من الفلسفة العامة للقرارات الدستورية القوية أنها تعتبر على أنها “أداة للتربية المدنية والثقافة السياسية”؛ القاضي عندما يتجاوز الإطار الضيق للملف المعروض عليه؛ إنما لغاية تطوير الثقافة الدستورية القانونية؛
والمعنى أنه من ثقافة القرار الدستوري السعي إلى “تطوير فهم الدستور”؛ من ثقافته أيضا الذهاب نحو تدعيم “ثقافة قانونية” جديدة؛ فالثقافة القانونية لا تتشكل فقط من التأويل الحرفي؛ أو المرتبط بأصول النصوص القانونية؛ ولكن أيضا من ملاحظة الحقيقة الاجتماعية الدالة قانونا؛ ولا يمكن للقرار الدستوري؛ في صلب فلسفته؛ أن يتجاهل الحقيقة الاجتماعية الموضوعية والواقعية.
وإن كان التعليل من الركائز الأساسية لإنتاج القرارات الدستورية، فالتعليل ليس ولا يمكن أن يقف عند “مجرد مناقشة العلل”؛ بل التعليل تحليل منطقي مؤسس على معايير موضوعية وعامة؛ التعليل بيان وتسبيب واضح وبارز يفرضه القانون؛ ويوضح طريقة فهم القاضي للنازلة والنزاع المعروض؛ ويستتبع أن نقصان التعليل أو فساده يوازي انعدامه؛ وبالتالي يجعل القرار المتسم به معرضا للنقص؛ بل من قوة التعليل أيضا أن يكون “التعليل نفسه موضوع تعليل مضاد؛ وهو الأمر الذي يصطلح عليه ب”تقنية الآراء المنفصلة أو الآراء المعارضة”.
غنى التعليل بالنسبة للقرارات الدستورية يستمد من “غنى الملف الوثائقي، الاجتهادات القضائية بخصوص المسألة المطروحة، من الآراء الفقهية في غناها وتضاربها”، بل وحتى في الآراء المخالفة منفصلة كانت أو معارضة؛….
نخلص إلى أن القرارات الدستورية القوية، بهذا المنطق، تكون في قوة تعليلها؛ والتعليل هنا يستخلص من إكراه احترام القانون؛ ومنع التعسف؛ ومن الحق في حماية قضائية فعلية؛ فالقرارات القوية تَشهد على “مجهود تعليلي وبيداغوجي من خلال توظيف لبنية شكلية تسمح بالتعبير بحرية أكبر عن طريق اللجوء المكثف إلى السوابق القضائية”.
أستاذ باحث بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
تعليقات الزوار ( 0 )