سلطت وكالة الاستخبارات الجيوسياسية الألمانية، المعروفة اختصارا بـ (gisreportsonline)، يوم أمس (الثلاثاء) في تقرير تابعته جريدة “بناصا” الإلكترونية وترجمته، الضوء على الإصلاحات الاقتصادية والسياسية متعددة الأوجه التي نهجتها المملكة المغربية في عهد الملك محمد السادس مقارنة ببعض دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وبحسب التقرير، فإنه وخلال العقدين الماضيين، شهد المغرب إصلاحات شاملة على الصعيدين السياسي والاقتصادي والدولي. وعلى الرغم من المخاطر التي تهدد النمو والاستقرار، فإن البلاد في وضع يمكنها من ترسيخ مكانتها كقوة وسطى، ومع ذلك، فإن النظام الحاكم الفريد في المغرب يجعل استراتيجيته صعبة التقليد بالنسبة لجيرانه.
طريق الإصلاح
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اجتاحت موجة الاحتجاجات المعروفة باسم “الربيع العربي” المغرب والشرق الأوسط، وكشفت هذه الاحتجاجات عن هشاشة العقود الاجتماعية (مع وجود اختلافات كبيرة) إلى جانب السلطوية السياسية، ومستويات الفساد العالية، والاقتصادات المدعومة بشكل كبير.
وقد أسفرت الانتفاضات عن نتائج مختلفة، بما في ذلك حربًا أهلية في ليبيا وتغييرات في القيادة في مصر وتونس، ومع ذلك، وفي حين تم الترحيب بالثورة التونسية، التي سميت بثورة “الياسمين”، باعتبارها أفضل أمل للربيع العربي، فإن حالة المغرب، حيث نفذت الحكومة إصلاحات سياسية واقتصادية جوهرية استجابةً لحركة 20 فبراير، تقدم دروسًا مثيرة للاهتمام.
المغرب: نموذج إصلاحي فريد
ولم تكن الثورات الناجمة عن نقص الضروريات جديدة في المغرب، فقد اندلعت أعمال الشغب المعروفة باسم “أعمال الشغب الخبزية” في الدار البيضاء عام 1981 بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ثم استجابت الحكومة بالإصلاحات الاقتصادية التي تم تنفيذها في عام 1983، سعياً إلى تقليل العجز في الميزانية، وتعزيز الصادرات، وتخفيض قيمة العملة الوطنية، وقد نجحت هذه التدابير في تخفيف التضخم والمشاكل الاجتماعية المرتبطة بها في البلاد، خاصة بالمقارنة بجيرانها.
وعندما خرج العديد من المغاربة مرة أخرى إلى الشوارع في 20 فبراير 2011، مطالبين بشكل أساسي بالتغيير السياسي، امتنعت الحكومة عن استخدام العنف على نطاق واسع في الاستجابة.
وقام الملك محمد السادس، الذي يحكم منذ عام 1631، بتسهيل مسار سلمي نحو الإصلاح من خلال إعلان سلسلة من الخطوات السياسية والمؤسسية، بما في ذلك مشروع دستور جديد، الذي تم اعتماده في استفتاء في يوليو 2011.
الإصلاحات السياسية والاقتصادية
وهدفت الإصلاحات إلى معالجة المطالب الديمقراطية، وتضمنت التزامات بتعزيز استقلال القضاء، ومكافحة الفساد، وحماية الحريات، بما في ذلك المساواة بين الجنسين والاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية. وقد قوبلت التغييرات بموافقة ساحقة، لكن بعض النشطاء اعتبروا أن دور الملكية لم يتراجع بما فيه الكفاية.
النمو الاقتصادي والتحديات
وعلى الرغم من عدم الاستقرار الإقليمي، شهد الناتج المحلي الإجمالي للمغرب نمواً إجمالياً ملحوظاً بنسبة 27 في المائة من عام 2010 إلى عام 2018. وخلال هذه الفترة، زاد الاستثمار الأجنبي المباشر، وتوسع الطبقة الوسطى من 53 في المائة من السكان في عام 2012 إلى ما يقرب من 62 في المائة في عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، ظل معدل التضخم منخفضًا ومستقرًا نسبيًا.
ومع ذلك، استمرت البلاد في مواجهة تحديات مع نمو ضعيف ومعدلات بطالة مرتفعة باستمرار، خاصة بين الشباب. وأبرزت هذه القضايا الحاجة إلى تكملة التعديلات في الحكم بالإصلاحات الاقتصادية الهيكلية لضمان التنمية المستدامة وخلق فرص العمل.
النموذج التنموي الجديد
وفي أكتوبر 2017، دعا الملك محمد السادس لأول مرة إلى إعادة تقييم نموذج التنمية في المغرب ومواءمته مع الاحتياجات المتطورة للبلاد. وفي خطاب لاحق أمام البرلمان، حث الملك محمد السادس اللجنة الخاصة بنموذج التنمية، التي تم إنشاؤها في عام 2019، على إعداد “تقرير واقعي” عن الوضع، حتى لو كان ذلك “يعني الدخول في مناطق غير مستكشفة أو التسبب في زلزال سياسي”. وأكد محمد السادس على أهمية الابتكار في خلق “حلول مخصصة” لتلبية احتياجات وتطلعات المواطنين المغاربة.
وأطلق النموذج التنموي الجديد رسميًا في أكتوبر 2021 بعد الموافقة البرلمانية، وهدف المشروع إلى معالجة مشاكل أساسية مثل عدم القدرة على المنافسة في الاقتصاد، وتنسيق سياسة الحكومة والأهداف بشكل سيئ، ومركزية القرارات، واللوائح غير الفعالة، وانخفاض الثقة العامة في نظام العدالة.
أركان النموذج التنموي الجديد
وتم هيكلة الحلول، المستنيرة بالتشاور المكثف مع المواطنين وأصحاب المصلحة في جميع أنحاء البلاد، حول أربعة أركان أساسية: تعزيز الإنتاجية الاقتصادية وتنويع الاقتصاد، والاستثمار في رأس المال البشري وتنمية المهارات، وتعزيز الاندماج الاجتماعي وتقوية الروابط المجتمعية، ثم لامركزية السلطة والموارد إلى المناطق، كما هو منصوص عليه في الدستور.
إزالة الدعم
ومع ذلك، فإن عائقًا كبيرًا في طريق النمو ظل قائماً: نظام الدعم المستمر والمكلف في المغرب، على سبيل المثال، كانت الدعم المقدمة للغاز المسال موجودة منذ الأربعينيات.
وفي عام 2012، بلغت تكلفة الدعم ذروتها عند 6.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مبلغ أكبر من إجمالي ميزانية الاستثمار للبلاد في ذلك العام. وقد تبنت الرباط استراتيجية تدريجية لتحل محل هذه الدعم بنقلات نقدية مباشرة. وتم تخفيض الدعم عن الوقود في عام 2015، وفي مايو 2024، بدأت الحكومة في إزالة الدعم عن الغاز الطهي.
منافع المغرب
واستنادا إلى التقرير الألماني، فقد حقق المغرب تقدماً كبيراً بفضل سعيها الإصلاحي، وقد أدت السياسات الصناعية للرباط (مثل خطة الطوارئ الصناعية لعام 2009 وخطط تسريع الصناعة لعامي 2014-2020 و2021-2025) والنموذج التنموي الجديد إلى خلق بيئة اقتصادية ديناميكية.
وساهم ذلك في تحسين جاذبية البلاد للاستثمار، خاصة في قطاعي السيارات والفضاء، كما أدى عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2017 إلى زيادة الاستثمارات في قطاعات السلع الأساسية والإنشاءات في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء.
وأسهمت الإصلاحات التنظيمية أيضًا في تحسين مناخ الأعمال، مما ساهم في تقليل عدم اليقين والتكاليف، كما أن إنشاء مناطق صناعية مخصصة، وموقع استراتيجي للتجارة، وقوة عاملة ماهرة، عززت مكانة المغرب كلاعب تنافسي في السوق الإقليمي.
السياحة والنفوذ الإقليمي
وتلعب السياحة دورًا حاسمًا في اقتصاد المغرب، حيث تساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي والعمالة والتنمية الاقتصادية العامة، كما أنها تبني صورة المغرب كوجهة صديقة ومثيرة للاهتمام للأعمال والترفيه.
وتستفيد البلاد أيضًا من بيئة سياسية مستقرة وأنشطة جهادية محدودة داخل حدودها. وتعزز الرباط هذا الاستقرار من خلال الدبلوماسية الناعمة الفعالة التي تشمل المبادرات الاقتصادية والمبنية على الإيمان بهدف مواجهة التطرف.
وقد عزز التزام المغرب بالاستقرار ومكافحة التطرف نفوذ المغرب الإقليمي والعالمي. وهي مركز للسياحة المهنية، حيث تستضيف أحداثًا كبيرة مثل مؤتمر الأطراف COP 2022 والمشاركة في استضافة كأس العالم FIFA 2030.
تعليقات الزوار ( 0 )