يزداد الغموض المحيط بموت قيادي جبهة البوليساريو امحمد خداد ،منسق بعثة البوليساريو مع المينورسو والمكلف بالعلاقات مع جهات خارجية ،بعد انتشار تسجيل صوتي للقيادي امحمد خداد نفسه ، أطلقه أحد الهواتف في مخيمات تندوف وانتشر بسرعة في منابر ومواقع التواصل الاجتماعي ،وباتت قيادة البوليساريو والمخابرات الجزائرية غير قادرة على حذفه،فالتصريح المتداول يكشف جوانب حول تشخيص القيادي خداد لمسار البوليساريو والدور الجزائري ونظرة الدول الكبرى لطبيعة النزاع .
خداد يشير إلى نصف قرن من الاحتجاز الجزائري
و يشير التسجيل الصوتي إلى نبرة يائسة أطلقها امحمد خداد قبل وفاته بأسابيع قليلة تقول أن البوليساريو دخل مرحلة النهاية المأساوية ،فخداد يخاطب في تسجيله الصوتي ما تبقى من قيادات البوليساريو بلغة واقعية ،وذلك لما قال أن البوليساريو والجزائر باتا عاجزين أمام المنتظم الدولي وأن المغرب “ربح القضية “، وأعطى خداد أدلة كثيرة منها ختم جوازات سفر البعثة الأممية بخاتم مغربي كدليل واضح على اعتراف الأمم المتحدة بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية ،يضاف إلى ذلك فتح القنصليات التي هي حدث مرتبط بالإعتراف بالسيادة المغربية بموافقة من المنتظم الأممي ،وفي أخطر تشخيص يشير القيادي خداد أن الثلثان من الصحراويين دفنوا فوق الأراضي الجزائرية في المخيمات ، الشيء الذي يطرح التساؤل عن العدد المتبقى وعن الأرقام التي يقدمها ابراهيم غالي والسلطات الجزائرية ؟والتي بات مجلس الأمن يشك فيها من خلال اشاراته الواضحة في القرارات الأخيرة ،وهو شك يحيل إلى انتباه المجتمع الدولي لمناورات الجزائر بجمع كل التائهين القادمين من منطقة الساحل بإدخالهم بالقوة الى معسكرات مخيمات تندوف لإيهام المجتمع الدولي بوجود صحراويين يشير الآن احد قياداتهم الذي هو امحمد خداد انهم في طور الإنقراض داخل المخيمات ، والأخطر في التوصيف لما يشير حداد في تصريحه الصوتي المسجل إلى نصف قرن من الاحتجاز، الشيء الذي يعني أنهم في سجن جزائري كبير وانهم لايملكون قرارهم ،فالقرار في يد الجزائر ،والإشارة هنا إلى مسألة إملاءات النظام الجزاذري ،فالأمر يتعلق بتأكيد جديد أن الطرف الوحيد الذي يوجد في النزاع مع المغرب هي الجزائر .
ووصف خداد الوضع داخل المجتمع الدولي بقوله أن الدول الكبرى صاحبة القرار في مجلس الأمس توجد جميعها في صف المغرب ولاتقبل بوضع غير الموجود اليوم كما تشير الى ذلك قرارات مجلس الأمن، و خداد يضرب بذلك كل الأساطير التي تروج لها البوليساريو والجزائر مع كل قرار ،فخداد يعبر عن الفهم الذي تخفيه قيادة البوليساريو عن ساكنة المخيمات و عن الواقع الذي يستمر في إخفائه ورثة بوتفليقة عن الجزائريين ،الفهم القائم على أن قرارات مجلس الأمن هي اعتراف بالسيادة المغربية وأن عودة مجلس الأمن الي استنتاجات المبعوث الأممي السابق فالسوم بفقرة يتم إدراجها منذ سنوات في قرارات مجلس الأمن تدعو الى الواقعية، وهي مايشير إليه خداد في تصريحه المسجل قبل موته الغامض ،فخداد يشير الى أن كل ماتطالب به البوليساريو ووراءها ورثة بوتفليقة مستحيل.
من قتل خداد بعد هذا التصريح ؟
ولايمكن بعد هذا التصريح الذي يشكل خطرا على ابراهيم غالي والنظام الجزائري الشك في أن مخابرات الجزائر كانت وراء تصفية خداد ، فحكاية موت خداد بوباء كورونا في أحد مستشفيات إسبانيا ليست صحيحة، ذلك أن المخابرات الجزائرية ،وباتفاق مع ابراهيم غالي، اختارت تصفية خداد في زمن كورونا فوق الأراضي الإسبانية ،في وقت كانت فيه السلطات الإسبانية في حالة طوارئ صعبة في البلاد تحصي عدد أمواتها وتريد إنقاذ الباقي ،وتعيش ظرفا يصعب فيه معرفة سبب الموت ،فالجزائر اختارت وقتا خطيرا لتصفية امحمد خداد في زمن الغموض المحيط بأسباب الوفيات ،واختارت توقيت أسابيع قبل اجتماع مجلس الأمن خوفا من المفاجأة التي قد يخلقها خداد بمضامين تصريحه التي وصلت لقيادة البوليساريو وسلمتها للمخابرات الجزائرية التي اتخدت قرار تصفية خداد ،وبالمقابل ،يبدو أن خداد كان يعرف أن نهايته قريبة ،لذلك سلم هذا التسجيل الصوتي لأحد أصدقائه الذي أطلقه مباشرة بعد إعلان موته .
وتعيد تصفية خداد التي باتت واضحة إلى الواجهة ملفات تصفية البوخاري بعد رسالته إلى الأمم المتحدة التي ظل مضمونها غامضا، وبعد تصفية المحفوظ علي بيبا بعد محاولة عودته للمغرب، وحتى محمد عبدالعزيز الذي تقول معلومات مقربة منه أن تصفيته تمت بالتدرج بعد بداية تغيير مواقفه ،فالجزائر تصفي القيادات القديمة وتدفع ماتبقى من الساكنة القديمة إلى الإنقراض وتغير البنية الديمغرافية لمكونات المخيمات بإدخال ماليين وتشاديين وموريتانيين وتصنع قيادات جديدة ،وهذه أمور يجب الإنتباه اليها لأن المخابرات الجزائرية التي تعرف فقط لغة القتل لم تنتبه إلى أنه بتصفية كل هذه القيادات القديمة جعلت نفسها الطرف المقابل للمغرب مباشرة أمام المجتمع الدولي ،فهي جمعتهم فوق أرضها وباتت تقتلهم تدريجيا لأنهم أدركوا أنها صنعت لهم أسطورة واحتجزتهم لأغراض تتعلق بصراعها وتنافسها الإقليمي مع المغرب والخوف من أن يفتح المغرب ملف الحدود وملف الصحراء الشرقية، فاعتقدت القيادات القديمة بهذه الأسطورة التي صنعتها جزائر بومدين والقدافي ،ولما بدأت هذه القيادات في الإنتباه شرعت في قتلهم ،لذلك فكل الكلام الذي يقوله ابراهيم غالي والميليشيات المحيطة به يجب أخذه بأنه خطاب من نظام الجزائر، ولايمكن لأي قيادي أن يقول خطابا أخر غير ماتقوله الجزائر، نحن أمام مرددين لخطاب جزائري ومنفذين لمشروع جزائري ،هذه هي الرسالة التي تخلفها حوادث تصفية خداد والبخاري وعلي بيبا والقادمون ،فالبوليساريو انتهى والحلقات التي نعيش هي اقتتال داخلي بين قيادات البوليساريو واقتتال بين الجزائر ومعارضيها من قيادة البوليساريو ،لذلك ،فالنتيجة اليوم هي أن الطرف المباشر الذي يتصارع معه المغرب طرف واحد هو ورثة بوتفليقة في نظام الجزائر الذي لم ينتبه داخله تبون وشنقريحة أن اللعب بقضية الصحراء والعداء للمغرب للإستمرار في حكم الجزائريين بدولة عسكرية سينهي الحكم العسكري في الجزائر.
رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني
تعليقات الزوار ( 0 )