Share
  • Link copied

تفكيك الخلايا الإرهابية بين التحريك الخارجي والتطوير التنظيمي

                                            

بعد أقل من شهر على تفكيك خلية حد السوالم ،أشار بلاغ أمني في صباح يوم الأربعاء 19 فبراير 2025 بأن المكتب المركزي للأبحاث القضائية، قد تمكن بتنسيق وثيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ، من “إحباط مخطط إرهابي بالغ الخطورة كان يستهدف أمن المغرب، بتحريض مباشر من قيادي بارز في تنظيم داعش بمنطقة الساحل الإفريقي. حيث أسفرت هذه العملية الأمنية، التي نُفذت بشكل متزامن في مدن العيون والدار البيضاء وفاس وتاونات وطنجة وأزمور وجرسيف وأولاد تايمة وتامسنا بضواحي الرباط، عن توقيف 12 متطرفا تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة، بايعوا التنظيم الإرهابي وانخرطوا في التخطيط لتنفيذ مشاريع إرهابية خطيرة”

لكن إذا كان هذا البلاغ قد أكد استمرار التهديدات الإرهابية التي تستهدف المملكة المغربية، فهو يشير إلى تطور خطير في المنحى التنظيمي الذي اتخذته أنشطة الخلايا الإرهابية داخل مناطق المملكة لا من حيث توجيهها الخارجي ولكن من خلال طبيعة تنظيمها وامتدادها. الجغرافي.

-التوجيه الخارجي للخلية الإرهابية

    كشف المدير العام للمكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج)، بعد أربعة أيام على تفكيك خلية السوالم خلال الندوة الصحفية التي نظمت عشية يوم الخميس 30 يناير 2025 بمقر المكتب بسلا عن طبيعة التوجيه الخارجي في تحريك هذه الخلية الأسرية . حيث صرح بأنه “حسب نتائج التحريات المتوصل إليها إلى غاية هذه المرحلة من البحث، فإن عناصر هذه الخلية الإرهابية، وهم أربعة من المتطرفين من ضمنهم ثلاثة أشقاء كانوا قد وثقوا بيعتهم لتنظيم داعش في شريط فيديو، حيث تشير الأبحاث الأمنية إلى أن هذه الخلية كانت على ارتباط عضوي بأحد قياديي تنظيم داعش في منطقة الساحل، الذي لعب دورًا مهمًا في تسريع عملية التجنيد والاستقطاب وتلقين الأفكار الإرهابية. وكان يرسل لهم إصدارات ومحتويات رقمية متطرفة بهدف تحويلهم إلى أشخاص منذورين للموت، يمكن دفعهم بسرعة لتنفيذ عمليات إرهابية”. ولعل تفكيك هذه الخلية الإرهابية مؤخرا قد أكد هذا المعطى الأمني من خلال الكشف بأن أ”عضاء هذه الخلية الإرهابية كانوا على اتصال مع قيادي في داعش بمنطقة الساحل، حيث تم تزويدهم بدعم مالي ولوجيستيكي، بالإضافة إلى معلومات حول كيفية تنفيذ العمليات الإرهابية.”

كما تم الكشف بأن هذا القيادي هو مسؤول في ما يسمى بلجنة “العمليات الخارجية” المكلفة بتدويل المشاريع الإرهابية خارج منطقة الساحل جنوب الصحراء. من هنا يبدو بأن أن تنظيم “داعش” يسعى بشكل متواصل إلى استهداف المغرب، فانتقال التنظيم من محاولة تنفيذ عمليات إرهابية عبر خلايا مثل “خلية حد السوالم” إلى هذه الخلية الذي يتواجد أعضاؤها في عدة مدن بالمملكة، يدل على إصرار “داعش” ، خاصة بعدما استقرت بدول الساحل على استهداف المغرب كنموذج ناجح في مكافحة الإرهاب على الصعيدين الإفريقي والدولي.حيث يعتبر أن تنفيذ أي عملية إرهابية ناجحة داخل المغرب، بمثابة ضربة للسمعة الأمنية للمملكة وللجهود الدولية في محاربة الإرهاب نظرا للنجاحات الأمنية التي حققتها الأجهزة الاستخباراتية المغربية على المستويين الإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب منذ عام 2001. إذ يبدو أن هذا التنظيم يسعى إلى محاولة تكرار عملية خلية الرايضي التي لعب فيها التأثير الخارجي للقاعدة دورا أساسيا في نشاطها وإقدامها السريع على تنفيذ عملية تفجيرات الدارالبيضاء التي استهدفت بالأساس المس بهيبة المؤسسة الأمنية من خلال توقيت تنفيذها الذي صادف ذكرى تأسيس الأمن الوطني ، وفي نفس الوقت الرد على انخراط المملكة في الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب التي تزعمتها الولايات المتحدة آنذاك بعد تفجير برجي منهاتن.  ولعل ما يزيد من هذه الرغبة هو احتضان المغرب لتظاهرتين كرويتين قارية وعالمية ، حيث أن تنفيذ أي عملية إرهابية  خاصة بمدن كبرى كطنجة أو فاس أو الدارالبيضاء أو الرباط سيكون من أهدافها التشويش على تنظيم المملكة لهاتين التظاهرتين  الرياضيتين وهي التي ساهمت سلطاتها الأمنية في الاشراف على تنظيم مونديال قطر و الألعاب الأولمبية بباريس.

-التطور التنظيمي للخلية الإرهابية

    يبدو بأن من بين الخلايا الارهابية التي تم تفكيكها  منذ سنة 2003، تتفرد هذه الخلية  تنظيميا وتركيبيا عن باقي الخلايا الأخرى . فهذه الخلية تتميز بهرميتها التنظيمية وتناثرها الجغرافي . حيث أظهرت التحريات الأمنية والاستخباراتية أن هذه الخلية الإرهابية “اعتمدت أسلوبا تنظيميا دقيقا:  فإيعاز من أحد قيادي تنظيم داعش” بالساحل. “كانت المخططات الإرهابية توجه حصريا لفريق المنسقين” الذين يتكلفون بتبليغ هذه المخططات لباقي الأعضاء إما بشكل مباشر أو عن طريق قنوات غير مباشرة”، حيث ينتقل الدور بعدها، وفق التحريات التي كشفت عنها الشرطة، إلى “فريق “المنخرطين” في تنفيذ العمليات الإرهابية، فضلا عن الفرع المكلف بالدعم والتمويل الذي توصل بشكل مباشر بدفعات مالية من تنظيم داعش دون المرور بالشبكة البنكية” مما يظهر المستوى التنظيمي المتطور الذي بلغته هذه الخلية من خلال:

  • الهرمية التنظيمية التي توجه الخلية عن بعد وتشير المعطيات التي كشف عنها الأمن المغربي إلى أن أعضاء هذه الخلية الإرهابية كانوا على اتصال مع قيادي في داعش بمنطقة الساحل كان يزودهم بمعلومات حول كيفية تنفيذ العمليات الإرهابية ،

  –  توزيع الأدوار بين أعضاء هذه الخلية بين “منسقين”مكلفين بتبليغ القرارات و “منخرطين” يقومون بتنفيذ العمليات

       -الفروع المكلفة بالتمويل واللوجستيك

وبالتالي ، فطبيعة هذا التنظيم العنقودي عادة ما يصعب عملية  المراقبة الاستخباراتية والمتابعة الأمنية ، نظرا  لأنه يسمح لكل فريق بالعمل بمعزل عن الفرق الأخرى مما يجنب السقوط أو يؤخر سقوط أعضاء الخلية بشكل جماعي. ولعل مما يزيد من هذه الصعوبات توزيع نشاط أعضاء الخلية أو الخلايا على مختلف مدن ومناطق المملكة. ولعل  هذا ما أكده بلاغ المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي أشار إلى  أنه قد تم اعتقال 12 شخصا بمدن (العيون ، والدار البيضاء وفاس وتاونات وطنجة وأزمور وجرسيف وأولاد تايمة وتامسنا بضواحي الرباط) مما يعكس الخلفية التي كانت وراء هذا التوزيع الجغرافي الموسع الذي كان يراد منه بالأساس تشتيت جهود الأجهزة الأمنية في المراقبة والتتبع ، وصعوبة “الربط التحليلي “بين عمل كل هؤلاء الأعضاء الذين ينشطون متفرقين بين جهات المملكة وبين مدنها وحواضرها. ولولا اليقظة الأمنية والتنسيق بين مختلف الأجهزة الاستخباراتية والأمنية ،  لما أتيح اعتقال هؤلاء النشطاء “بشكل  متزامن “، حيث “ذكر بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني أنه تم تنفيذ هذه العملية الأمنية بشكل متزامن في مدن العيون، الدار البيضاء، فاس، تاونات، طنجة، أزمور، جرسيف، أولاد تايمة، وتامسنا بضواحي الرباط، وأسفرت عن توقيف 12 متطرفًا تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة، بايعوا تنظيم داعش الإرهابي وانخرطوا في الإعداد والتنسيق لتنفيذ مشاريع إرهابية خطيرة.”. كما أتاحت هذه “العملية الاستخباراتية والأمنية المتزامنة” استباق انتقال أعضاء هذه الخلية إلى مرحلة التنفيذ بعدما تم اقتناء مختلف مستلزمات القيام بعمليات إرهابية .حيث أشار بلاغ أمني بهذا الصدد إلى     ” أن عمليات تفتيش منازل المعتقلين أسفرت عن مصادرة أجسام ناسفة في طور التركيب…ومسامير ومواد كيميائية موصولة بأنابيب وأسلاك كهربائية متصلة بهواتف محمولة قصد التفجير عن بعد.كما جرت مداهمات متزامنة في مدن مختلفة أفضت إلى العثور على مواد متفجرة في طور التركيب، وأسلحة بيضاء وأموال ومواد كيميائية.

من هنا تظهر خطورة هذه الخلية ، التي تعكس إلى جانب تفكيك خلية حد السوالم الاسرية ، التطور النوعي الذي بدأ تعرفه  أنشطة وتحركات الخلايا الإرهابية التي انتقلت من خلايا فردية أو ما يسمى بالذئاب الفردية  ، أو خلايا نووية تتحرك في مجالات محدودة عبارة عن مدينة أو حاضرة ، إلى خلايا منظمة وممتدة مما يقتضي من الأجهزة الأمنية تطوير أساليبها في التحرك والملاحقة الاستباقية بالإضافة إلى التنسيق الاستخباراتي مع الأجهزة الأمنية الخارجية.

Share
  • Link copied
المقال التالي