Share
  • Link copied

تحديات أمنية ومالية تهدّد بإجهاض مشروع أنبوب الغاز الجزائري النيجيري

يواجه مشروع الأنبوب الناقل للغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر الجزائر صعوبات مالية وأمنية تؤجل دخوله حيز الخدمة في المدى القريب، الأمر الذي يشكل عثرة لرهان الجزائر على استغلاله في إطار اقتصادي وجيوسياسي.

ولا تخفي القيادة السياسية في الجزائر تطلعاتها إلى استغلال أزمة الطاقة التي فجرتها الحرب في أوكرانيا من أجل أداء دور إقليمي أكبر عبر التحول إلى محطة تموين لأوروبا وبعض أسواق الشرق الأوسط بالمنتوج المحلي أو الأفريقي من الغاز، لكن يبدو أن هذه التطلعات تواجه إكراهات في الواقع.

ولن يتم تسليم مشروع أنبوب “أجاكوتا – كادونا – كانو”، الناقل للغاز النيجيري من الجنوب نحو الشمال، في الربع الأول من العام الجاري كما كان متوقعا، حيث لم تتعدّ نسبة الإنجاز سقف السبعين في المئة، الأمر الذي يؤجل دخول أنبوب الغاز الأفريقي – الأوروبي عبر الجزائر الخدمة إلى آجال أخرى، وهو ما يشكل انتكاسة للمراهنين عليه لتحقيق مكاسب اقتصادية وإستراتيجية في المنطقة.

وتعترض المشروع عراقيل مالية وأمنية وسوء تسيير نتيجة تضخيم فاتورة الإنجاز بنحو 570 في المئة، وعدم قدرة الحكومة النيجيرية على ضخ أموال إضافية لاستكمال التشييد، فضلا عن الأخطار الأمنية الناجمة عن نشاط حركات إسلامية متشددة في المنطقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى جماعة بوكو حرام.

وذكر تقرير محلي أن “المشروع يواجه عدة عوائق تمويلية وأمنية، وتلاحقه شبهات فساد، بينما تصر شركة النفط الوطنية النيجيرية على استكمال المشروع، حيث ضخمت كلفته بنسبة 570 في المئة مما يهدد بالتخلي عنه”.

ودفعت المعطيات المستجدة مسؤولي شركة النفط الوطنية إلى الرد بطريقتهم الخاصة من خلال النزول إلى الميدان للاطلاع على سير أعمال المشروع، وللتأكيد على أن الأشغال لم تتوقف به بعد انسحاب الشركات الصينية الممولة له.

ولفت التقرير إلى أن “المؤسسات الصينية التي كانت ستمول 85 في المئة من مشروع الأنبوب انسحبت منه لأن كلفة إنجازه مضخمة بـ570 في المئة، وأن كلا من البنك الصناعي التجاري الصيني، والوكالة الصينية للتأمين على الصادرات، كانا سيوفران 2.38 مليار دولار من التمويلات اللازمة للمشروع الذي قدرت كلفته الإجمالية بنحو 2.5 مليار دولار، بينما تتكفل شركتان نيجيريتان بتمويل يقدر بـ420 مليون دولار ما يمثل 15 في المئة من كلفة المشروع.

وأفادت صحيفة نيجيرية أن “انسحاب الشركتين الصينيتين من المشروع تسبب في توقيف الأعمال بالمشروع، حيث لا يوجد تمويل لتغطية كلفة المقطعين الثاني أبوجا – كادونا والثالث كادونا – كانو”.

وذكرت تقارير محلية بأن الرئيس النيجيري محمد بوخاري لن يحقق حلمه بإطلاق المشروع خلال ولايته الرئاسية الجارية، وأن الرئيس القادم تينوبو بولا أحمد الذي سيستلم السلطة نهاية شهر مايو الجاري هو من يكون صاحب الشرف حال الانتهاء من عملية الإنجاز.

وتراهن نيجيريا المالكة لأكبر احتياطي مؤكد من الغاز في أفريقيا والمقدر بنحو 200 تريليون قدم مكعب على استغلال مواردها من أجل تصديرها إلى أوروبا قبل حلول موعد الحياد الكربوني العام 2050 في القارة العجوز، عبر مشروعين هامين الأول يعبر دولتي النيجر والجزائر، والثاني يصل بين نيجيريا والمغرب مرورا بعدة دول أفريقية.

وتعتبر المسافة المارة على تراب نيجيريا بأكثر من 600 كيلومتر هي الجزء الأول من المشروع الضخم الممتد على مسافة تفوق 4 آلاف كيلومتر، وتعول عليه سلطات البلدان الثلاثة ليكون مصدرا لتغيير وجه الحياة في مناطقها المعزولة لاسيما على مستوى التموين بالكهرباء، حيث ينتظر أن ينقل 30 مليار متر مكعب وتقدر كلفة إنجازه بـ13 مليار دولار.

واعترف الرئيس التنفيذي لشركة النفط الحكومية النيجيرية ميلي كياري بتأخر وتيرة الإنجاز، لكنه أصر على إرادة الانتهاء منها بالقول “على الرغم من تقدم مشروع خط الأنابيب البالغ طوله 614 كيلومترا بوتيرة أبطأ مما كان متوقعًا في الأصل، ما تزال الشركة ملتزمة بتطويره بعد إنفاق أكثر من مليار دولار”.

وأضاف كياري “سنستمر في تمويل المشروع على الرغم من حقيقة عدم وجود طرف ثالث مموّل له”، لافتا إلى أن الشركة أنفقت ما يفوق 1.1 مليار دولار من إيراداتها المالية على هذا المشروع حتى الآن”.

وتابع “لقد فاتتنا بعض الجداول الزمنية، لكننا نحاول اللحاق بالركب، لقد وضعنا عددا من التدخلات الضرورية، بما في ذلك الموارد الإضافية المطلوبة لتسليم المشروع، وبحلول الربع الثالث من عام 2023 سنكمل مهمة اللحام بأكملها في الخط، مما يعني أننا سنكون قادرين على تنشيطه بحلول نهاية هذا العام”.

ولعل ما يؤكد الارتباك المالي للمؤسسة تصريحه بالقول “الآن لا ندين بدولار لمقاولينا (…) لقد دفعنا جميع فواتيرهم (…) يوجد أكثر من 30 موقعا نشطا في المشروع، ونأمل أن ننفذه”.

وتقول الجزائر إن مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء يهدف إلى تحقيق أهداف إستراتيجية تحقق الاندماج القاري وتطوير البنى التحتية وتحسين شروط الحياة، بحسب تصريح رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن أدلى به في منتدى تمويل المنشآت في أفريقيا.

ويدخل المشروع في سياق جزائري يرمي إلى تحقيق تفوق إستراتيجي في مجال الطاقة بالمنطقة، بتركيز الموارد المحلية والقارية بين يدي الجزائر، واستغلال الوضع الذي أفرزته الأزمة الأوكرانية من أجل صناعة تكتل أفريقي في مجال الطاقة بإمكانه إحداث توازنات مع زبائن السوق الأوروبية.

وتراقب الجزائر بقلق غير معلن العثرات التي تعتري المشروع خاصة في ظل المنافسة التي يفرضها المشروع الثاني الواصل بين نيجيريا والمغرب، والذي حقق أشواطا متقدمة.

ويبقى الجزء العابر لتراب النيجر هو المرحلة الصعبة في مسار المشروع الجزائري – النيجري قياسا بالظروف الاقتصادية والأمنية التي تعرفها البلاد والمنطقة عموما، قبل أن يصل مرحلته الثالثة والأخيرة والتي تتمثل في مجرّد الربط بالأنابيب الجزائرية العاملة.

(العرب)

Share
  • Link copied
المقال التالي