تواصل الجزائر مساعيها للّحاق بالمغرب في مجال الاستطلاع الفضائي، بعدما وجدت نفسها متأخرة بشكل كبير عن جارها الغربيّ، الذي فط لأهمية الأقمار الصناعية العسكرية قبل سنوات.
وبدأت الجزائر تحركاتها مؤخرا، من أجل شراء أقمار صناعية للاستطلاع العسكري روسية الصنع، من شأنها تقليص الفجوة الكبيرة مع المغرب، موازاةً مع تعزيز ترسانتها الحربية البرية والجوية والبحرية.
روسيا بدل فرنسا
وكشف موقع “مغرب إنتلجنس”، الناطق باللغة الفرنسية، نقلاً عن المدير العام لوكالة الفضاء الروسية يوري بوسوف، أن الجزائر، طلبت مؤخرا أقمار استطلاع عسكرية.
هذا المعطى، حسب المصدر، يعني عودة روسيا إلى صناعة أقمار الاستطلاع، على الرغم من التأخير المتراكم في القطاع خلال السنوات الماضية.
ويأتي هذا الأمر، بعد شهور من نشر الموقع نفسه، لتقرير يتحدث فيه عن اهتمام الجيش الجزائري بالأقمار الصناعية الفرنسية، لمنافسة التفوق الكبير لصالح المغرب في هذا المجال.
تفوّق مغربي
وسبق للمغرب أن حصل قبل بضع سنوات، على معدات استطلاع فضائية فرنسية الصنع، وهو الأمر الذي يرى فيه القادة الجيش الجزائري، تهديداً لتوازن القوى في المنطقة، خصوصا أن الرباط، تملك أكثر من قمر للتجسّس.
وذكر المصدر، أن توجه الجزائر نحو روسيا، أثار انزعاج الطبقة السياسية الأمريكية، بعد شهور على مطالبة عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، بفرض عقوبات على قصر المرادية، بسبب علاقاته مع موسكو.
وتطمح الجزائر إلى تقليص الفجوة مع المغرب في مجال الاستخبارات العسكرية الفضائية، في ظل التفوق الكبير لصالح الرباط، وهو ما دفعها إلى السعي نحو شراء أقمار صناعية جديدة.
الجزائر تتحرك لتدارك التّأخّر
وسبق لـ”مغرب إنتلجنس”، أن كشف في تقرير سابق له، أن شنقريحة، يرى أن الوقت قد حان من أجل تعزيز قدرات بلاده التجسسية، لخلق نوع من التوازن مع المغرب، الذي يحظى بمكانة هامة في هذا المجال في المنطقة، والقارة.
واستغل شنقريحة زيارته إلى باريس أواخر السنة الماضية، من أجل الضغط بشدّة على المسؤولين الفرنسيين، لإقناعهم بتوقيع اتفاقيات دفاع تسمح بتسليم الجيش، تكنولوجيا تتيح إطلاق أقمار صناعية متطورة للتجسس.
وحسب ما أورده الموقع الفرنسي وقتها، فإن شنقريحة، أصر خلال محادثاته مع وزير القوات المسلحة سيباستيان ليكورنو، على ضرورة إقامة شراكة بين البلدين، تتيح للجزائر الحصول على هذه التكنولوجية.
اقتناء تكنولوجية مشابهة لتلك التي يمتلكها المغرب
وتسعى الجزائر، من خلال اقتناء هذه التكنولوجيا، إلى مراقبة انتشار القوات المسلحة الملكية المغربية في المناطق الحدودية، ومتابعة آخر تطوّرات آثار التعاون بين الرباط وتلّ أبيب على أرض الواقع.
وحدد الجيش الجزائري بدّقة، نوع التكنولوجيا التي يرغب في الحصول عليها، حيث سمّى نظام التصوير الفرنسي “Pléiades”، الذي يوفر صورا يمكن استعمالها لتحديد مواقع المنشآت العسكرية للدول المعادية.
التكنولوجيا المذكورة، يمتلكها المغرب منذ سنة 2017، ويمكن للقمر الصناعي محمد السادس A، التقاط صور بدقة عالية للغاية، وتوفير لقطات في أقل من أربع وعشرين ساعة، لأي نقطة على كوكب الأرض.
وكانت الجزائر، تعتقد أن فرنسا قد حسنّت هذه التكنولوجيا منذ 2017، مما يعني أن النسخة التي تطمح للحصول عليها، ستكون أحدث من تلك التي يمتلكها المغرب، غير أن ذلك لم يحصل.
تردّد فرنسي أمام “جنون الجنرالات”
وعلى الرغم من أن الموقع لم يشر إلى سبب توجه الجزائر إلى روسيا بعدما كانت مهتمة بفرنسا، إلا أن عدداً من المراقبين يرون بأن باريس، كانت متردّدة في بيع هذه الأقمار إلى سلطات قصر المرادية.
ويرجع سبب التردّد بشكل أساسيّ، إلى حالة عدم الثقة التي ينظر بها المسؤولون الفرنسيون إلى الجزائر، حيث يرون بأن موقف قادتها، قد يتغيّر فجأة ودون سابق إنذار، مثل ما حصل في قضية أميرة بوراوي.
وتسببت واقعة المعارضة الجزائرية، التي تحمل الجنسية الفرنسية أيضا، في دفع العديد من المسؤولين المقربين من ماكرون، إلى النظر بعين الرّيبة إلى سلطات قصر المرادية.
واعتبر المسؤولون الفرنسيون وقتها، أن ردّة فعل الجزائر تجاه ما حصل لبوراوي، أمر غير مبرّر، في ظل أن المعنيّة تحل الجنسية الفرنسية، وبإمكانها الاستفادة من الحماية القنصلية، كأي مواطن من البلد الأوروبي.
العلاقات “مجانينية” لا دبلوماسية
الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، بل إن عدداً من كبار المسؤولين في الاستخبارات الفرنسية، اعتبروا أن السلوك الجزائري، الذي أعقب نقبل بوراوي نحو باريس، يؤكد بأن العلاقات مع “المرادية”، تدخل في خانة “الطب النفسيّ”، وليست دبلواسية.
وفي هذا الصدد، كشف موقع “مغرب إنتلجنس”، في فبراير الماضي، أن المقربين من برنار إيمي، رئيس المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي (الاستخبارات الخارجية)، لا يصدقون المصطلحات المستعملة من قبل الجزائر، في البيان الصحفي، الصادر عقب سفر بوراوي إلى باريس.
وأعرب مسؤولو المخابرات الفرنسية، عن استغرابهم “من التحول المفاجئ للرئاسة الجزائرية، بعد أن كانت العلاقات بين البلدين في حالة جيدة، قبل أسبوعين، حين قام رئيس أركان الجيش الجزائري، بزيارة ناجحة إلى فرنسا، وقبل أشهر، التقى ماكرون وتبون، كما أعلن الأخير نيته زيارة باريس في ماي المقبل”.
ووفق المصدر، فإن كبار مسؤولي المديرية العامة للأمن الخارجي، “لم يعودوا يترددون في القول إن العلاقات مع القادة الجزائريين، هي الآن مسألة طب نفسي وليست دبلوماسية”. وأكد مسؤول فرنسي في السياق نفسه، أن القادة الجزائريين، حين لا ترضيهم الأوضاع، يستعملون “الدراما”، و”يضرون أنفسهم أكثر مما يتسببون في الضرر للآخرين”.
تعليقات الزوار ( 0 )