في واقعة غير معهودة منذ الحملة الانتخابية سنة 2021، شنّت مجموعة من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يشبه “الهجوم”، على جميع المنشورات التي تتضمن صوراً لعزيز أخنوش، رئيس الحكومة، وأخباراً عن الإجراءات الحكومية المتخذة مؤخراً، لضبط أسعار المواد الاستهلاكية في الأسواق.
وتُشيد التعليقات الصادرة عن حسابات، تحمل أسماء وصور لأشخاص، وتتضمن عناوين إقامة في المغرب، بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً، وتشديدها لمراقبة الأسواق، بعد أزمة ارتفاع الأسعار، كما تعتبر أن السلطة التنفيذية، تقوم بمجهودات جبارة من أجل تحسين الأوضاع.
والغريب في الموضوع، أن “هجمات الإشادة” بهذه الطريقة، غابت تقريبا منذ الحملة الانتخابية، قبل أن تظهر فجأة مؤخرا، بعد تشديد السلطات لمراقبة الأسواق، ومنعها لتصدير عدد من المنتوجات، لانخفاض الأسعار. كما أن اللافت، في التعليقات، هو تطابقها الكبير في المضمون، مع اختلافات بسيطة في الشكل.
“ليس من الضروري أن تكون الأشياء صحيحة طالما يتم تصديقها”
العديد من الشركات حول العالم، تقوم بهذا النوع من الخدمات، المتعلق بتوجيه الرأي العامّ، باستعمال الآلاف من الحسابات الوهمية، المصممة باحترافية عالية، لدرجة وضع صور، وعناوين الإقامة والدراسة، من أجل تجنّب أي شكوك فيما يتعلق بواقعية المستخدمين.
وتزامن رجوع “جيش الحسابات” المشيدة برئيس الحكومة عزيز أخنوش، مع تحقيق مدوٍّ، نشره موقع “forbiddenstories”، أمس الأربعاء، ويتحدث عن الشركات المتخصصة في خدمات تغليط، أو توجيه الرأي العام، من خلال شخصيات وهمية مصممة بدقة كبيرة، بـ”السوشيال ميديا”.
ومن ضمن هذه الشركات، “Cambridge Analytica” البريطانية، التي يديرها ألكسندر نيكس، المشهور بمقولة: “ليس من الضروري أن تكون الأشياء صحيحة، طالما يتم تصديقها”. وتعمل الشركة البريطانية على جمع البيانات الشخصية وتحليلها ثم استعمالها، لما يناهز 87 مليون مستخدم على “فيسبوك”، دون علمهم، وذلك لأغراض سياسية.
قدمت الشركة خدماتها لأكثر من 60 جهة، في إيران، وماليزيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، لدرجة أن اسم الشركة، تحول في 2018، بعد انكشاف طبيعة عملها، لـ”مرادف للمعلومات المضللة”، قبل أن ينسحب منها عدد من الموظفين، على رأسهم، رجل أعمال إسرائيلي.
صحفيو “فوربيدن ستوريز”، قاموا خلال فترة تتجاوز الـ 6 أشهر، بالتحقيق وتتبع مسار “خورخي”، وهو الاسم المستعار لرجل الأعمال الإسرائيلين الذي لم يتوقف عن تقديم خدماته، رغم مغادرته للشركة البريطانية.
بعد أربع سنوات، وبالضبط في صيف 2022، تمكن صحفيو “فوربيدن”، من رصد “خورخي”، وهو يستعمل نفس الاسم المستعار، ويبيع خدمات التلاعب لمن يدفع أكثر، مع تطوير أدوات عمل الشركة. وأوضح المصدر أن “القراصنة”، باتوا يستعملون في الوقت الراهن، الذكاء الاصطناعي من أجل كتب المنشورات، حسب الطلب.
33 حملة انتخابية، 27 منها ناجحة.. هل “أخنوش” من ضمنها؟
وتظاهر صحفيون “فوربيدن”، بأنهم عملاء لـ”خورخي”، حيث طلبوا عدداً من الخدمات، حيث برمجوا عدة مواعيد معه، ثلاثة منها عبر الإنترنت، وآخر في مكتبه، وقد كانت فرصة لمناقشة مطولة مع مقاول “كامبريدج أناليتيكا” السابق. ووصف رجل الأعمال الإسرائيلي، خدماته على أنها “تأثيرية” في المقام الأول.
وتباهى “خورخي”، بأنه أشرف على أكثر من “33 حملة رئاسية، 27 منها كانت ناجحة”، وهو الأمر الذي قال موقع “فوربيدن ستوريز”، إنه يصعب التحقّق منه. ولم يعط المقاول، أي إشارة لتحديد هوية زبنائه، مكتفيا بسرد جودة خدماته، في نشر المعلومات الخاطئة، واستهداف حسابات المعارضين.
ورجحت مصادر عديدة، أن تكون الحملة الانتخابية لحزب التجمع الوطني للأحرار، واحدةً من الحملات التي أشرف عليها “خورخي”، نظراً للكمّ الهائل من الحسابات التي كانت تتهاطل تعليقاتها، على مختلف المنشورات المتعلقة بـ”الحمامة”، خلال المرحلة التي سبقت الاقتراع، قبل أن تختفي بشكل مُريب لاحقاً.
أداة “AIMS”.. جيش من الحسابات الوهمية يتحرك لخدمة من يدفع أكثر
ووفق “فوربيدن ستوريز”، فإن “خورخي”، يمتلك جيشا من الحسابات الشخصية الموجودة على منصة عبر الإنترنت، وهي حسابات مزيفة. هذه الأداة، التي لا يمكن العثور عليها على الويب، تسمى بـ”Advanced Impact Media Solutions”، وتُختصر في “AIMS”.
وأوضحت المصدر، أن “خورخي”، أظهر للعملاء المفترضين، كيفية إنشاء الحسابات الشخصية، وهي عملية لا تستغرق سوى ثوانٍ، مع تحديد أسمائها وبلدانها، مبرزاً أن لديه كاتالوج، يضم أكثر من 30 ألف ملف تعريف آلي لأشخاص افتراضيين، لديهم حسابات “حقيقية جدا”، على مختلف مواقع “السوشيال ميديا”.
ويستعمل “خورخي” هؤلاء الأشخاص المزيفين، من أجل نشر التعليقات على الشبكات الاجتماعية، أو منشورات، أو طلب هداياً مثيرة للشكوك، وإرسالها إلى منازل المعارضين، من أجل التسبب في مشاكل عائلية لهم (ألعاب جنسية مثلا، تليها حملات استهداف، حسب الموقع).
كما أشرف “خورخي” على العديد من الحملات، منها تلك التي وظّفها توماس زيرون، المدير السابق للوكالة المسؤولة عن التحقيقات الجنائية في المكسيك، والمتهم بالخطف والتعذيب والتلاعب بالأدلة، الذي يتواجد حاليا في إسرائيل، التي ترفض تسليمه إلى سلطات بلاده.
هذا، وتقوم أداة “AIMS”، بأكثر من مجرد إنشاء حسابات بصور شخصية، حيث تعرض إنشاء محتوى آلي، من كلمات رئيسية معينة، يمكن للذكاء الاصطناعي الآن أن يولد في بضع ثوان منشورات ضخمة، أو يضع مقالات أو تعليقات أو تغريدات عبر الإنترنت، باللغة التي يختارونها، وبالنبرة التي يحبونها، “إيجابية” أو “سلبية”، أو “محايدة”.
عشرات التدوينات في ثوانٍ.. “والدولة بأكملها ستتحدث عن القصة التي نريد”
ولم يكتف صحفيو “فوربيدن ستوريز”، الذين تحدث إليهم “خورخي” على أنهم عملاء، بالاستماع من الأخير فقط، حيث طلبوا رؤية نموذج حي لما يمكن لأداة “AIMS”، أن تقوم به. وطلب المقاول الإسرائيلي من الذكاء الاصطناعي، بحضور العملاء المفترضين، كتابة عشر تغريدات سلبية عن السلطات التشادية.
وأبرز الموقع، أنه بعد 12 ثانية فقط، ظهرت الرسائل التي تطالب بوضع حدّ لما يقوم به رئيس تشاد، ليؤكد “خورخي”، أن الأداة بإمكانها إدارة 300 ملف تعريفي، في ثوانٍ، لذلك ففي غضون ساعتين، “ستتحدث الدولة بأكملها عن القصة التي نريد. سريع وهائل وفعال بشكل رهيب”، يؤكد رجل الأعمال الإسرائيلي.
تعليقات الزوار ( 0 )