ما فتئ محمد الشيخ بيد الله، مثل باقي الزعماء داخل الأحزاب السياسية، ينادي بدعوة الشباب إلى الانخراط في العمل السياسي، ويحيط به مجموعة من الشباب كعربون صدق لما يدعو إليه.
غير أن ترشيح رجل في سن الشيخ بيد الله لقيادة للأمانة العامة للحزب من خلال المؤتمر الرابع الذي سينعقد في خاتمة الأسبوع الجاري، يظهر تناقضا صارخا بين الشعار والممارسة، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول رؤية الحزب للعمل السياسي وعلاقته بباقي الأحزاب السياسية الأخرى بشكل عام، وحزب العدالة والتنمية على وجه التحديد.
الشباب داخل حزب التراكتور “بيد الله”
جل المقربين من الشيخ بيد الله، ليسوا راضين على هذا الترشح إطلاقا، ويحكي ثلة منهم بأن الرجل طلب منه أعضاء المجلس الوطني للبام، ذات لقاء، ترأس اجتماع تعذر فيه على رئيسته فاطمة الزهراء المنصوري الحضور، ورفض ذلك بدعوى أنه لم يعد يقوى على الوقوف.
لكن الرجل سرعان ما استرجع عافيته واستعاد شبابه وحيويته خلال الأيام الأخيرة بعد إعلانه دخول سباق الترشح للأمانة العامة للحزب، وها هو يزف نفسه عريسا فوق “عمارية” أرضية، على مقربة من بورقراق، جعل منها منصة لإطلاق صواريخه نحو شباب حزبه الذين اتهمهم بدخول المعترك السياسي تزلفا وطمعا في تحقيق مآرب وأهداف شخصية لا أقل ولا أكثر.
هذا بالإضافة إلى رمي زملائه من الأمناء العامين السابقين براجماته، متهما إياهم بسوء التدبير والفساد ما دام أنه وحده الذي كان قد غادر الحزب تاركا وراءه فائضا ماليا قدره ب 2 مليار و300 مليون سنتيم، دون أن ينسى تهممه بالشباب وأهمية إدماجه في العمل السياسي.
ويعلق أحد المقربين من الشيخ بيد الله ساخرا: “لا شك أن الشباب الذين يقصدهم بيد الله هم أولئك الذين كان يحيط بهم نفسه حين كان يصول فيها ويجول في مناصب هامة، من عامل على عمالة آسفي ووالي جهة عبدة إلى وزير للصحة إلى أمين عام لـ”البام” ورئيسا لمجلس المستشارين”.
خطيئة “البام” في ترشيح الشيخ بيد الله
في خرجاته الإعلامية، ظهر الشيخ بيد الله بأنه لا يزال متشبثا بشعارات الحزب القديمة التي تهالكت واستهلكت وأهلكت الحزب، حسب المراقبين للشأن السياسي الحزبي، وخاصة شعارات محاربة حزب العدالة والتنمية، وهو ما يعني أن حزب الأصالة والمعاصرة، كما يريده الشيخ بيد الله سيعيد إنتاج المشهد السياسي.
وفي هذا الصدد يعلق الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية، بالقول: “من الواضح جدا، أن ترشح الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة الشيخ بيد الله إلى منصب الأمانة العامة من جديد في المؤتمر الرابع المقبل للحزب سيكون هدية مجانية لعودة حزب العدالة والتنمية للحكم انتخابات 2021”.
وأشار اسليمي في اتصال مع جريدة “بناصا” أن عودة الشيخ بيد الله إلى المشهد السياسي وإعلانه الترشح بسرعة وخروجه بتصريحات “تبين أن حزب الأصالة والمعاصرة بصدد إعادة إنتاج المشهد السياسي لسنة 2009 وما بعدها الذي حمل البيجيدي في انتخابات 2011 وانتخابات 2016 ولا زال مستمرا في الحكومة وقد يعود في انتخابات 2021 نتيجة خطأ البام بترشيح بيد الله”.
هدية مقدمة إلى حزب البيجيدي
واعتبر المحلل السياسي المعروف، أن عودة الشيخ بيد الله معناه منح فرصة لبنكيران وأصدقائه بإعادة إنتاج مقولة “حزب الدولة “ وإعادة بناء كل منظومة تمثلات عقلية المؤامرة وخطاب الضحية الذي يجيده حزب العدالة والتنمية وسبق له توظيفه في مرحلة قيادة بيد الله لحزب الأصالة والمعاصرة انطلاقا من سنة 2009، فالتفاعلات السياسية السلبية نفسها سيعاد إنتاجها ويدخل المغرب مرة أخرى في صراع العدالة والتنمية و”البام”.
ومن خلال تصريحات بيد الله الصدامية، يرى أستاذ العلوم السياسية، أن الشيخ بيد الله من خلال تصريحاته لا يبتعد كثيرا عن مقولة “إن التحالف مع العدالة والتنمية خط أحمر” رغم أنه لا يعلنها مباشرة، ومن الواضح جدا أن مقولة “أن التحالف مع العدالة والتنمية خط أحمر” التي استعملها حزب الأصالة والمعاصرة في سنة 2009 خدمت كثيرا حزب العدالة والتنمية.
وبناء على ذلك، فإن “قادة العدالة والتنمية في حالة عودة الشيخ بيد الله سيعيدون بناء الاعتقاد القديم بأن حزب الأصالة والمعاصرة جاء لمحاربة الإسلاميين، وهو الاعتقاد الذي زاد من قوة العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية لسنة 2011 و2016” حسب رأي اسليمي.
إعادة إنتاج الشيخ – الزعيم داخل الأحزاب
أضف إلى هذا أن عودة الشيخ بيد الله للأمانة العامة لحزب الاصالة والمعاصرة يجعل الحزب لا يقدم نموذجا جديدا في اختيار الزعامة بل “يقلد حزب العدالة والتنمية نفسه الذي يتصارع معه، والذي يكاد ينفرد بإعادة ترشيح أمنائه العاميين السابقين مثل حالة سعد الدين العثماني الذي يتولى الأمانة العامة للمرة الثانية للحزب”.
ولهذا، فحزب الأصالة والمعاصرة بهذا الشكل “يجعله في وضعية متماثلة لحزب العدالة والتنمية بأن يصبح كلاهما حزب إعادة تنصيب الزعماء بالانتخابات في المؤتمرات وليس أحزاب تناوب على القيادة وتداول الأجيال على الأمانة العامة، مع ملاحظة أن حزب الأصالة والمعاصرة عمره ليس طويلا مقارنة بالعدالة والتنمية” يقول اسليمي.
من جهة أخرى، فإن عودة الشيخ بيد الله معناه أن كل التطور الذي عرفه الحزب في السنوات الأخيرة، رغم الصراعات الداخلية، سوف يفقده ويعود إلى مناخ سنة 2009 في وقت بدأ فيه الرأي العام ينسى كل الإشاعات السياسية التي ألبسها العدالة والتنمية لحزب الأصالة والمعاصرة في لحظة تأسيسه”.
تمثلات أسطورة حزب الدولة
لهذه الأسباب السالفة، يرى أستاذ العلوم السياسية، أن عودة الشيخ بيد الله لأمانة حزب الأصالة والمعاصرة سيمنح “فرصة لحزب العدالة والتنمية، الذي ضعف مع تورطه في أخطاء التسيير، لإعادة بناء كل الأساطير التي وظفها بنكيران وأصدقاؤه انطلاقا من سنة 2009”.
وهكذا سيساهم الشيخ بيد الله في إنعاش “أسطورة حزب الدولة” التي ستعود كرة أخرى للأمانة العامة للحزب، كما ستعود، أيضا، فكرة مجموعة الثمانية ستعود.
وضعية اللعبة الصفرية
ويرى اسليمي أن عودة الشيخ بيد الله “ستؤثر على حزب التجمع الوطني للأحرار مادام حزب العدالة والتنمية سيتمكن من جمعهما معا في استراتيجيته الهجومية”.
والعودة للحديث عن الخطوط الحمراء في التحالف مع العدالة والتنمية قد يجعل اللعبة السياسية المغربية في وضعية”اللعبة الصفرية “حيث أنه إذا “عاد تحالف العدالة والتنمية والأحرار والحركة الشعبية الى حكومة 2021 وظل الأصالة والمعاصرة والاستقلال في المعارضة، سيكون الوضع خطير جدا، لهذا يحتاج “البام” لقيادة جديدة قادرة على تعويم واحتواء العدالة والتنمية وإمكانية التحالف معه إن اقتضى الأمر ذلك” يخلص اسليمي في تحليله.
تعليقات الزوار ( 0 )