تعود نشأة العلاقات المغربية البرازيلية إلى العام 1861م، حيث شهدت المملكة افتتاح أول قنصلية لهذا البلد الأمريكي اللاتيني، ومنذ ذلك التاريخ وعبر مراحل متنوعة تعززت تلك العلاقات ومُنحت اهتماما ثنائيا مشتركا تعدى مداها في الكثير من الأحيان ليصبح نواة صلبة لترسيخ روابط استراتيجية تلعب من خلالها المملكة المغربية دورا محوريا ونقطة اتصال وتواصل، لما تتمتع به من كل المقومات، وتلعبه من دور بارز كبوابة ولوج للبرازيل نحو إفريقيا من جهة وفي المقابل موطئ قدم للمغرب على أرض القارة اللاتينية.
وكان لموقف هذا البلد الوازن عالميا، والمعبر عنه سياسيا اتجاه قضية بلادنا الأولى “الصحراء المغربية”، الدافع القوي وراء تكثيف اللقاءات والاجتماعات التي نظمها ويحضرها مسؤولون من البلدين، والتي لا يختلف الاثنان على أن الهدف منها هو تأكيد الرغبة الراسخة في مواصلة دينامية التعاون الثنائي، بإرساء الشراكة الاستراتيجية المتعددة الأبعاد القائمة على الحوار السياسي والتعاون الاقتصادي، وفقا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، المجسدة في نتائج جلسة المباحثات التي عقدها وزيري خارجية البلدين شهر يوليوز من السنة المنصرمة 2021.
وتذكيرا بالدور المحوري الذي من المؤمل أن تلعبه المملكة المغربية كبوابة لإفريقيا بالنسبة للبرازيل، وحرصا على إبرازه حسب ما توصلت إليه نقاشات ندوة استضافتها العاصمة الاقتصادية ساو باولو العام 2017م، نُظمت حول موضوع عنوانه “تقييم وإعادة تحديد السياسات اتجاه إفريقيا في إطار المشهد العالمي الجديد: رؤى متقاطعة بين البرازيل والمغرب”، وجبت الإشارة إلى الإجماع الذي خرج به المشاركون في مختلف أطوار الفعالية، بضرورة تعزيز أواصر التعاون مع المغرب، مستندين في رأيهم إلى أهمية الموقع الجغرافي والسياسة الملكية التي تهدف إلى تنمية القارة الإفريقية، ينضاف إلى ذلك الاهتمام الذي يوليه المغرب إلى الطاقات المتجددة، وأهمية استغلال المنصة اللوجستية “طنجة المتوسط”. كل ذلك، حسب استنتاجاتهم سوف يُساهم لا محالة في جعل بلدنا جسرا اقتصاديا بالنسبة للبرازيل نحو إفريقيا والعكس بالعكس، حيث بمقدور المغرب أن يعمل على دعم وتقوية ولوج المنتوج البرازيلي إلى الأسواق الأفريقية. خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار التواجد القوي للاستثمارات المغربية في العديد من المجالات أهمها المالية والبنكية والمقاولاتية التي تتصدرها الصناعية المعدنية (الفوسفاط والأسمدة)، تساعد في تعزيزها شبكة الخطوط الملكية المغربية التي تعمل على ربط أغلب البلدان الأفريقية بالقارات الأخرى، كمشعال للمملكة يقود تلك الاستثمارات.
جدير بالذكر أن كل ما تمت الإشارة إليه وما تم إنجازه وتحقيقه من تعزيز للعلاقات بين البلدين في غضون السنوات الماضية، وما يمكن تطويره منها في مجالات الطيران والخدمات اللوجستية وصناعات السيارات وتحويل المعادن والمواد الكيماوية والتعاون التقني، وما تراكم لدى الجانبين من خبرات في مجالات بعينها منها على الخصوص تلك المتعلقة بصناعة الأسمدة الفلاحية، بالموازاة مع النهج الاستثماري للمملكة وسرعة نموه التي تنال الإشادة من منابر عالمية ذات الاختصاص، دفع وكالتي التعاون في البلدين، المملكة المغربية والبرازيل، إلى النظر في بلورة رؤاهما من خلال إعداد “مذكرة تفاهم للتعاون التقني لفائدة البلدان الإفريقية الأخرى” كخارطة طريق يُهتدى بها لبلوغ تلك الأهداف الاستراتيجية.
وبالفعل، عمل الطرفان المغربي والبرازيلي مستنيرين بتوصيات وتوجيهات أعلى المسؤولين في البلدين، من أجل تحقيق ذلك، ويكفي هنا أن نذكر بما صدر عن وزارة الخارجية البرازيلية بعد اجتماع شهر يوليوز 2021، حيث ذكر بيانها بالحرف ما يلي: “التزامها بتعميق الحوار وتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، البلد الذي فرض نفسه، على المستوى الدولي، كفاعل رئيسي للنهوض بالسلم والأمن والتسامح الديني”،مشيدة في نفس الوقت بالمواقف المتوازنة للمملكة والتي ساعدت في بناء التوافق والتوصل للحلول السلمية للنزاعات والأزمات، ومؤكدة من جهة أخرى على الحاجة إلى توسيع وتنويع الشراكة الاقتصادية بين المغرب والبرازيل بحكم رتبة وتصنيف كل واحدة بالنسبة للمبادلات بينهما.
وفي الختام، ومساهمة في تبيان مستوى العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وسيرا على نهج توفير الدعم وتحقيق النظرة المستقبلية الهادفة إلى توسيع المبادلات التجارية بين المغرب والسوق الجنوبية المشتركة (ميركوسور)، حطمت أرقام المبادلات المحققة نهاية السنة الماضية 2021، مستويات قياسية، بلغ على إثرها حجم التبادل 2.48 مليار دولار أمريكي، الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشرا أكثر من إيجابي لنمو العلاقات بين الجانبين وبالتالي الدفع بها لتنتقل من مرحلة التبادل العادي إلى تبادل أكثر تكاملي، يستغل ويشمل الفرص الهائلة المتاحة لتنويع وتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، يمكن تلخيص أبعاده في تصريح الخبير والباحث برازيلي في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، عندما تحدث عن الوضع الحالي بين البلدين بالقول: “المملكة المغربية تحتل موقعا مركزيا في شمال إفريقياكجسر نحو الدول والقارات الأخرى” مؤكدا أن “المغرب والبرازيل يمكنهما أيضا التنسيق بشكل أكبر داخل الأمم المتحدة والمحافل الدولية” في إشارة إلى انتخاب بلاده عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة 2022-2023 ، وبالتالي السعي لتنسيق المواقف على أساس القيم المشتركة للطرفين، حسب قوله.
طالب في سلك الدكتوراه و حاصل على دبلوم الماستر في مسلك : أمريكا اللاتينية: العولمة و الثقافات و التحديات في القرن الواحد و العشرين من جامعة محمد الخامس كلية الآداب و العلوم الإنسانية في الرباط.
تعليقات الزوار ( 0 )