تُلقّب بعروسِ جبال بني يزناسن.. قريةٌ تقع غير بعيدة عن مدينة بركان. تُعدّ من أهمّ المواقع تنوّعاً بيولوجيا، وغنىً أركيولوجياً، في المغرب.. إنها تافوغالت، التي يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر بحوالي 850 كيلومتراً، والمشهورة أيضا بـ”مغارة الحمام”، الذي يستقطب العشرات من الباحثين والعلماء، للتنقيب عن مخلّفات العصور الغابرة.
بجبالٍ شامخةٍ، وأجواء ربيعية مبكرة، تُعبر عنها الأشجارٍ الخضراءُ الواقفة، والزهور اليانعة، وقطرات الندى الملازمة لأوراق النباتات كلّ صباحٍ، عادت تافوغالت، لإغراء سكان الجهة الشرقية لزيارتها، والاستمتاع عن قرب بجمالية مناظرها، والشعور بثقلِ حملها الثقافيّ التاريخيّ، باعتبارها منطقة احتضنت أقدم عملية جراحية، لحد الآن، في التاريخ، بعمبر يناهز 12 ألف سنة.
“تافوغالت منطقة لا يمكن وصف جمالها.. طبيعة خلّابة، وتاريخ غنيّ”، يقول محمد، ابن بركان، الذي يعتبر القرية المذكورة، الواقعة في جبال بني يزناسن، واحدةً من أهمّ ما يتوفر عليه المغرب كله، لأن “أهميتها لا تكتسيها من أشجارها أو أزهارها، أو حتى حيوان الأروي المنتشر في محميتها، بل مما تتضمنه كهوفها.. تاريخ الإنسان موجود بها”، حسبه.
وأضاف الشخص: “ما قلته هو شعوري الشخصيّ، غير أن المنطقة عموماً تعتبر مهمة في الجهة الشرقية، باعتبارها من أبرز الوجهات، إن لم تكن الأبرز، للسكان خلال فصل الربيع. فإن كانوا خلال الصيف يقصدون الشواطئ، فإنهم في مع اقتراب الربيع، لا يجدون مكاناً غير تافوغالت وزكزل، للاستمتاع بالأجواء الجميلة”.
المسافات الزمنية تُختصر في تافوغالت، فلا يفصل بين آلاف السنين الغابرة، ومنازل سكان المنطقة، سوى بضع أمتارٍ، ولا تتجاوز الحواجز بين الكائنات الحية في المحمية، وبقايا نظيراتها المنقرضة سوى بضعِ أميالٍ على الأكثر، وهو ما يجعل البعض يقول إن المنطقة “شبيهة بآلة زمنيةٍ، تسافر بك بين الأزمنة. بجسد في الحاضر، وعقلٍ يغوص في الماضي السّحيق”.
بين سكينٍ حديثٍ يُقطّع بها الجزّار لحم الخروف، وأداةٍ مشابهةٍ استعملها أسلافه لذات الغرض، قبل آلاف السنين، هناك أمتارٌ معدودة، ولا يمكن للقادم إلى تافوغالت، ألا يسافر بذهنه لأجداده من “الإنسان العاقل”، وألا يتخيّل “رجلاً وسط مجموعة بشرية، يحاول صناعةَ أداة يُقطّع بها الحيوانات، أو سوارٍ يُزيّن به رقبته”، وفق تعبير شخص زائرٍ للمكان، فضلَ مناداته بـ”عاشق تافوغالت”.
وبالرغم من عودة الزوّار للتوافد على تافوغالت من جديد في الأيام الأخيرة، إلا أن الأمر، حسب إفادات لعدد من سكان المنطقة وبعض التّجار النشطين بها، لم يرق لحد الآن، إلى اعتبار أن الوضع عاد لما كان عليه قبل شهر مارس من السنة الماضية، حين أعلنت الحكومة حالة الطوارئ الصحية للتصدي للجائحة.
ويمني أصحاب المطاعم الشعبية بتافوغالت، النفس، في أن تعود الأمور لطبيعتها، خصوصاً مع شروع السلطات الصحية في توزيع اللقاح على جهات المملكة استعداداً لإطلاق حملة التلقيح، التي يُعوَّل عليها من أجل رجوع الحياة لما كانت عليه قبل الجائحة، وتوافد السيّاح من مختلف أرجاء المغرب على المنطقة، بدل الاقتصار على قاطني المدن المجاورة.
وفي سياقٍ متصلٍ، يقول حمزة أبراهمي، الباحث في البيئة والتنمية المستدامة، إن منطقة تافوغالت، تعتبر موقعاً أركيولوجيا مهماً نظرا لتواجد مغارتي الحمل والحمام بها، إذ تصنف منطقة سياحية تاريخية، بحيث أن البشر سكنوها منذ مئات الآلاف من السنين، وهذا ما أثبتته دراسات أركيولوجية حديثة، أظهرت وجود جماجم بشرية قديمة، وكذلك مستحثات لحلي قديمة جدّاً”.
وتابع أبراهمي بأن اكتشاف أهمية المنطقة أركيولوجيا وجيولوجيا، كان مند بداية القرن العشرين، وفي منتصف القرن نفسه، حوالي 1953 سنة، تم اكتشاف مغارة الحمام، التي عرفت توافداً مستمراً للبعثات العلمية، ولا زالت مستمرةً لغاية اليوم”، مسترسلاً: “ففي دراسة حديثة على جماجم بشرية بمغارة الحمام، أظهرت آثارا لعملية جراحية، إذ اعتبرت الأقدم من نوعها في تاريخ البشرية، بـ 10 آلاف سنة قبل الميلاد”.
وإلى جانب أهميتها الأركيولوجية، يضيف الباحث نغسه، فإن تافوغالت تتوفر على منتزهات طبيعية، تتكون من تضاريس، غابات، شلالات، ووديان دائمة الجريان، إضافة لتنوعها البيولوجي من الفونة والفلورة، مشيراً إلى أن غاباتها تتكون من الصنوبر، البلوط، العرعار، ما جعلها موطناً للخنازير والوعول، وذلك عدة أنواع من الطير البرية”.
ونبه أبراهمي إلى أن كلّ هذا التراث الطبيعي، جعل من تافوغالت، منطقة سياحية جبلية بامتياز، إذ تدر على ساكنتها دخلاً من النشاط السياحي، في انتظار تنمية المنطقة، التي تفتقد للبنية التحتية الضرورية والتأهيل السياحي، وهي الأمور التي تعتبر من أبرز العقبات التي تقف حائلاً ضد تطور المنطقة.
تعليقات الزوار ( 0 )