Share
  • Link copied

تحالُف الأحزابِ الشَّعبَوِيَّة ضدَّ البُنوكِ المغربية!

ملفات حَارِقة و تَحدّيات شاهِقَة و عَلامَات فارِقَة، تِلْكُم تَمثُّلاتُ الوضع العامِ في القادِمِ من الأيامِ. حقًّا سنخرج من الأزمة لكي نقول أن الأحزاب السياسية المغربية لم تكن في الموعد !. وَ هَا أنتم تَشْهدون بِأنَّه ليس بيْنَنا حزبٌ رشيدٌ يقدم أفكار جديدة و يبدع حلولا مفيدة تساعد على الصرامة و التفاؤل في مُلامَسَة الإنقاذ الوطني. 

هكذا -إذَنْ- تجد الحزب المتصدر لنتائج الإنتخابات يقود الحكومة المغربية و هو عاجزٌ عن خدمة الوطن و المواطنين، مثلما تجد الحزب الثاني مُعارِضًا دائِخًا عن الإجتِهاد و تقديم بديلٍ واضحٍ للتعاطي مع مرحلة ما بعد فيروس كورونا في المغرب، خصوصا على مستوى إستدراك الإنتكاسات الاقتصادية و توسيع دائرة الإنْفراجَة الاجتماعية.

و إذا كانت السياسة العَقلانِية تنصح الجميع بِمَكارمِ إجْتِناب رذائِل الشّعبوية الهدَّامَة التي يسعى بها دَهاقِنَة العدالة و التنمية و فُلول الأصالة و المعاصرة ، الذين ملَّ البرلمان من هَرَج و مَرَجِ لَغْوِهِم و إفتِعالِ التَّهَجُّمِ المشترك ضد مؤسسات بنكية و تشويه سمعتها بتهمة عدم دعمها لجهود الدولة في مواجهة كورونا.

فإنَّ الحِزبين القاصِرَيْن يَقْضِيَّانِ أَوقاتَ الفَرَاغِ السياسي تَائِهَين عن مُلاَمَسَةِ أجوبة المرحلة المقبلة في ظل غياب إستراتيجية إستِشْرَافِيَّة واضحة تُطَمْئِنُ البنوك المغربية و تُشَجِّعُها على لعب الدور الرِيادي و القيادي للخروج من الأزمة الراهنة. بل نَجِدُ كلاَ الحزبين يَعمَدَان إلى دغدغة عواطف بعض الأصوات الإنتخابية عبر استهداف المؤسسات البنْكِيَّة التي تعمل بالمُستطاعِ من الجد و المسؤولية قصد توفير التمويل اللازم للقطاعات المتعددة المتضررة من أزمة كورونا. 

إن الإشكال الخطير يتجسد في أن الجاهلية المُدانَة للحكومة المَدِينَة، لا تساعد البنوك المغربية عبر وضعها لخطة عمل تشمل جميع القطاعات المعنية بالتَّحَرك المُشتَرك المُستَعجلِ، أو من خلال طَرحِها خارِطةَ طريقِ أَوَّلِية حول محاور الإقلاع الشامل الذي سيدفع بعجلة الاقتصاد كيْ تُعَاوِدَ الدوران. ممَّا سيسمح للبُنوكِ بضَبْطِ مُعَامَلاتِهَا و المرونة في القيام بِدَوْرها الوطني و التمويلي في مواجهة آثارَ جائحة كورونا التي خَلْخَلَت أركان الاقتصاد العالمي و شَلَّتْ الأسواق و كسَّرت كَفَّتَي العرضِ و الطلبِ.

 و يبدو أن تنظيم العدالة و التنمية المُتَصَدِّرَ لنتائج انتخابات ما قبل كورونا، يسير خلال هذه المرحلة الدقيقة،  مُخْلِصًا لِعَقيدَته السياسوية الفَتَّانَة عبر  إستغلال ميكروفونات البرلمان لتوجيه الإتَّهامَات الشعبوية إلى البنوك المغربية.و تحت شعار الحملة الإنتخابية السابقة لآوانها يظهر رئيس المجلس الوطني لتنظيم العدالة و التنمية محمد الأزمي بصِفَتِه البرلمانية لكي يُؤَدي دور الأَفَّاكِ الجسور الذي يستهدف تعاطي البنوك مع قرار تأخير سداد القروض للمتضررين من جائحة كورونا. رغم أن حكومة العدالة و التنمية تغرد بلا برنامج علمي-عملي بعيدا عن سرب الإنقاذ الوطني.
و لأنَّنا أمام سلوك سياسوي فاشل لا يَفْقَهُ في الإنقاذ المالي و الإقتصادي عَدَا ما يَنْقُلُه من أخبار الفيديوهات الرائجة على مواقع السوشيال ميديا، و لا يأْبَهُ بخطر إنهيار المصارف و البنوك الذي سيؤدي إلى أزمة كبيرة مما يجعل هذه الأخيرة تبدي نوعا من التَّحَفُّظ و التَّحَوُّط المشروع. فإن محمد الأزمي لن يستطيع الجهر بالحقيقة التي ستكون ماسِخَةً لتنظيم العدالة و التنمية الذي يقود الحكومة دون بوصلة مُرشِدَة. نعم .. هو لا يستطيع إجتناب شهادة الزور مع الإِقرَارِ بأن الوطن المغربي أمام الوضع المستجد في حاجة إلى إستراتيجية جديدة تفرض على الفاعل الحزبي الفاشل مغادرة مواقع القرار الحكومي، لأن فاقد الشيء لا و لن يُعطيه !. 

و ذلك لسبب بسيط يتَلَخَّصُ في متن العبارة الآتية: أن الأحزاب التي تجهلُ القراءَة العقلانيَّة لِتَداعيات الأزمة ، و لا تملكُ تصورا متكاملا لإخراج المغربيات و المغاربة من براثين الركود القادم. هذه الأحزاب ليس لها شرعية و لا مشروعية الإستمرار في تدبير الشأن الحكومي بعد إنكشاف قصورها الذاتي و سقوط برنامجها الحكومي، حيث أنها تقود الوطن و المواطنين إلى السقوط في غياهب المصير المجهول !. و إسألوا أهل الإختصاصِ إن كنتم لا تعلمون.
لذا نجد أن حلول الأزمة المُتَشَعِّبَة تنطلق من تَقْوِيم هذا الإعْوِجَاجِ السياسي الحاصل عبر الفسح في المجال أمام فريق حكومي مُؤَهَّل يَستَطِيعُ تدبير الكارثة العامة و يَقْدِرُ على الإحاطة ببرنامج الإنقاذ الشامل. فَكُلَّما طال عمر حكومة العثماني كلَّما إتَّسَع خطَرُ التدبير المَشلول. و كلَّما اتَّسَعت دائرة السجال الفارغ و توريط المؤسسات في صراعات إنتخابوية دون معنى، كلَّما أخلفَ المغربيات و المغاربة موعدَهم مع التاريخ و تَأَخَّروا في النُّهوض من شِرَاكِ الجائِحة و تداعياتها المتعددة الأبعاد.

و لأن مصلحة المواطنات و المواطنين تَتَعارَض اليوم مع الشعبوية الإنتخابوية و الجهالة الحزبية. فَيَجِبُ توفير فريق حكومة الإِنقاذ العقلاني الذي يأخذ بعين الإعتبار مصلحة الجميع عند اتخاذ القرارات و عند تنفيذها. بحيث يصبح الهدف الإستراتيجي لمرحلة ما بعد كورونا: تجاوز الركود الإقتصادي القاتل و الإنهيار الإجتماعي!. و ذلك عبر تقوية التعاون بين كل الفاعلين، دون السقوط في أَفْخاخِ الهواجِس الضيِّقة لأحزاب بعينها تعمل على حماية “مصالِحِها الإنتخابوية الخاصة” . في حين أن التدابير الحكومية يجبُ أن تعكِس “المصلحة الوطنية العامة” و ذلك لن يتم إلاَّ باعتماد سياسة العقل و العقلانية!.

 و حتى لا يُزَايِد علينا دَهاقِنَة و فُلول الإسترزاق الحزبي بالإختباء خلفَ ذرائع إحترام الديمقراطية. فإني أَخْتِم بما قاله المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز في أنّ حديثنا عن العقلانيّة، هنا، لا ينصرف إلى الوجه الفلسفيّ والفكريّ منها، من حيث هي منظومةُ تفكيرٍ مَبْنَاه على العقل، كسلطةٍ معرفيّة، وعلى قوانينه بما هي قواعد منطقيّة صارمة. و إنّما يعنينا منها تجسيدُها الماديّ (السياسيّ)، أي ترجمة نظامها المنطقيّ في العلاقات الماديّة وفي التّنظيم الاجتماعيّ و السياسيّ في صورة عَقْلَنَةٍ لنظام العلاقات تلك. 

إنّ العقل نفسَه ليس شيئاً آخر، في معناهُ، سوى التّنظيم و الضّبط و الاتّساق. و هلِ الدّيمقراطيّة شيءٌ آخر غير هذا ؟! ؛ غير تنظيم العلاقة بين الفرد و المجتمع، المجتمع و الدّولة، بين المصالح…، بما يُحافظ على وحدة الجماعة السّياسيّة من جهة، وتمكينها من الموارد والأسباب القمينة بتحقيقها التّقدّم من جهةٍ ثانية.

 *شاعر و كاتب مغربي

Share
  • Link copied
المقال التالي