كشف تقرير أمريكي صدر أخيرا، أنه في الأشهر المقبلة، سيعطي المغرب الأولوية لاستقبال الاستثمارات الأجنبية وتطوير الصناعات في منطقة الصحراء المغربية، في حين ستحاول الجزائر التقليل من أهمية النزاع الإقليمي في ارتباطاتها الخارجية لتحسين شراكاتها الثنائية.
وقرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يوم أمس (الثلاثاء)، تمديد ولاية بعثة المينورسو لمدة عام، مجددا تكريس سمو المبادرة المغربية للحكم الذاتي من أجل طي النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
وأكد تقرير معهد “ستراتفور” الأمريكي للدراسات الاستراتيجية والأمنية، تحت عنوان “استراتيجيات المغرب والجزائر المتطورة في الصحراء”، أن قرارت المجلس، تأتي وسط إحباط الأمم المتحدة من جبهة البوليساريو، وهي جماعة صحراوية مسلحة مدعومة من الجزائر.
كما تشعر الأمم المتحدة، بحسب التقرير، بالإحباط تجاه الديبلوماسية الجزائرية بسبب تدخل البلاد المزعوم في عمليات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية التي تشرف على التحول السياسي في المنطقة وعملية المائدة المستديرة المتوقفة.
وأشار التقرير إلى أنه ورغم تعثر التحرك لإجراء الاستفتاء، فإن المناقشات حول مستقبل بعثة المينورسو والخطط القابلة للتطبيق لتحقيق تقدم سياسي تأتي في وقت يتزايد فيه الدعم الدولي لخطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء، والتي تقترح منح الشعب الصحراوي الأصلي الحكم الذاتي مع الحفاظ على سيادة المغرب.
وذكر تقرير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نُشر في 3 أكتوبر أن الوضع في الصحراء “لا يزال يتسم بالتوترات والأعمال العدائية منخفضة الحدة بين المغرب وجبهة البوليساريو”، وأن هذا “أدى إلى توترات كبيرة”، مما جعل التحديات التي تواجه عمليات بعثة المينورسو صعبة، لا سيما جهودها اللوجستية وجهود إعادة الإمداد.
وأشار رئيس بعثة الأمم المتحدة ألكسندر إيفانكو إلى صعوبات في التحرك في المنطقة الواقعة شرق الجدار الرملي الخاضعة لسيطرة جبهة البوليساريو، ونتيجة لذلك، تم نقل بعثة المينورسو الآن إلى ممرات طولها 20 كيلومترًا في الأراضي التي تسيطر عليها جبهة البوليساريو، ولا يمكنها إجراء عمليات المراقبة باستخدام طائرات الهليكوبتر الاستطلاعية.
ووفقا للمصدر ذاته، فقد حصل المغرب على دعم دولي متزايد لخطته للحكم الذاتي في الصحراء المغربية في السنوات الأخيرة، وفي الوقت نفسه، أدى دعم الجزائر لمسلحي جبهة البوليساريو في المنطقة إلى توتر علاقاتها الخارجية.
وشدد التقرير الأمريكي، على أن الحصول على الدعم لخطة الحكم الذاتي للصحراء المغربية يعد عنصرا حاسما في استراتيجية السياسة الخارجية للمغرب لتعزيز شرعيته الدولية في المنطقة المتنازع عليها.
وكان أحد الإنجازات المهمة لتحقيق هذه الغاية هو تحرك الولايات المتحدة للاعتراف رسميًا بالسيطرة المغربية على الصحراء في دجنبر سنة 2020 مقابل موافقة الرباط على استئناف العلاقات مع إسرائيل.
وبعد ذلك، في مارس 2022، أعلنت إسبانيا -الدولة التي تربطها علاقات تاريخية بالمنطقة- دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء في محاولة لإصلاح العلاقات بين البلدين في أعقاب الخلاف الدبلوماسي الذي دفع المغرب إلى وقف إنفاذ الهجرة غير الشرعية.
وفي عام 2021، قطعت الجزائر رسميا علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بعد أن أعلنت الولايات المتحدة أنها ستعترف بمطالبات الرباط الإقليمية في الصحراء، بالإضافة إلى ذلك، بعد أن دعمت إسبانيا خطة الحكم الذاتي المغربية بعد سنوات من الحياد بشأن قضية الصحراء، علقت الجزائر معاهدة الصداقة التي وقعتها مع مدريد في عام 2002 وفرضت عقوبات على الواردات الإسبانية.
وفي دجنبر 2020، أكد البيت الأبيض والديوان الملكي المغربي أن إسرائيل والمغرب قررتا إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وكجزء من اتفاق التطبيع، قالت الولايات المتحدة إنها ستعترف أيضًا بـ”السيادة الكاملة” للمغرب على الصحراء الغربية.
استثمارت ضخمة في الصحراء المغربية
وأورد التقرير، أن المغرب سيستفيد من الدعم الدولي المتزايد لخطة الحكم الذاتي الخاصة به لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى الصحراء الغربية، وبالتالي تنمية اقتصاد المنطقة الغنية بالموارد وقطاع التعدين.
ومع تزايد الدعم الدولي لمطالباته بالصحراء، سيسعى المغرب استراتيجيا إلى إيجاد سبل لتعزيز شرعية سيطرته على المنطقة، بما في ذلك من خلال الاستثمار الأجنبي، ومن خلال جذب الاستثمارات إلى الصحراء وتعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة.
وفي إطار هذا الجهد، وضع المغرب أيضًا خططًا لمشاريع الطاقة المتجددة في الصحراء والتي من المتوقع أن يتم دعمها باستثمارات أجنبية، علاوة على ذلك، يخطط المغرب للاستثمار في تعدين الفوسفات وتنمية مصايد الأسماك لتنمية اقتصاد الصحراء وتصدير مواردها.
وقامت العديد من الدول التي دعمت السيادة المغربية في الصحراء بفتح أو الإعلان عن خطط لفتح قنصليات في العيون والداخلة، أكبر مدينتين في الصحراء الغربية التي يسيطر عليها المغرب، مما يزيد من دمج الدعم الدولي مع التنمية الإقليمية.
ومع نمو الاستثمار في المنطقة، من المرجح أن تستمر جبهة البوليساريو في شن هجمات مستهدفة معزولة لتعطيل وتأخير وإعاقة مبادرات التنمية في المغرب، إلا أن تأثير هذه الهجمات سيكون محدودا نظرا للترسانة العسكرية المغربية المتقدمة واعتماد جبهة البوليساريو على أسلحة قديمة.
وفي فبراير 2023، أعلنت الحكومة المغربية عن خطط لاستثمار ما يقرب من 2 مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة في منطقة الصحراء الغربية.
ومنذ التسعينيات، قام المغرب بتطوير الصناعات السمكية في المدن الساحلية، وخلال تلك الفترة، انخرط المغرب أيضًا في اتفاقيات تعاون في مجال الصيد مع الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء البلاد.
قرابة 30 دولة ومنظمة إقليمية افتتحت قنصليات عامة لها في مدينتي العيون والداخلة
ويرى التقرير، أنه بينما لا تزال الجزائر تقدم الدعم لجبهة البوليساريو، فمن المرجح أن تحول الجزائر أولويات سياستها الخارجية بعيداً عن الصحراء الغربية للتركيز على علاقاتها الثنائية وشراكاتها الرئيسية.
وفي النزاع الدائر حول الصحراء الغربية، جاء دعم الجزائر لجبهة البوليساريو بتكلفة مالية ضئيلة، لكن كان له سمعة كبيرة وتداعيات دبلوماسية، حيث ترغب الحكومة الجزائرية في توسيع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي في إطار مساعي الرئيس عبد المجيد تبون لتأسيس بلاده كقوة إقليمية.
ولكن للقيام بذلك بنجاح، سيتعين على الجزائر تجنب تحويل دعمها لجبهة البوليساريو إلى قضية مثيرة للجدل، حيث أدت مسألة السيادة على الصحراء الغربية إلى تقسيم البلدان الأعضاء داخل هذه المنظمات الإقليمية الثلاث.
ومن أجل إعطاء الأولوية لتطوير الشراكة الفعالة في سياستها الخارجية، ستحتاج الجزائر بالتالي إلى تقليل تركيزها على قضية الصحراء الغربية، لكن بالنسبة للجزائر، فإن الخروج عن موقعها الطويل في الصحراء من شأنه أن يخاطر بالإضرار بشرعيتها المحلية من خلال النظر إليها على أنها تستسلم للمغرب في المنافسة المستمرة على السلطة بين البلدين.
وبالتالي، في حين أنها قد تقلل من شأن النزاع الإقليمي في الخارج في جهودها لتعزيز مكانتها الدبلوماسية وتعزيز العلاقات الإقليمية الجديدة، ستستمر الجزائر في تقديم الدعم المادي والسياسي لجبهة البوليساريو.
ومضى التقرير بالقول، إن الجزائر، في عهد الرئيس تبون، عملت الجزائر على تحسين علاقاتها مع مصر، وكذلك علاقاتها مع دول منطقة الساحل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأعضاء الاتحاد الأفريقي، الذين أعرب العديد منهم عن دعمهم لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء.
وخلص تقرير معهد “ستراتفور” الأمريكي للدراسات الاستراتيجية والأمنية، إلى أن الخلاف بين الجزائر وإسبانيا أثر عكسيا على النظام العسكري الحاكم بشكل كبير وعلى اقتصادها خلال العام الماضي من خلال حرمان الجزائر من إيرادات مالية ضخمة بسبب سياساتها العدائية.
تعليقات الزوار ( 0 )