد بوركينا فاسو ومالي أول وثالث أكثر البلدان تأثراً بالأنشطة المرتبطة بالإرهاب، على التوالي.
وبالإضافة إلى ذلك، مع وقوع 26% من جميع الحوادث المرتبطة بالإرهاب ونحو 50% من جميع الوفيات العام الماضي بسبب هذه الحوادث، فقد حل الساحل محل غرب آسيا وشمال إفريقيا كأكثر المناطق تأثراً بالإرهاب.
ولم يتعدى الإعلان الذي أصدره قادة جيوش بوركينا فاسو والنيجر ومالي في غشت 2024 عن إنشاء قوة عمل، وهي تحالف دول الساحل، لمواجهة التهديد الإرهابي الذي يضرب بلدانهم، إلى إصدار بيانات كلامية حتى الآن.
ولا توجد حتى الآن وضوح بشأن مواصفات الولاية والأهداف قصيرة وطويلة الأجل والالتزامات الملزمة والاستراتيجية، وفي الوقت نفسه، وجدت مجموعات المرتزقة مثل واغنر أو فيلق أفريقيا، التي تم نشرها بهدف استقرار دول الساحل، أنها عاجزة عن التصدي للهجمات التي شنها التنظيمات الإرهابية في الآونة الأخيرة.
وتشير هذه الاتجاهات إلى صلة الإنذارات التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في بداية هذا العام، فقد جادل بأن “النزاعات المحلية والهشاشة” تم “استغلالها” من قبل التنظيمات الإرهابية مثل “داعش والقاعدة وفروعها”، مما حول إفريقيا إلى “مركز عالمي للإرهاب”.
مالي وبوركينا فاسو: بؤرتا الإرهاب في منطقة الساحل
وفي غشت 2024، أسفر كمين من قبل المتمردين الطوارق (ربما الآن في تحالف مع جنيم) عن مقتل 47 ضابطاً مالياً و84 ضابطاً من فاغنر، وفي ماي 2024، بدأ قادة حركة المتمردين الطوارق في بذل جهود لتوقيع اتفاق عدم اعتداء مع جنيم.
ولقي أكثر من 70 شخصاً حتفهم وأصيب ما لا يقل عن 200 آخرين بجروح بعد أن استهدف جنيم مواقع حيوية مثل مدرسة فالادي للدرك (مدرسة عسكرية نخبوية في باماكو) وقاعدة عسكرية بالقرب من المطار في سبتمبر من هذا العام.
وتمثل الهجمات التي وقعت في شتنبر في مالي تصعيدًا كبيرًا من جانب التنظيمات الإرهابية، حيث تمثل حملتها المتجددة ضد النظام، ويعزى ذلك إلى أنه يمكن اعتبارها أول هجوم كبير لجنيم داخل العاصمة منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
علاوة على ذلك، في أكتوبر 2024، أصدر طلح أبو هند، أمير جنيم، رسالة يحذر فيها الحكومة المالية ومجموعات المرتزقة الروسية من هجمات أكبر في أعقاب الهجمات الانتحارية على مطاري غاو وتيمبوكتو العسكريين.
وفي الآونة الأخيرة، تعرض النظام العسكري في بوركينا فاسو لضربة كبيرة في محاولاته للقضاء على التهديد الجهادي في البلاد بعد حوالي عامين من الانقلاب الذي وقع في سبتمبر 2022، حيث أطلق مسلحون مرتبطون بالقاعدة النار على مئات المدنيين في غشت 2024.
ويشير الهجوم المستهدف المذكور أعلاه إلى كيفية تقويض الانقلاب، الذي شرع فيه مخططوه باعتباره وسيلة للتعامل بشكل أكثر فعالية مع المشكلات المتعلقة بالإرهاب مقارنة بالحكومة المدنية.
وفي الشهر نفسه، وفي الفترة السابقة لهذا الهجوم القاتل، وقع حادثان آخران على الأقل في بوركينا فاسو، نسبا إلى جنيم. وفي 8 غشت 2024، تعرض قافلة عسكرية في الجزء الشرقي من البلاد لهجوم بعد أن نصب لها جنيم كمينًا، مما أجبر الجنود على ترك مئات الأسلحة المخصصة للاستخدام الرسمي. بالإضافة إلى ذلك، خلال الشهر نفسه، قتل جنيم أكثر من 400 قروي غير مسلح بشكل عشوائي.
وفي حين أن البلاد سجلت أكثر من 20 ألف ضحية مرتبطة بالإرهاب على مدار السنوات التسع الماضية، فقد شهد عام 2024 وحده حوالي 3800 حالة وفاة، لذلك، ليس من المستغرب أن تكون الاشتباكات العادية أو الهجمات المستهدفة المنهجية التي نفذها جنيم قد تركت القوات المسلحة أو السكان المدنيين في البلاد في وضع ضعيف.
وعلى الرغم من وجود منظمتين إقليميتين كبيرتين في إفريقيا، بما في ذلك الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والاتحاد الأفريقي، فإن التدخل الإقليمي الإيجابي لتقوية حملة مكافحة الإرهاب في دول الساحل تبدو غير محتملة. ولا سيما أنه لم يكن هناك ما يشير إلى أن المنظمة الإقليمية – إكواس – ستوسع ولايتها لتشمل المسائل الاقتصادية والسياسية التي تنظر فيها.
وقد أدت الانقلابات التي وقعت في بوركينا فاسو ومالي، وخروجها اللاحق من المنظمة إلى جانب فرض العقوبات التي فرضتها الدول الأعضاء، إلى حدوث شقاقات داخلية وتقويضها من الداخل. وستحتاج الدول الأعضاء في إكواس إلى تسوية قضايا مثل توسيع الولاية لتشمل جهود مكافحة الإرهاب.
وفي الوقت نفسه، يبدو الدعم الإقليمي، المدعوم من الاتحاد الأفريقي، من الناحية العسكرية إلى الساحل بعيد المنال، ويعزى ذلك إلى تحديه في جمع استراتيجية إقليمية موحدة لمكافحة الإرهاب (خاصة في ظل المناخ المستقطب بشكل متزايد).
وينشأ التحدي بسبب التنافس في المصالح والنزاعات بين الدول أو القيود المفروضة على نشر قوة الانتظار الأفريقية (ASF) في بوركينا فاسو أو مالي.
وحسب المبادئ التوجيهية، يمكن نشر ASF، إلى جانب حالات جرائم الحرب أو الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية، في بلد “بناءً على طلب دولة عضو لاستعادة السلام والأمن، وفقًا للمادة 4 (هـ) و 4 (ج) من ميثاق الاتحاد الأفريقي”. ومع ذلك، فإن نشرها في مالي أو بوركينا فاسو، بالنظر إلى الصرخة الإقليمية ضد الانقلابات الأخيرة، يبدو غير محتمل في الوقت الحالي.
وأشار تقرير المعهد إلى أن أحد أكبر المساهمين في إفريقيا في المهام المنتشرة في بلدان أخرى متأثرة بالإرهاب مثل الصومال، ولا سيما إثيوبيا، يعاني من الصراعات الداخلية والإقليمية (بما في ذلك في أمهرة) ويقلل من قوته حتى في الصومال.
تعليقات الزوار ( 0 )